مكانة المرأة في الأديان الكوردية (20)
قبل الحديث عن مكانة المرأة الإيزيدية وحقوقها، يجب التطرق الى بعض الأمور التي لها علاقة بالموضوع الذي نحن بِصدده. كان للدين الإيزيدي في القرن الثاني عشر الميلادي كتابان، كتاب (الجلوة لِأهل الخلوة) الذي هو من تأليف الشيخ (حسن بن الشيخ أبو البركات آدي الثاني)، أي من تأليف إبن أخ الشيخ (آدي بن مسافر هَكاري)، وكتاب (مصحف رَش) الذي مؤلفه غير معروف. تم فقدان وحرق هذين الكتابَين خلال حملات الإبادة التي تعرض لها الايزيديون في القرون الماضية، حيث أنّ الايزيديين في تراثهم الشفهي يذكرون ويؤكدون على وجود هذَين الكتابَين. تذكر الباحِثة (E. S. Drower) في كتابها المعنون (طاؤوس ملك) المطبوع في لندن في سنة 1941، أنّ الكتابَين المذكورَين هما من الكتب الدينية الإيزيدية وأنه تم تأليف كتاب (الجلوة) من قِبل أحد أولياء الإيزيديين في سنة (1161) ميلادية، وأنّه تمّ تأليف كتاب (مصحف رَش) في سنة (1342) ميلادية، دون ذكر أسماء الأولياء الإيزيديين الذين ألّفوا الكتابَين.
لقد تمّ إصدار كتابَين بِنفس الإسمَين المذكورَين، (الجلوة لأهل الخلوة) و (مصحف رَش) باللغة الكوردية، بحروف خاصة تُشبه الحروف الآرامية الى حدّ ما. يذكر الدكتور (خليل جندي) في مقابلة له تمّ نشرها في (موقع ومنتديات ولاتي مه) في كوتنكن / المانيا بتاريخ 9 مايس/أيّار سنة 2007، أنه بالإستناد الى لغات ولهجات أقوام المنطقة، من المُرجّح جداً أنّ مؤلف الكتابَين المذكورَين هو شخص مسيحي، كلداني أو آشوري أو سرياني، كان يعيش بين الإيزيديين ويعرف معتقدهم بشكل لا بأس به، ومُطّلع بهذا الشكل أو ذاك على أدبهم الديني الشفاهي، وقام بالتالي بِتأليف الكتابَين. يستطرد الدكتور (خليل جندي) في حديثه قائلاً بأنّه يشكّ في كَوْن هذين الكتابَين هما الكتابان الأصليان بسبب مضمون الكتابَين من ناحية البلاغة والصياغة والحجم وعدم وقوع الكتابَين الحقيقيين في متناول اليد، حيث أنه ليس من المعقول أنّ متصوّفاً كبيراً بِدرجة الشيخ (آدي) الذي قال عنه المتصوّف الكبير (الشيخ عبدالقادر گيلاني) (لو كانت النبوة بالمُجاهدة لَنالها الشيخ آدي بن مسافر) ولا شخصية بِمقام (الشيخ حسن بن أبي البركات آدي الثاني)، يقوما بتأليف كتاب أو كتابَين عدد صفحات الأولى (الجلوة) (7) سبع صفحات فقط، موزّعة على خمسة فصول، وعدد صفحات الثانية (مصحف رش) (14) أربعة عشر صفحة فقط، حيث يقول (ابن خلكان) وغيره من الأعلام المشهورين أن (الشيخ حسن) كان شاعراً وأديباً وفيلسوفاً وداهية عصره، ويقول عنه (ابن طولون) {لقد اختلى الشيخ حسن (6) ست سنوات، فألّف كتاباً سمّاه “الجلوة لأهل الخلوة”}. كيف بإنسان بهذا المقام والمنزلة العلمية والذكاء، يخرج بعد (6) ست سنوات من خلوته بِكتاب من (7) سبع صفحات فقط؟! الى جانب ذلك، مَن يقرأ الكتابَين المنشورَين، يجدهما مكتوبَين بِلغة كوردية ركيكة. لقد تمّت ترجمة الكتابَين الى لغات عديدة، منها الإنگليزية والعربية.
مما سبق، نرى أنّ الدين الإيزيدي مبني على التراث الشفاهي غير المدوّن وعلى ما يُسمّى عندهم بِ(عِلْم الصدر). لذلك ستكون المعلومات عن مكانة المرأة في الدين الإيزيدي والأدوار التي لعبتها المرأة الإيزيدية التي أتحدث عنها، مُستندة الى التراث الشفاهي الإيزيدي والذي هو بِدوره متأثر بِأديان وعادات وتقاليد المجتمعات المُحيطة بالمجتمع الإيزيدي، وخاصةً المجتمع الإسلامي، حيث أنّه ليس للإيزيديين شريعة دينية تتضمن أحكام شرعية كاليهود والمسيحيين والمسلمين ولذلك من الصعب جداً الإستناد الى موقف رسمي للدين الإيزيدي بخصوص مكانة المرأة، إذ لا توجد هناك نصوص دينية تُحددها بسبب إعتماد الإيزيدين على التراث الشفاهي غير المدوّن وعلى ما يُسمّى عندهم بِ(عِلْم الصدر). لذلك فيما يتعلق بِمكانة المرأة وحقوقها في الدين الإيزيدي، فأنّ معظم المعلومات التي يتم ذكرها في هذه السلسلة من المقالات هي معلومات لا تُعبّر عن المكانة الحقيقية للمرأة الإيزيدية، بل أنّ معظم المعلومات عن الموضوع، هي إنعكاس للعادات والتقاليد التي إكتسبها الإيزيديون من المجتمعات المحيطة بهم، وخاصةً المجتمع الإسلامي.
خلق الإنسان
على غِرار الديانات الكتابية الثلاث، تأثرت الديانة الإيزيدية، وإنْ بشكلٍ متأخر، أيضاً في قصة الخليقة، بِتغليب الأفضلية لِآدم (الذَكَرْ)، حيث حسب الدين الإيزيدي، أنه بعد خلقْ (آدم) و(حواء)، وقعَ جِدالٌ بينهما حول أحقية أيهما في إنجاب النسل، ولذلك قرّرا الإستمناء في جرّتَين منفردتَين. بعد مُضي (9) تسعة أشهر، تمخّضت جرّة (آدم) عن (شيت وحورية) ومنهما تناسلتْ الأمة الإيزيدية، أمّا جرّة (حواء) فتمخضتْ عن ديدان فقط! [1].
السلطة الدينية
تقتصر أعضاء المؤسسة الدينية أو الأميرية على الرجال فقط. لو نتمعن في أسماء رؤساء وأعضاء المجالس الروحانية للدين الإيزيدي عبر تاريخه، فأننا لن نجد إسم امرأة واحدة بينهم. كما أنّ مجموعة القوّالين تقتصر على الرجال فقط، دون النساء [2]. هذا يُشير بوضوح الى إحتكار الرجال للسلطة والمراكز الدينية. من الجدير بالذكر أنّ مُهّمة القوّالين هي التثقيف الديني والإنشاد في الأحزان والأفراح. من جهة أخرى، يُسمح للنساء من طبقة الفقراء أن يُكرّسن أنفسهن لِخدمة ضريح الشيخ (عُدي بن مُسافر) والبابا (جاويش) وينذرن حياتهنّ له ولا يتزوجْنَ ويُحرّم عليهن الزينة أيضاً. هؤلاء النساء يقُمْنَ كذلك بإدارة شؤون الطبخ والتنظيف وتحضير الماء والمساهمة في جني الزيتون وخزنه وخزن الزيت وطبخ الحنطة وإستخراج مشتقاتها وغيرها من الأعمال التي تعارفت عليها النساء في المنطقة. كما أنهنّ يعملْنَ فتائل المصابيح الزيتية التي تضيء المعبد المُقدّس ويُشرفْنَ على إشعالها وإطفائها، حيث أنّ هؤلاء النساء المتفرغات لهذا العمل هُنّ نساء زاهدات ومتصوّفات، ممن تركْنَ الدنيا. وهن مثل الراهبات في الأديرة المسيحية.
المصادر
1. رشيد البندر. الايزيدية .. ديانة قديمة تأثرت بالمحيط وحافظت على هويتها. جريدة الحياة الصادرة في لندن عدد (12004) و (12005). تاريخ 5/1/1996؛ مجلة روز. العدد 2، صفحة 85.