إن مشكلتنا مع محتلي وغاصبي جغرافية كردستان هي قضية اسقاط ذهنيتهم وتفكيرهم العنصري علينا، وبالأخص في قضية الاستقلال ونيل حقوقنا الوطنية والتي يصفونها دائماً تحت مفاهيم “الانفصال والتقسيم” حيث ولكون هؤلاء يدركون جيداً؛ بأنهم محتلين وغاصبين لجغرافيتنا فيجدون في أي تحرك كردي نوع من بداية “مؤامرة على الوطن” بهدف التفتيت والتقسيم حيث من يكون مستولياً على حق الآخر وأرضه وجغرافيته سيكون شكاكاً مرتاباً دائماً في تحركات صاحب الأرض، فحتى لو كان صاحبها يريد فلاحة تلك القطعة ليستفيد كل الأطراف منها، فإنه سيفهمها عملاً مريباً بقصد التميّز والفصل ولو بالحراثة وبأنه يريد أن يجعلها تختلف عن باقي أراضي المملكة أو المستملكة بالأحرى. وهكذا حالنا في كل من إقليم كردستان وروجآفا حيث بالرغم من أن المشروع السياسي لعموم أحزابنا، وبالأخص في سوريا، ليس مشروعاً تقسيمياً أو بالأحرى استقلالياً، بل المطالبة بحقوق شعبنا ضمن دولة اتحادية فيدرالية ديمقراطية، طبعاً ليس حباً بسوريا والشعب العربي ولا هي سياسة التقية، بل نتيجة واقع جيوسياسي حالي حيث من جهة الظروف الدولية والإقليمية وحتى المحلية لا تسمح بنشوء دولة روجآفا الكردية وكذلك ولنتيجة قناعات الكثير من القادة والأحزاب والنخب السياسية والثقافية الكردية؛ بأن مشاريع الدول القومية لم تحل القضايا القومية، بل تسببت بالكثير من الأزمات والحروب بين شعوب المنطقة.
وكذلك ونتيجة ظروف الجغرافيا السورية وتداخل المناطق ديموغرافياً، بل تمازج عدد من المناطق عرقياً وذلك نتيجة واقع الاحتلالات والمعايشة الطويلة بحيث بات من الصعب أن تجد منطقة عرقية خالصة “صافية” بالمعنى الأثني الأقوامي، فإن ذاك يجعل رسم حدود الدول القومية، دون غبن بحق مكون آخر، صعباً إن لم نقل مستحيلاً أو على الأقل لايمكن تشكيل كيانات قومية صافية مع التداخل السكاني والهجرات لأسباب عدة اقتصادية وأمنية وسياسية. وبالتالي فإن القناعة باتت لدى الكثيرين منا؛ بأن مشروع الدولة الفيدرالية الديمقراطية هو الضمان لحل مختلف قضايانا ومنها القضايا القومية طبعاً.. بالمناسبة سيتهمني الكثير من القوميين الكرد بالتخلي عن كردستان والهوية الكردية وذلك قبل أن يعارضني الآخرين من باقي المكونات السورية ولكل أولئك نقول؛ بأن الكائن البشري وخلال مسيرته التاريخية عرف الكثير من الهويات؛ منها الدينية المذهبية، القبلية والعرقية الأقوامية ومؤخراً السياسية والحزبية الأيديولوجية ولكن ها هي بعض تلك الهويات تفقد مواقعها رونقها وبريقها وتأثيرها لصالح هويات أخرى في مجتمعاتنا تدريجياً وقد سبقنا إليها الأوربيين؛ مثل الانتماء القبلي العشائري، وسيكون ذاك مصير باقي الهويات، كالدينية والقومية وذلك لصالح الهويات الوطنية حالياً وربما مستقبلاً الهوية العالمية أو الكونية، ولذلك ما في داعي تتحمسوا كتير وتنعتوني بالكوسموبوليتية مع أن نهايتنا جميعاً هو لعند ذاك الكائن الكوني.