حسين علي الناصر
يشكل الإعلام رافداً مهماً من روافد توضيح الحقائق للشعب إذا سار ضمن إتجاهات متوازنة بعيدة عن التأثيرات التي تعصف به لتحرفه عن مبادئه الإنسانية العالية، وتجردهُ من مهنيته وشرف العمل الجهادي، لهذا فالإعلام اذا تم توظيفه بالشكل الصحيح المتنامي فإنه يحقق تأثيراً فعالاً في المجتمع، ولقد لعب الإعلام دوراً مهماً في دول تحترم هذه المهنة وتضعها في أولويات تطور البلاد من خلال تشخيص عناصر الإخفاقات وتحديد الوسائل الكفيلة بالنهوض والكشف عن خفايا المجتمع وما يدور في فلكه، فلقد ساهم في إسقاط حكومات وكان البعض يعدّهُ منقذاً له لكشف مسيرة الدولة وإظهار السلبيات التي ترافق عمل الحكومة، وهذه الحالة نجدها نادرة في غالب الدول إلا النزر اليسير ولا سيما الدول التي لا تعطي للإعلام مكانته الحقيقية وتوفر له كل مجالات العمل بكل حرية ومن دون ضغوط، غير أن الحالة تختلف جوهرياً في بلادنا، فالإعلام إتخذ له إتجاهات عديدة وانغمس في وضعٍ ساهم في شلّ حركته، فالبعض تقوقع في أطر سياسية قيدتهُ بقيودها وجعلته أسير توجهاتها وتنفيذ سياساتها ضمن توجه سلطوي لا يمكن أن يحيد عن خطه والبعض إتخذ سلوكاً إنتهازياً من أجل الحصول على مكاسب مادية دون الرضوخ الى احترام المهنة وأمانتها وإنما وضع الكسب الشخصي فوق كل الإعتبارات وهذا النوع من الإعلام انكشفت نواياه وسقط في منظار المجتمع وأصبح في عزلة وعدم احترام لكل إراداته لأنها متذبذبة وانتهازية وليس لها خط شروع ثابت وواضح في مساراته وإنما انحرف بشكل كلي متلهفاً وراء المكاسب الضيقة مضحياً بأمانة المهنة وقيمها الأخلاقية، لهذا فالإعلام في منظورنا ينقسم الى أربعة أقسام هي:
1- الإعلام السياسي: وهو الإعلام الذي يقبع تحت مظلة الأحزاب أو الكتل السياسية لتفعيل سياساتها على أرض الواقع وهذا الإعلام محدد بأتجاهاته وتحركاته ضمن هذا الإطار.
2- الإعلام المستقل: وهو الإعلام الذي يعمل بحرية مطلقة ضمن التزام مهني وإحساس إنساني ووجداني بأمانة المهنة ونقل الحقائق من دون أن يصيبها خدش أو تتعرض الى التأويل وهذا هو الإعلام الناجح.
3- الإعلام المعتدل: وهو الإعلام الذي يعمل بين الإتجاه السياسي والمستقل ويكون دائماً يوظف وضعه بهذين الإتجاهين ضمن مساراته الواضحة يتخذها ليرسم من خلالها خارطة اتجاهاته الواضحة من دون أن يميل الى جهة على حساب أخرى وإنما إتخذ من الإعتدال وسيلة لنهجه.
4- الإعلام الإنتهازي: وهذا النوع من الإعلام رغم كونه ضيق في توسعه وأفقه ولكنه خلال هذه الفترة بدأ ينشط ويتوسع لكونه لا يهتم بالمهنة وأمانتها بقدر ما يفكر بالحصول على المال بأية طريقة حتى لو ساهم في تحول الحقائق الى خرافات ضمن سياقات سياسية يستخدمها البعض ليوظفوا من خلال ذلك مكسب سياسي منافق على حساب إرادة الشعب وانعكاس الحقائق وتجريدها من واقعيتها بأسلوب درامي فلسفي كاذب يجذب القارئ من خلال التلاعب بالمفردات الصحفية وجعلها أكثر تأثيراً على نفسية المواطن وهذا النوع لا يمكن أن يستمر على أرض الواقع لأن عمره قصير ونوايا مكشوفة وتكشفها الأحداث شيئاً فشيئاً.
ومن خلال الأوضاع التي تشهدها الساحة السياسية العراقية الساخنة من متناقضات بدأت تأخذ دورها على الساحة للتأثير على المسيرة السياسية لعدم وجود حالة توازن في الرؤى السياسية والتخبط الذي سار بالبلاد الى هذا النوع والكساد الذي تعيشه ضمن هذه الصراعات التي اصبحت حالة مأساوية، ومن هنا لعب الإعلام دوراً في هذه التغطية الساخنة، فالإعلام السياسي أخذ يقلب الأمور ضمن الأهداف السياسية ويسخن الأمور باتجاهاتها حتى ولو لم تكن صريحة وصادقة ولكنها تؤجج الوضع وتقلب الأمور في تصوراتهم بالإتجاهات التي يسعون من خلالها لكسب ما يتمنونه، والبعض أخذ بضع لمسات واقعية في هذا الصراع المحتدم الوطيس وجعل من استقلاليته طريقاً لتوضيح حقائق الأمور التي غطتها التصريحات والمقابلات والتي كانت اغلبها متناقضة في تصوراتها لأنها ترمي الى وسيلة تقلب الرأي العام ضمن اتجاهاتها، ولكن الإعلام المعتدل لعب بصورته الواقعية والحيادية في هذا المسار وابتعد عن المجاملات وإنما شخص الأمور ضمن واقعها السياسي والتي أكدت جميعها بأن الحكومة تجاوزت كل الحواجز، يضاف الى ذلك الأخطبوط في تقلب بعض الكتل في سياساتها والتي اصبحت عنصر إزعاج لدى الشعب لأن سياستها متناقضة وأطهرت بأنها تلعب في ساحة مفتوحة بين هذه الكتلة وتلك، ولكن يبقى الإعلام المستقل والمعتدل والملتزم بقضايا الشعب هو النهج الواضح في رسم معالم الخارطة السياسية باتجاهاتها الصحيحة وغير الملفقة، لأن الإعلام هو الذي يخلق السياسي وهذه حقيقة واضحة.