مشروع عبير لإزالة التجاوزات ..ماله وماعليه!
د. رائد الهاشمي
مشروع عبير لإزالة التجاوزات في جميع محافظات العراق والذي تم اطلاقه من قبل حكومة السيد الكاظمي خطوة جيدة ومباركة ولو أنها تأخرت لأكثر من 18 عاماً ولقد أفرحتني هذه الحملة لأنها تحاول أن تستعيد جزء من هيبة الدولة والقانون التي ضاعت منذ عام 2003 ولحد الآن وبسبب فقدانها ضاع البلد وعانى المواطن العراقي الويلات.
لو ناقشنا بهدوء هذه الحملة وقلنا مالها وماعليها, فمن محاسنها انها ذكّرت الناس بأن هناك شيء اسمه دولة وقانون وهناك حُرمات عامة للدولة يجب أن لاتنتهك بأي حالٍ من الأحوال وهناك ممتلكات عامة عائدة للدولة ومن حق جميع المواطنين أن ينتفعوا بها ولايجوز لأفراد وجماعات ان ينتهكوا هذه الحرمات ويستغلوها لمصالحهم الشخصية ويحرموا الناس من الانتفاع بها, فهناك شارع ورصيف ومساحات من الأرض وجدت لخدمة عامة الناس ولايجوز الاعتداء عليها ومضايقة الناس ويجب أن تزال كل التجاوزات التي حدثت على الممتلكات العامة وتعود للدولة لكي ينتفع بها الناس.
اذاً أتفق وأؤيد ومعي كل مواطن عراقي يحب هذا البلد ويبحث عن هيبة الدولة المفقودة ان هذه الحملة انتظرناها ونادينا بها منذ أعوام طويلة, ولو بحثنا عن السبب الحقيقي في حدوث هذه التجاوزات التي أصبحت ظاهرة عامة ومنتشرة في جميع محافظات العراق بدون استثناء واستشرت بشكل مخيف لوجدنا أن
السبب الحقيقي هو ضعف الدولة وسيطرة الأحزاب والكتل السياسية على مقدرات البلد والانفلات الأمني الكبير بسبب وجود السلاح خارج الدولة وعدم تمكنها من السيطرة عليه ما جعل هذه الأحزاب بنفوذها الكبير وبسلطتها التي فاقت سلطة الدولة أن تسيطر على آلاف الأراضي والمساحات والبنايات الحكومية وتستغلها لمنافعها الشخصية عن طريق التقطيع والبيع المباشر للمواطنين أو الانتفاع المباشر منها أو تاجيرها أو تشييد المباني عليها مستغلة ضعف وسكوت الدولة والحكومات المتعاقبة,وهذا كله شجع الكثير من المواطنين أن يحذو حذو هذه الأحزاب بأن يتجاوز على حرمات الشوارع والطرق والأراضي لأنه عرف بأنه مال سائب ولايوجد من يحافظ عليه فتسبب كل هذا بحدوث حالة الفوضى العامة في البلد بسبب هذه الممارسات وكان الخاسر الأكبر هو المواطن الاعتيادي الذي يحترم القانون والدولة ولم يتجاوز على ممتلكاتها فهو يدفع الثمن يومياً ويعاني من هذه الممارسات الخاطئة.
اذاً فالقضية ليست وليدة اليوم أو أمس فهي نتيجة تراكمات أكثر من ثمانية عشرة عاماً ويجب أن يكون الحل في تصحيح هذه المسارات الخاطئة مدروساً بدقة وتروي من جميع الجوانب ويجب أن تدرس نتائجه بشكل دقيق وان يتم وضع حلول بديلة لكثير من الحالات الإنسانية وأهمها قضية أرزاق المواطنين وخاصة أن الوضع الاقتصادي في البلد حاله لايخفى على أحد حيث تنتشر البطالة والفقر بمعدلات مقلقة إضافة الى انخفاض القدرة الشرائية للمواطن بشكل كبير وقابله صعود جنوني في جميع الأسعار نتيجة الاجراء المستعجل الذي قامت به وزارة المالية برفع سعر الدولار في السوق المحلية والذي زاد من معاناة المواطنين وضيق عليهم المعيشة بشكل ملحوظ, فمن غير المعقول ولا العدالة أن تقوم الدولة بين ليلة وضحاها بإزالة كافة البسطيات والأكشاك التي تعتاش عليها ملايين العوائل الفقيرة دون أن تجد لهم الحلول فيجدون أنفسهم فجأة وبدون سابق انذار بلا أي مورد رزق, وكان من الأولى بالحكومة أن تفكر ألف مرة بهذه العوائل الفقيرة وان تضع حلولاً مستعجلة وبسيطة تحميهم من الجوع والضياع بأن تخصص جزء من الأراضي الكثيرة المنتشرة في جميع محافظات العراق وتعمل منها أسواق كبيرة وترتب لهم امكان لوضع بسطياتهم باشراف حكومي وببدلات ايجار بسيطة وبعقود رسمية تساعدهم على الاستمرار في اعالة عوائلهم واستقرارهم وتنقلهم من خانة المتجاوزين الى خانة الذين يحترمون القانون ويعيشون تحت ظله.
لو اتخذت الحكومة مثل هذا الاجراء لكانت حملتها الكبيرة في إزالة التجاوزات ناجحة بكل المقاييس ولكان الخاسر بها هم الفاسدين والمافيات التي سرقت البلد بوضح النهار وأمام انظار الحكومة ولكان المواطن الفقير في مأمن من الضياع والجوع والتشرد.
ختاماً أقول بان المواطن البسيط والفقير ليس من العدالة أن يدفع ثمن أخطاء حكومات تعاقبت وفشلت بإدارة البلد وتركت الحبل على الغارب للفاسدين والمتسلطين بأن يتجاوزوا على حرماتها ويسرقوا خيراتها ويتجاوزا على ممتلكاتها وعندما تصحو الحكومة من غفلتها وتريد الإصلاح يكون سيفها مشرعاً على الفقيرالذي لاحول له ولاقوة.
انا اشدّ على يد الحكومة ورئيسها بحملتها على التصحيح وإزالة كل التجاوزات ومحاسبة كل المخالفين ولكن هيهات هيهات بالفقير وبارزاق العوائل الفقيرة والمعدمة وأطالب بإيجاد الحلول لهم بمورد رزق حلال يحميهم من الجوع والحرمان.