راضي المترفي
أيه ياحمدان ..
عشرون عاما مضت منذ رحلت عن هذه المدينة اللعينة في ليلة اضربت عن الظهور في سمائها النجوم والقمر .. ترى من يتذكرك فيها ؟ ومن يستطيع التعرف عليك ؟ لقد شابت السوالف منك وتصدعت الاسنان وركضت خيول الزمن خببا على وجهك فتركت آثارها ظاهرة للعيان وخبا بريق عينيك وأصبحت كهلا تبدو اقرب الى سيماء ابن السبيل من السيماء التي عرفت بها .
ترى من يسكن بيت عائلتك الفاره المطل على ميدان المدينة الكبير ؟ وهل باعه مغتصبه الى احد الأثرياء الجدد ؟ أم انه لازال في السجلات الرسمية مقيدا بأسم أبوك ؟
حمدان ..
في غربتك لم تصلك إخبارا سارة وكل ماوصلك يدعو للبكاء والرثاء .. مات من اهلك من مات وارتحل عن المدينة من بقى على قيد الإحياء وتفرق الصحب وكان أكثر الإخبار إيلاما على روحك زواج سلوى واستلامك صورة زفافها على عريسها بملابسه العسكرية ونجيماته الذهبية في رسالة وصلتك بصدفة غريبة ومع كل ذلك لازلت حيا ولازالت هناك بقية من أحلام وأمنيات .
استيقظت مذعورة مشوشة ثم تمنت ان يكون مارأته في حلمها كابوسا وان لايتحقق ما رأته في منامها لكن سخرت من نفسها وتساءلت أي سخف هذا وأي كابوس ترى فيه حمدان ينام على وجهه في الميدان الكبير ويتجمع المارة حوله متسائلين عن هذا الغريب وكيفية وصوله الى هذا المكان ورقوده فيه وقد مضى على اختفائه عشرين عاما لم يسمع احد خبرا عنه .. ربما استذكاري ليلة امس سنوات الصبا والشباب وعلاقتي به ومقارنة حياتي في ما لو كنت تزوجت به بدلا من هذا الذي لايعرف غير إصدار الأوامر والنواهي والطلبات وماكنت احصل عليه من السعادة معه بدلا من تعاستي التي انا فيها .. آه كم أتمنى ان أراه واقضي معه سواد ليلة نتجاذب فيها أطراف الأحاديث والذكريات وأكركر من كل قلبي على تلك الايام التي كنا نتخلس فيها النظر او الكلام الى بعضنا من خلال الجدار الفاصل بين بيتينا ونهرع هاربين فيما لو أحسسنا بوقع خطوات احد من ذوينا .. أين أنت ياحمدان .
حمدان ..
انت على أعتاب المدينة وقد لايعرفك احد وربما تسبب لنفسك بعض المتاعب فيما لو دخلتها الان ماعليك لو انتظرت حتى ينسج الظلام خيوطه وتتخذ لك مكانا في الميدان قريبا من بيت ابوك وبيت سلوى وتناجيهما حتى الصباح وتبثهما أشواقك ونجواك وعل عينيك تأخذهما سنة من الكرى فترى في حلمك احبة اشتقت لهم وقد يطول الحلم او يقصر لكنك حتما ستراهم .
في ساعات الصباح الاولى انتشر في المدينة خبر عثور احد الضباط وهو في طريقه الى معسكره على احد الرفاق الحزبيين الهاربين نائما في الميدان الكبير قريبا من سكن الضابط فظن انه جاء لاغتياله فما كان منه الا ان افرغ رصاصات مسدسه في رأسه وهو الان جثة هامدة ينتظر وصول الشرطة لنقله الى مشرحة الطب العدلي ويتجمع الاهالي حول جثة الرفيق المذكور لكن احد منهم لم يتعرف عليه .
وصلت سلوى كبقية جاراتها الى مكان الحادث علها تتعرف على هذا الحزبي وتتشفى بموته وعندما رأته لم تتمالك نفسها وصرخت (يبوووووووووووووووه ) هذا حمدان ابن الحجي جيراننا القديم والذي هاجر قبل عشرين عاما . في تلك اللحظة وصل زوجها ومعه مفرزة الشرطة مفتخرا بقتله احد المجرمين .