مشروع الدكتورسمير أمين المعرفي/ونظريته الأقتصادية”التطور اللامتكافيء”
عبدالجبارنوري
الدكتورسمير أمين مفكر وعالم مصري 1931-2018 ماركسي منذ أيام الشباب والصبا ، وهو عالم مبدع في أستيعاب الماركسية فهما عميقاً ، مبشراً دوماً بأن الرأسمالية متهالكة تسير نحو التهالك والتفكك وتفرض الأشتراكية نفسها على عالمنا الشرق أوسطي ، وأيدهُ الكثير من عمالقة الأقتصاد في آراءه الأقتصادية المنتجة وقد أطلق سمير مشروعهُ المعرفي الواعد بدراسة مبكرة لموضوع : (التراكم على الصعيد العالمي) والذي وضّح فيه : أن الرأسمالية تنتج مراكز متطورة وأطرافاً متخلفة ، وإن العلاقة بين المراكز والأطراف علاقة تناحرية ، ويبيّن المفكر سمير : أن الأنتقال صوب الأشتراكية يبدأ من أطراف النظام الرأسمالي ، لذا نجح في عرض مشروعه التطور اللامتكافئ أو ما يسميه بالتبادل اللامتكافئ ولآنه :
-يؤمن بالديمقراطية والثورة .
– وهو ينتمي إلى المسار الرئيسي في بحور الماركسية وهو مسار نقد الأقتصاد السياسي الذي جربهُ ماركس بدراسة واسعة في كتابه ( بؤس الفلسفة ، وكتاب الرأسمال، ولابد أن تنتصر الأشتراكية على الرأسمالية ، العمل المأجور ، وكتاب الرأسمال بمجلداته الثلاثة ، وكتاب نظريات فائض القيمة ) .
– وقد نوّه سمير أمين بأن الرأسمالية تنتج مراكز متطورة وأطرافاً متخلفة .
– وأن العلاقة بين الأطراف والمركز علاقة تنافسية تناحرية بغيضة .
– وقد نوّه سمير بأن الرأسمالية بدأت تتأزم بنيوياً في نهاية القرن 19 وكان ردة الفعل عليها الحرب العالمية اللأولى والحرب الثانية والثورة البلشفية والثورة الصينية وحركات التحرر الوطني في بلدان عدم الأنحياز ( بادونغ ) .
– ويرى أن أحتكارات الكارتلات الرأسمالية قد تغوّلتْ تماماً على الأقتصاد العالمي لسيطرتها الواسعة على الجميع بأمتصاصها فائض القيمة طفيلياً لصالح البورجوازية الكبيرة أو ما سماها ب ( آلأوليغارشية )والتي زادت من هوة الفوارق الطبقية .
– ويرى أن الطبقة الرأسمالية المركز متمركزة حول الذات المصلحية تشغل علاقاتها الخارجية لخدمة مصالحها وبلدانها .
وفي رؤى سمير أمين حسب نظريته ( التطور اللامتكافئ) لابد من الأشتراكية أن تنتصر على الرأسمالية ، لآن التوسع الرأسمالي سيؤدي إلى فتيت الدول بأثارة النعرات الهوياتية التحتية للشعوب وتفجيرها عرقيا وطائفيا بفعل الضغط الثقافي الغربي في دفع الشعوب إلى الأنغلاق والتعصب لحماية ذاتها وهويتها ، وذهب مفكرون أبعد في نظرية اللامتكافئ في المجال الثقافي في أبراز المشتركات الحضارية بين الشعوب .
سمير أمين مفكك الرأسمالية وصاحب نظرية ( التطور اللامتكافيء) التي صاغها في سبعينات القرن الماضي محاولاً تفسير تخلف المنطقة العربية ومنها مصر ويهدف للخروج من مأزق الجمود والتخلف بتطبيق وبناء الأشتراكية ، ويستنتج المفكر الفذ : أن النظام الأشتراكي هو الذي سيسود العالم بعد أنهيار الرأسمالية وستتم عملية الأنتقال أنطلاقاً من العالم الثالث أي أطراف المركز الرأسمالي العالمي ، هكذا كان الأعلام المصري والعربي والدولي يتغنى بهذا المفكر العبقري اللامع ، من مواليد 1931 الأسكندرية ، وحاصل على شهادة الدكتورا عام 1956 من جامعة السوربون وهو أحد المفكرين الكبار الذي أثرى مجالهُ بأنجازاتهِ التي تزيد على 30 منجز، ستظل علامات مضيئة في ذاكرة التأريخ ، ترك سمير أمين العديد من الدراسات والكتب العلمية والفكرية التي تعد كمراجع أقتصادية وعلمية للباحثين في الشؤون الأقتصادية والعربية منها على سبيل المثال لا الحصر : ما بعد الرأسمالية المتهالكة ، الأقتصاد السياسي للتنمية في نقد الخطاب العربي الراهن ، ثورة مصر ، مذكراتي القومية وصراع الطبقات ، أزمة الأمبريالية أزمة بنيوية ، المادية والتحريفية ، حول الدين والدولة ، ويمكن أستخلاص جهودهُ وعطاءاتهُ في منجز تحريك جمود النظريات الأقتصادية التقليدية ووضع حلول في تفكيكها وترويضها لخدمة الفقراء والكادحين في مصر والعالم ، هو مفكر يستحق بجدارة لقب الماركسي النقدي المجدد والتجديدي ،لأنهُ يدعو في كتابهِ هذا إلى التخلص من تعريف الرأسمالية بأنّها نيولبرالية معولمة ، وأن القطاعات المسيطرة على رأس المال ليست تمثل أقتصاد السوق بل تمثل رأسمالية تجمعات أحتكارات مالية ، وكان أميناً ووفياً للمادية الجدلية بيد أنّهُ (تحامل ) على التجربة السوفيتية وبشكل عرضٍ فلسفي بأنّها مجرد ( رأسمالية دولة ) أي أداةٍ دولتيةٍ للمجتمع.
وقد أختلف شخصياً معهُ والكثيرين من الماركسيين معي ولكن لا مجال في تفنيد هذا المعتقد لأن كل مرحلة تأريخية لها خصوصيتها وتفرز تناقضاتها وصراعاتها وتحوّلْ قواها ، سمير أمين تنبأ فشل ما يسمى بالربيع العربي مباشرة بعد بداية أحداثهِ مستنداً إلى قراءاته العميقة للحركات الأسلامية ودورها السلبي في المنطقة ، فهو أشتراكي يرى أستحالة تحقيق النمو الأقتصادي في بلدان العرب بأتباع النموذج الرأسمالي الغربي الآن أي أندماج في هذا النظام الرأسمالي يؤدي إلى تعميق تخلف المنطقة .
والذي دفعني أن أكتب عن هذه القامة الشامخة هو خبر رحيله المفاجيء أندهشتُ وأنا أقرأ مقالتهُ المنشورة على صفحات الحوار المتمدن والموسومة ب : مرور مئة عام على رحيل ماركس فأخذتُ كتابهُ المشهور ” ما بعد الرأسمالية المتهالكة ” لأقرأهُ للمرّة الثانية ، ولكن هذه المرّة بحماس وأهتمام شديدين ربما لشعوري بالأسى على فقدان أحد أساطين الأقتصاد السياسي .
كتاب ” ما بعد الرأسمالية المتهالكة ” تأليف الدكتور سمير أمين هو من أهم مؤلفات الكاتب وأكثرها رواجاً ، وضح فيه نظريته وقانونهُ في موضوع (اللامتكافيء) هو أن النظام الأشتراكي هو الذي سيسود العالم بعد أنهيار الرأسمالية وللتوضيح أكثر يقول : ستتم عملية الأنتقال أنطلاقاً من العالم الثالث بصفتهِ يشكل أطراف النظام الرأسمالي العالمي التي يزداد فيه الفقر والبطالة والبؤس ستقع فيها حتماً ثورة أشتراكية لأن بلدانها غير صناعية وهنا يناقض ماركس الذي يؤكد : كلما توسعت فيها الرأسمالية أكثر فأكثر يكون حتما متطور صناعياً .
ووظف سمير في كتابه هذا أستثمار آرائه في المجال الأقتصادي إلى المجال الثقافي حين يجعل ثقافتنا مرنة غير منغلقة يمكنها أن تخرجنا من عنق الزجاجة التي نعيشها اليوم في صراعات ترقى للحروب الأهلية الهوياتية الطائفية فهو يثيرفي الكتاب موضوعا حساسا قابلاً للجدل والتصادم الذي هو : ( فك أرتباط الثقافة العربية المشرقية المرتبطة بالدين الأسلامي والتي تعتبر بنظر الناس مقدسة التي ترفض كل جديد وتنظر إلى الثقافات الأخرى بأستهجان ربما أحيانا تتهم أصحاب هذا الرأي بالكفر والألحاد بأعتقادي أنها ثورة أصلاحية للأميين تذكرني بآراء المصلح الديني السوداني ( محمود محمد طه ) الذي أتهم بالكفر وأعدم على يد النميري بتأييد من الأزهر الشريف ، وهذه هي ظواهر التآكل :
-أنهيار السلام العالمي بعد حرب الخليج1993 وأحداث أيلول 2001 .
– أحتكار الثروة في يد فئة قليلة مقابل أنتشار الفقر على المستوى العالمي أن 20% من سكان العالم يحتكرون 80 % من ثرواتهِ ، وأن العالم الأسلامي كان يسودهُ رأسمالية تجارية مزدهرة لكن هذه الرأسمالية لم تستطع الأنتقال إلى رأسمالية صناعية .
– تراجع الديمقراطية في معظم الدول ، والكتاب يكذب وعود اللبرالية ومزاعمها وذلك لأن منظري الرأسمالية يدعون بأنها ظواهر عابرة ، والصحيح أن القطاعات المسيطرة على رأ س الما ل هي الأمبريالية الرأسمالية .
– وتعرض العالم لأزمات مالية متكررة تعكس أزمة حقيقية في الأقتصاد العالمي وهو فعلا أنحراف مالي أدى إلى شلل النمو والبنية الأنتاجية وركود نسبي في الأنتاج .
– تراجع مداخيل العمال وأرتفاع نسبة البطالة والمزيد من الهشاشة الأجتماعية وتعميق الفقر في دول جنوب الكرة الأرضية ، وأضمحلال ثروات الكوكب بشكلٍ تدريجي واضح فالد ول الغنية يسكنها 15% من سكان العالم تستحوذ على 85% منن ثروات الأرض .
– ويشير المؤلف أن خلال العقدين من القرن العشرين بدأ الخطاب النيولبرالي بالتعثر فخلال بضع سنوات تأكل أكثريات التجمعات الرأسمالية وتضخمت بأنهيار الأسطورة السوفيتية .
– ويقول المؤلف في الفصل السادس من الكتاب : { ما نشهدهُ اليوم من علامات مؤشرة على تهالك الرأسمالية وضرورة أنتهاج الأشتراكية كضرورة موضوعية للأنسانية برمتها أن أنتهاج الطريق هو أنتقال طويل لا مجرد بناء منجزللأشتراكية هنا وهناك ، وأولى ظواهر التهالك : هي تلك الآثارالبعيدة المدى للثورة العلمية والتقنية الجارية ، وثاني ظواهر التهالك : أنهُ لم تعد الأمبريالية الجماعية الفاعلة على مجمل النظام العالمي تسمح بمتابعة التطور الرأسمالي والتابع لعدة أطراف } .
ويضع المؤلف بعض الحلول الموضوعية للوضع الراهن :
أعادة أيجاد تنظيمات مناسبة وكافية من العمال ، ممارسة ديمقراطية لها علاقة وطيدة ومؤثرة بالتقدم الأجتماعي وسيادة الشعوب ، التحررمن فايروس أسطورة تمجيد الفرد بل المطلوب البديل الجماعي المشارك الفعلي في العملية السياسية ، رفض أنماط الحياة المرتبطة بالرأسمالية البطريركية الذكورية والنزعة الأستهلاكية المتجهة نحو تدمير الكرة الأرضية ، التحرر من ملف شمال الأطلسي ذات النزعة العسكرية الملازمة لهُ التي ترغم الشعوب بقبول ( الأبرتهايد ) للتمييز العنصري على الصعيد العالمي ، السيادة الوطنية على الأسواق المالية والنقدية والأشراف المباشر على التكنلوجيا الحديثة ، تغيير مسار أحتكار ( منظمة التجارة العالمية ) التي هي تحت السيطرة العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية ، أممية العمال والشعوب تمثل الضمانات الوحيدة لأعادة بناء عالم آخر أفضل متعدد الأقطاب ديمقراطي الذي يقدم بديلا وحيدا لبربرية الرأسمالية المتهالكة من أجل أشتراكية القرن الواحد والعشرين هو المطلب الرئيسي الضروري للشعوب في هذه الظروف المعقدة والآيلة إلى التهالك وحسب رأي المؤلف : يجب أن يصبح الهدف الرئيسي هو النضال من أجل تأسيس جبهة أممية من العمال والشعوب لمواجهة زحف الرأسمالية الأمبريالية .
لك المجد يا مفكرنا المبدع والمتألق المرحوم الدكتور سمير أمين ، وندعو الأهتمام بنتاجاته الفكرية الغزيرة وبالتالي إلى فهم وضعنا الأقتصادي المتردي في العراق والبحث عن حلول ناجعة لمشاكلنا الأقتصادية المتفاقمة.
كاتب وباحث عراقي مقيم في السويد
في نيسان 2021
المصادر وبعض الهوامش
كتاب ما بعد الرأسمالية المتهالكة- الدكتور سمير أمين
كتاب مذكراتي القومية وصراع الطبقات-الدكتور سمير أمين
كتاب رأس المال – المجلد الأول –كارل ماركس
مشروع الدكتور سمير أمين المعرفي /ونظريته في الأقتصاد – التطور اللامتكافيء-
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا