مكانة المرأة في الأديان الكوردية (8)
احتلت المرأة في المجتمع الهيتي المركز الرئيسي في العبادة، حيث كانت هناك نساء خادمات للآلهة ومنهن كن تجسيدات للآلهة. إعتبر قسم من المجتمع الهيتي أن المرأة قوة خارقة وقسم آخر إعتبرها إلهة. صورة المرأة أو الإلهة المقدسة لم ترتبط فقط بالجوانب الرقيقة مثل الحب والجمال والخصوبة، بل إرتبطت أيضاً بِجوانب الحرب والقتال والتدمير وعلى سبيل المثال ظهرت عند الهنود القدماء في شكل عشرة أذرع وأنها تركب الأسد أو النمر وتحمل أسلحة الإلهة (دورجا) التي كانت تُعتبر الإلهة العليا. في هذه الحلقة نشير الى بعض الأساطير الهيتية التي من خلالها نتعرف على الدور المحوري للآلهة النسائية في المجتمع الهيتي.
على غرار الممالك الأخرى في ذلك الوقت، اعتاد الهيتيون على تبنّي آلهة من مجامع آلهة أخرى كانوا على اتصال بها، مثل إلهة الخوريين (شاووشكا Šauška)، التي كان يتم الاحتفال بها في معبدها في نينوى التي كانت مركز عبادتها. أشار الهيتيون إلى آلاف الآلهة الخاصة بهم، والتي يظهر منها عدد مذهل في النقوش التي تركوها لنا، إلا أنه لم يبقَ لها أثر اليوم سوى أسمائها [y]. يُعزى تعدد الآلهة عند الهيتيين إلى مقاومتهم للتوفيق بين الأفكار، حيث أنّ العديد من المدن الهيتية حافظت على آلهة عاصفة محلية، ورفضت جعل الآلهة المحلية كمظاهر لشخصية وطنية واحدة [z]. التعددية هي بلا شك تعود الى مستوى التمركز الاجتماعي والسياسي داخل الإمبراطورية الهيتية الذي كان لا يمكن إعادة بنائه بسهولة. على سبيل المثال، اعتقد الهيتيون أن مركز عبادة (نيريك Nerik) في العصر البرونزي [ab]، الذي كان إلى الشمال من العاصمتين (حتوشه Ḫattuša) و(سابينوا)، كان مقدسًا لإله العاصفة المحلي الذي كان ابن إلهة الشمس في (أرينا) و (ووروسيمو Wurusemu)، الذي كان يسترضي من (حتوشه Ḫattuša): لأنه رجال (Kaška) قد أخذوا أرض (Nerik) لأنفسهم، فإننا نرسل بإستمرار طقوس إله العاصفة في (Nerik) ولآلهة (Nerik) من (Ḫattuša) في مدينة (Ḫakmišša)، (أي) الخبز السميك، الشرب، الثيران، والأغنام [ac].
تم التعرّف على إله الطقس هناك مع جبل (Zaliyanu) بالقرب من (Nerik)، وهو المسؤول عن تخصيص الأمطار لأراضي المحاصيل الزراعية في المدينة. من بين الحشود، تبرز قلة على أنها أكثر من محلية: (Tarhunt) له ابن، (Telipinu) وابنة، (إنارا Inara). (إنارا Inara) هي إلهة واقية (LAMMA) تشارك في مهرجان الربيع لِ(پورولي Puruli). (إشارا Ishara ) هي إلهة العهد والميثاق. يبدو أن قوائم الشهود الإلهيين للمعاهدات تمثل آلهة المجمع الإلهي الهيتي بشكل أوضح ، على الرغم من فقدان بعض الآلهة المشهود لهم جيدًا لسبب غير مفهوم. قرينه هو الإله الشمسي الهتيكي. يُفترض أن هذين الزوجَين الإلهيّين كانا يُعبدان في الغرف التوأم لأكبر معبد في (حتوشه Ḫattuša) [z].
في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، ظهرت في النقوش الهيتية بعض الإشارات الواضحة تجاه التوفيق بين المعتقدات. قامت الملِكة والكاهنة (پودوهيپا Puduhepa) بِتنظيم وترشيد دين شعبها [ae]، حيث أنها تستدعي في نقشٍ:
إلهة الشمس لِ(أرينا)، سيدتي أنتِ ملِكة جميع المقاطعات في بلاد الهيتيين! لقد اتخذتِ اسم إلهة الشمس في أرينا، ولكن فيما يتعلق بالأرض التي صنعتيها من الأرز [af]، فقد اتخذتِ اسم هبات [ag].
قد يكون إله الطقس والبرق اللويني (Pihassassa)، أصل الحصان اليوناني المجنّح (Pegasus) الذي تمّ إستخدامه من قِبل (پیگاسوس Pegasus) الذي كان بطلاً في الميثولوجيا اليونانية. كان اللويون مجموعة سكانية من الأناضول الذين عاشوا في وسط وغرب وجنوب الأناضول في العصر البرونزي والحديدي. كانوا يتكلمون اللغة اللوية التي هي إحدى اللغات الهندوأوروپية والتي هي فرع من العائلة اللغوية الأناضولية وكانت تُكتَب بالكتابة المسمارية المأخوذة من بلاد ميزوپوتاميا، وهي كانت كتابة هيروغليفية أصيلة فريدة، التي كانت في بعض الأحيان تُستخدَم أيضاً من قِبل الهيتيين. تُعتبَر صور الحيوانات الهجينة (مثل فرس النهر و “چيمايرا Chimaira “) وما إلى ذلك) نموذجية لِفن الأناضول في تلك الفترة. “چيمايرا Chimaira ” كان وحشًا مخيفًا ثلاثي الرؤوس في الأساطير اليونانية، أرعبت شعب (لوسيا Lycia) الى أن إستطاع البطل الأسطوري في الميثولوجيا اليونانية (بيلليروفون Bellerofon) الإنتصار على هذا الوحش وذلك بمساعدة البطل (پیگاسوس).
في أسطورة (تيليپينو Telipinu)، يؤدي اختفاء إله الزراعة والخصوبة (Telipinu)، إلى فشل الخصوبة النباتية والحيوانية. ينتج عن هذا الفشل الخراب واليأس بين الآلهة والبشر على حد سواء. من أجل وقف الخراب والدمار، سعت الآلهة للعثور على الإله (Telipinu) لكنهم فشلوا في مسعاهم. أرسلتْ الإلهة (هاناهاناه (Hannahannah نحلةً للعثور على الإله (تيليپينو)، فعثرتْ عليه ولدغَتْه لإيقاظه. هذه اللدغة أثارت غضب (تيليپينو) بشكل أكبر وأخذ يُحرّف تدفق الأنهار ويُحطم المنازل. في النهاية، إستخدمت الإلهة (كامروسيپا Kamrusepa) العلاج والسحر لتهدئة (تيليپينو)، وبعد ذلك رجع الإله (تيليپينو) إلى البيت وأعاد الغطاء النباتي والخصوبة في البلاد. في مراجع أخرى، كاهن مُميت يُصلّي من أجل إرسال كل غضب (تيليپينو) إلى حاويات برونزية في العالم السفلي، والتي لا يفلت منها شيء [ah]. تتضمن العديد من الأساطير الهيتية عادةً مجموعة كاملة من الشخصيات لأن المشكلة لها تأثيرات واسعة النطاق بحيث يشارك الجميع في حلّها. عادةً، لا يمكن إيجاد الحل إلا من خلال العمل معًا للتغلب على المشكلة، على الرغم من أن هذه قصص أخلاقية أقل صحة وعبارة عن المزيد من الملاحم القائمة على الحركة مع طاقم الممثلين.
هناك أسطورة أخرى تعكس هذا النمط من الحبكة وهي “ذبح التنين” [ai]. لقد تمت تلاوة هذه الأسطورة خلال طقوس رأس السنة الجديدة للهيتيين، والتي تم إجراؤها لِضمان الإزدهار الزراعي في السنة المقبلة. تدور هذه الأسطورة حول ثعبان أو (تنين) يُمثّل “قوى الشر” ويهزم إله العاصفة في قتال. تتوصل الإلهة (إنارا Inara) إلى خطة لِخداع الثعبان وقتله، فتُجنّد إنسانًا يُدعى (حوپاشيا Ḫupašiya) للمساعدة في قتله. بطبيعة الحال، لا يرغب (حوپاشيا) في تقديم المساعدة دون الحصول على نوع من الحوافز، لذلك يجعل (حوپاشيا Ḫupašiya) أن تنام الإلهة (إنارا) معه قبل تنفيذ مخططها. بعد ذلك تدعو الإلهة (إنارا) الثعبان إلى وليمة، ويجعلان الثعبان يَسْكَر بحيث يستطيع (حوپاشيا) أن يربط الثعبان وثمّ يتدخل إله العاصفة ويقوم بِقتل الثعبان بنفسه.
كما هو الحال في أسطورة (تيليپينو Telipinu)، تم استخدام الإنسان لمساعدة الآلهة في مؤامراتهم، مما يؤكد بشكل أكبر على العلاقة المألوفة بين البشر والألوهية. ليس للإنسان دور كبير في القصة، لكن وجوده عبارة عن مساعدة وليس إعاقة. كما تُسلط هذه الأساطير الضوء على الأدوار التي لعبتها الآلهة في الأسطورة و في الحياة. تثير الآلهة القوية معركة أو تفعل شيئًا آخراً لخلق القضية المركزية لكل أسطورة، ثم تقوم الإلهات (الآلهة النسائية) بتحقيق المنجزات من بعدهم وحل كل شيء بالعقل. لسوء الحظ، على الرغم من تدخلهنّ المفيد، إلا أنه لا يمكن للطبيعة العودة إلى وضعها الطبيعي حتى يكمل الإله الخطوة الأخيرة قبل أن تبدأ الحياة الطبيعية. يجب أن يستيقظ الإله ويستأنف واجباته، أو يقتل الوحش، أو أفعال أخرى تُثبت أن قوته فوق قوة الآخرين.
غالبًا ما تم تكييف الأساطير الهيتية المتعلقة بالآلهة التي لم تكن في الأصل هيتيًا وتمّ استيعابها. كانت الإلهة الخورية (شاووشكا Šauška) واحدة من العديد من الآلهة التي تمّ تبنّيها والتي تم استيعابها في مجمع الآلهة الهيتية من خلال الإرتباط بآلهة مماثلة والقيام بِتعديل في أساطيرهم. نظرًا لأن الأساطير كانت جزءًا كبيرًا من ممارسة العبادة الهيتية، كان فهم قوى الإلهة (شاووشكا Šauška) وتاريخها ضروريًا لتطوير الطقوس والتعاويذ التي تستدعيها. تم إجراء تغييرات طفيفة مماثلة مثل هذه أيضًا من خلال استيعابها او ارتباطها الوثيق بآلهة أخرى، مثل الإله (أنزيلي Anzili) وكذلك ( گیشتینانا Geštinanna) مع السمات الشخصية للعديد من الآلهة الأخرى، نمت قوة وشعبية (شاووشكا Šauška). إحدى الطرق المبتكرة التي تم بها إستغلال الإلهة (شاووشكا Šauška)، كانت في طقوس التطهير مثل (اللايتوراهي Allaiturahhi’s)، حيث تم استغلال تقاربها مع العالَم السفلي وتفسيره بطريقة أفادت القارئ وجعلتها حامية، وليست ضحية، كما هو الحال في أسطورة بلاد ما بين النهرين. كما أن علاقة (شاووشكا Šauška) بالعالَم السفلي جعلتها إلهةً ثمينةً مهتمةً بالعالَم السفلي، خاصةً عند النظر إلى صلاتها الأخرى بالحرب والجنس والسِحر. أدى الجمع بين هذه الخصائص إلى زيادة تأثيرها بشكل كبير، حيث كانت خصوبة الأرض واحدة من أهم الأولويات الأساسية للهيتيين [aj] [ak]. أدرك الهيتيون أن الإلهة (شاووشكا Šauška) كانت بارزة إلى حد ما في الثقافات الأخرى وخلقوا طقوسًا “تُعامِلُها كإلهة عالمية” [al]. تم احترام الاختلافات بين الآلهة الخارجية مثل (شاووشكا Šauška)، على الرغم من أنها كانت معبودة من قِبل الهيتيين.