مع من سيتحالف الكورد؟
جواد ملكشاهي
منذ سقوط النظام الدكتاتوري في ٢٠٠٣ و انطلاق العملية السياسية في العراق، واجه العراق ثلاثة أزمات رئيسة كادت ان تودي إلى انهيار البلد بشكل تام وهي ظهور الجماعات المتطرفة الإرهابية والصراع السياسي على المغانم بين احزاب السلطة وعمليات الفساد وسرقة المال العام الذي قل نظيره في العالم.
رغم نزيف الدم وسقوط عشرات الآلاف من العراقيين شهداء وجرحى ومعاقين وملايين الارامل والايتام نتيجة للعنف الطائفي عبر المفخخات والاغتيالات والخطف والقتل العشوائي في مختلف مناطق العراق، تمكنت القوات الأمنية رغم جميع التحديات السيطرة على الوضع الأمني وبالأخص بعد تحرير الموصل من براثن تنظيم داعش الارهابي وخلق استقرار امني نسبي في جميع انحاء البلاد.
لكن الصراع السياسي على السلطة وانتشار اخطبوط الفساد الذي شل الاقتصاد العراقي مايزالان مستمران ليومنا هذا وتشكلان التهديد الحقيقي لانهيار النظام السياسي والعملية السياسية برمتها وبالأخص مع وجود ميليشيات مسلحة تابعة للقوى السياسية والتي تستخدم كورقة ضغط لأبتزاز الآخرين، في حين حكومة اقليم كوردستان والاطراف الكوردستانية، لم تكن طرفا في استفحال أزمات العراق، بل على العكس كانت دوماً عاملاً للاستقرار وجزءا من الحل.
دأبت القوى السياسية الكوردية خلال مشاركتها في العملية السياسية على حفظ التوازنات في البرلمان والحكومة والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية حفاظا على حقوق ابناء الشعب العراقي بشكل عام وحقوق ومصالح الشعب الكوردي على وجه الخصوص من خلال العمل المشترك والتفاعل مع مختلف القوى والتيارات السياسية المشاركة في العملية السياسية بغض النظر عن انتمائاتها المكوناتية وتوجهاتها الفكرية والايديولوجية،لكنه حصل اختلال في تلك التوازنات نظرا لعدم التزام بغداد ببنود الدستور العراقي خلال السنوات الثمانية عشرالماضية.
منذ 2005 إلى٢٠٢١ جرت في العراق خمسة دورات انتخابية، سعت القوى الكوردية التحالف مع القوى الأخرى لتشكيل البرلمان و الحكومات وفقاً لمبدأ الشراكة والتوازن والتوافق لأستمرار وديمومة العملية السياسية بسلاسة وضمان مصالح وحقوق جميع مكونات الشعب العراقي وعدم هيمنة مكون معين على مقدرات وحقوق المكونات الاخرى وتوزيع الثروة بشكل عادل لتحقيق حياة حرة كريمة للمواطن العراقي.
الانتخابات الاخيرة التي جرت في العاشر من الشهر الحالي افرزت نتائج غير متوقعة ومغايرة تماما مع سابقاتها من حيث عدد المقاعد التي تحصلت عليها القوى والتيارات المشاركة فيها و وتراجع عدد المقاعد التي حصلت عليها بعض القوى التقليدية وظهور وزيادة مقاعد القوى التي لم يكن لها حضور يذكر في الدورات السابقة كتحالف تمديد التشريني والجيل الجديد في إقليم كوردستان.
في إقليم كوردستان عدا الحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي زاد عدد مقاعده، القوى الأخرى خسرت هي الاخرى عدد من مقاعدها كالاتحاد الوطني الكوردستاني وفقدت حركة التغيير جميع مقاعدها وقوى الإسلام السياسي اقتربت أيضا من خسارة مقاعدها بالكامل، وهذه الخسارات لها أسبابها الذاتية والموضوعية لا أريد الخوض فيها.
اليوم وبعد ظهور النتائج الأولية للانتخابات الصادمة لبعض التيارات الإسلامية وبالأخص القريبة من إيران والمفرحة للآخرين كالتيار الصدري والتشرينيين و المستقلين، هذه النتائج خلقت واقعا سياسيا جديدا ينبغي التعامل معه بشكل دقيق وبالأخص للقوى الكوردستانية.
قيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي حصد ٣٤ مقعدا عقد اجتماعا بعد إجراء الاقتراع لتدارس المتغيرات الجديدة على مستوى الإقليم والعراق وقرر القيام بزيارات لقيادات الأحزاب الكوردستانية جميعها من دون النظر الى حجمها في الانتخابات الاخيرة وعدد مقاعدها بهدف الذهاب إلى بغداد بموقف موحد وبدأتها بزيارة القيادات في السليمانية.
مبادرة الديمقراطي الكوردستاني لاقت استقبالا جيدا واستحسانا من القيادات الكوردستانية، مبدية دعمها المبدئي لها، ومن جانبها قررت قيادة الاتحاد الوطني أيضا القيام بمبادرة مماثلة وتشكيل وفد رفيع المستوى لزيارة القيادات الكوردستانية و التباحث معها بشأن المستجدات على الساحة العراقية و الموقف الكوردي منها.
بعد انتهاء الانتخابات مباشرة، اعلن الحزب الديمقراطي الكوردستاني موقفه الصريح من التحالف لتشكيل الحكومة المقبلة،معلنا انه سينتظر حسم النتائج النهائية للانتخابات ومن ثم انتظار حسم موضوعة الكتلة الاكبر الشيعية ومن ثم التحالف مع الكتلة التي تعلن عن موقفها الإيجابي من الحقوق الدستورية والقانونية لشعب كوردستان، فضلا على السعي لتنفيذ المواد الدستورية التي تخص العلاقة بين بغداد وأربيل بالأخص المادة ١٤٠ الدستورية وقانون النفط والغاز و حسم قضية حصة الإقليم من الموازنة العامة بشكل نهائي لتجنب عدم استخدامها كورقة ضغط سياسية ضد شعب اقليم كوردستان.
شروط الديمقراطي الكوردستاني شروط منطقية و عقلانية وتصب في مصلحة الشعب العراقي بشكل عام والكوردستاني على وجه الخصوص،فضلا على انها استحقاقات دستورية لشعب قدم انهارا من الدماء من اجل الحرية وحقوقه العادلة، وبأعتبار ان من دون علاقات ودية بين أربيل وبغداد وفقاً للدستور والقانون لايمكن ان تكون الأوضاع طبيعية في العراق.
يبق ان نشير الى ان موقف الحزب الديمقراطي الكوردستاني وتنفيذ شروطه بحاجة الى توحيد الخطاب والموقف الكورديين في بغداد، على الاقل الاتفاق على الخطوط العامة التي تخص مصالح اقليم كوردستان، وفي حال عدم استجابة الاطراف الكوردستانية الاخرى لدعوة البارتي سيكون موقف الجميع ضعيفاً في بغداد وضعف الموقف الكوردستاني في العاصمة الاتحادية بغداد سيعرض كيان اقليم كوردستان برمته للمخطار والتهديدات الداخلية والاقليمية، لاسيما هناك اطراف سياسية عراقية مرتبطة بأجندة اقليمية ستسعى في هذه الدورة البرلمانية لتعديل الدستور وتقويض حقوق الشعب الكوردستاني المثبت في الدستور.
اذن على جميع الاطراف الكوردستانية رغم الصراعات والمشاكل الحزبية ان يكونوا بمستوى المسؤولية الوطنية والقومية في مواجهة التحديات الكبيرة التي تواجه حقوق شعب كوردستان وان يضعوا مصالح الاقليم العليا نصب اعينهم وعدم التفريط بها من اجل مصالح حزبية ضيقة والعمل معا بجد وتفان في هذه الدورة البرلمانية على تثبيت حقوقنا الدستورية والعبور الى بر الأمان.