معصوم والدستور ..العبادي والتفويض المليوني!
علاء اللامي*
جاء خطاب الرئيس فؤاد معصوم ليكشف عن المزيد من الهشاشة والترهل في هذا النظام المحاصصاتي المسخ وخطاب قادته الهش والمتناقض، فالرجل حاول أن يجمع النار والماء في طست واحد فقد قال بضرورة تعديل الدستور العراقي النافذ ولكنه عاد وكرر مطلبه بصيغة زجرية وأمرية بضرورة احترام هذا الدستور و احترام مبادئه كأساس لأي اصلاحات ولأي اجراءات لأن الدستور كما وصفه هو ( الوثيقة الاساسية التي تربط العراقيين ببعضهم وتؤسس علاقات المواطنة والمساواة في الحقوق) فعن أية مواطنة يتكلم السيد معصوم وهو يعرف جيدا انه وصل الى منصبه هذا كسائر زملائه في الحكم عن طريق المحاصصة الطائفية والعرقية والصفقات السرية التي يسمونها ” للضرورة الدجلية ” التوافقات بين الكتل، و من وراء ظهر الشعب؟
وكما رصد إحدى الصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي فالسيد معصوم ( طرح عبارة “تعديل الدستور”، وهو أمر تقره إحدى مواد الدستور نفسه، ولكن بشروط تعجيزية و ضمن مسعاه لاحترام الدستور ومبادئه أي لعدم المساس به بشكل حقيقي ولهذا أجرينا بعض التعديلات التوضيحية على نص تعليقنا الذي نشرناه مساء أمس، وها نحن ننشر هذا التوضيح في الاتجاه ذاته : إن معصوم من حيث الجوهر يحذر من المساس بالدستور الاحتلالي بشكل حقيقي وجوهري وهو يغطي على تحذيره هذا بعبارة “ضرورة التعديل” ضمن الشروط التعجيزية ومنها فيتو المحافظات الثلاث خلال أي استفتاء على التعديلات ولابد لأي تعديلات دستورية كما نعتقد أن تبدأ بإلغاء هذا الفيتو وحذف مادته من الدستور . إن معصوم يتلاعب بالألفاظ للتغطية على تناقض دعوته هذه حين يدعو الى احترام الدستور ومبادئه وإلى ضرورة تعديل الدستور في آن واحد! إن معركة إعادة كتابة الدستور معركة مهمة ورئيسية وحاسمة من معارك شعبنا المنتفض ضد نظام المحاصصة الطائفية الفاسد ومن أجل نظام حكم ديموقراطي لدولة المواطنة والمساواة لا لدولة المكونات والطوائف…/ البديل العراقي) فهو فعلا الدستور الوحيد في العالم الذي يجعل اليد العليا للأقاليم والمحافظات على الدولة المركزية إذا حدث خلاف بين الطرفين فالحق مع الإقليم وليس مع العراق، و هو الدستور الوحيد في العالم الذي فيه شرط حق رفض ” الفيتو” بيد ثلاث محافظات هي السليمانية و دهوك و أربيل طبعا على باقي المحافظات العراقية حتى إذا اتفقت كلها على مادة دستورية واحدة رفضاً أو قبولا، فإذا رفضته ثلاث منها رفض تعديله أو تغييره و تسقط أصوات العراقيين في جميع المحافظات الأخرى !
ألا يعني هذا الدستور والحكم القائم عليه حكم قرقوش؟ أما حجة المحافظات الثلاث حاملة الفيتو فهم يقولون إن المقصود هو ( أي ثلاث محافظات من العراق وليس شرطا أن تكون كردية) وهذا قول تضليلي ينطبق عليه ما قاله الساخرون من القانون في فرنسا قبل عدة عقود، قالوا ( بموجب القانون الفرنسي البرجوازي فجميع الفرنسيين ممنوعون من النوم تحت جسور باريس) ولكن من ينام تحت جسور باريس فعلا؟ هل هم أصحاب الملايين والأغنياء وأصحاب المصانع أم الفقراء والشحاذون؟
وهكذا فهي ليست إلا “دكتاتورية دستورية” لثلاث محافظات على العراق كله !
إن معصوم مكلف من استاذه الطالباني و حليفه سارق النفط ومصدره الى إسرائيل مسعود بارزاني ليقول هاتين الكلمتين للعراقيين : ممنوع التحرش بالدستور والعملية السياسية الطائفية !
وهذا ما يكرره بعض الحمقى ممن يصفون أنفسهم بقادة التظاهرات وبعضهم مقاد مباشرة من قبل اللص ورمز الفساد فخري كريم.
والتحدي المطروح على تنسيقيات بغداد هو أن تدرج مطلب إعادة كتابة الدستور من قبل خبراء دستوريين في واحد من بياناتها الباردة التي تصدرها هذه الأيام .
رئيس مجلس الوزراء حيد العبادي من جانبه ألقى بقنبلة سياسية من الوزن الثقيل ، فتصريحه الجديد مساء يوم الخميس والذي جاء عشية المظاهرات الشعبية المزمعة في الجمعة الرابعة غدا، أعلن فيه أنه مستعد لإعلان الأحكام العرفية وإلغاء الدستور وحل مجلس النواب إذا حصل على تفويض شعبي مليوني.
إنه تصريح خطر ومهم، حتى إذا اعتبرناه نوعا من ” الملخ” كما يقول العراقيون في لهجتهم ويعنون بها ” المبالغة والتنطع، ( و بالمناسبة فالفعل ملخ فعل عربي فصيح وقاموسي ). فالعبادي بهذا التصريح يعني أنه بات بدرك أن لعبة الإصلاحات الترقيعية استنفدت أغراضها وانتهت وأن حل الأزمة الوطنية العامة التي تسبب بها نظام المحاصصة الطائفية ليس هنا بل في مكان آخر.. دستوريا لا يمكن للعبادي حتى إذا حصل على تفويض مليوني ( على طريقة السيسي في مصر ) أن يقدم على فعل تلك الأمور فإعلان حالة الطوارئ وحل البرلمان وإلغاء أو تجميد الدستور ليس في يده بل بيد مجلس النواب بموجب المادة ( 61 -تاسعا – ألف ) و عليه أن يقدم طلبا مشتركا مع رئيس الجمهورية الى المجلس بذلك ويستلزم حصول الطلب على الموافقة تصويت ثلثي نواب البرلمان عليه بالموافقة..ولكن المشكلة ليست هنا فخروج مظاهرات مليونية سيحول مؤسسات النظام ودستوره إلى هباء منثور ويحل عقدة لسان العبادي، بل المشكلة في إدارة الحالة الجديدة للخروج من الأزمة وهل يستطيع العبادي ومن معه فعل شيء من داخل المؤسسات الحاكمة؟ ولكن ، والحق يقال، ألا تلاحظون معي أن العبادي متقدم بتفكيره أو لأقل بنواياه على الجماعات والشخصيات والأحزاب المائعة التي تحاول ركوب الموجة وانتحال صفة قيادة الحركة الاحتجاجية؟ قارنوا – لطفا – بين بيانات السادة ” الزعماء الجدد” الداعية الى الإصلاح الهادئ وتحسين الخدمات ومكافحة الفساد بقرارات وزارية، وبين كلام العبادي الجديد والقوي والذي يعكس حالة اختناق النظام وانهياره الوشيك! وأخيرا، هل نعتبر ما قاله العبادي قبل قليل مجرد ” ملخ ” أم انه بدأ يستشعر الخطر على رأسه من حيتان الفساد المذعورة، والتي يبدو أنها أبلغته ما أبلغته من تهديدات، وكشرت له عن أنيابها؟ لماذا لا يجروء العبادي -إن كان صادقا في نواياه التغييرية – على الاستقالة من حزبه “الدعوة” على الأقل؟ الأسئلة كثيرة، والوضع يتطور بسرعة خارقة أين منها سرعة تفكير و تحرك “جماعتنا” في الجماعات الخمسة وعشرين؟!
وأخيرا لا بد من التوقف عند موقف المرجعية النجفية الأخير والذي عبر عنه ممثلها الشيخ عبد المهدي الكربلائي خلال خطبة الجمعة 28 آب. وبصراحة فثمة إشارات و رسائل سيئة عديدة وجهتها المرجعية عبر هذه الخطبة : فهي كررت تعويلها على ( السياسيين الذين بيدهم مقاليد الأمور ) ومطالبتها لهم بـ (تفهم احقية مطالب الشعب في توفير الخدمات، ومكافحة الفساد، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وقيامهم بخطوات اساسية تحقق الثقة والاطمئنان)، رغم أن الخطيب سجل حنث و تنكر وعدم وفاء هؤلاء المسؤولين بوعودهم السابقة عدة مرات والتي كما قال في هذه الخطبة ( لم يجد الشعب منها على ارض الواقع شيئا) فهل يمكن التعويل على من تنكر ولم يف ِ بوعوده السابقة؟ ثم أن المرجعية حصرت المطالب في الجانب الخدمي فقط، ولم تولي أهمية لمطالب الشارع السياسية المهمة والمطالبة بالتغيير والإصلاح الحقيقيين في ما يتعلق بطبيعة نظام المحاصصة الطائفية ودستوره وبرلمانه خصوصا وأن المرجعية تتحمل مسؤولية الترويج والدعوة للتصويت لصالح هذا الدستور عندما سلق من وراء ظهر الشعب و طرح للاستفتاء الشعبي على طريقة ( الأرنب و الغزال)!
إن المسؤولية الأخلاقية والدينية تلزم المرجعية – طالما هي ارتضت أن تزج نفسها في الصراع المصيري بين الشعب والنظام الفاسد – بأن تقول الحقيقة كاملة وتصارح الشعب و تؤيد أهدافه الحقيقية والمهمة لا أن تهتم بالصغائر و الأمور الخدمية، فالعراقيون اليوم لا يعانون من شدة الحرارة و انقطاع التيار الكهربائي فقط، بل أن العراق برمته مهدد بالزوال أو التفتيت والتقسيم وبضياع شبابه وتراثه وثرواته وأنهاره بسبب هذا النظام و دستوره و برلمانه! لا مجال و لا وقت بعد الآن لأية مساومة أو تضليل أو تسويف في مواجهة الفاسدين ونظامهم الميت والجاهز للدفن .. وإكرام الميت دفنه و ليس “طرطقة” أصابعه أو هزِّ رقبته يمنة و يسرة!
*كاتب عراقي