في الجدل الدائر اليوم بين من يخشى على الحرية كونها تواجه تحديات عديدة منها عدم الوعي بحدودها ورفض الكثير من القوى السياسية ان تسمح لها ان تتمدد في حدودها الطبيعية لأنه تشكل تعديا على مفاهيمهم الخاصة التي يؤطرونها بحدود القداسة أحيانا وأحينا بضرورة أن تتماشى ممارسة الحرية بضوابط تمنع عليها الإنزلاق نحو الفوضى الناتجة عن عدم قدرة الشعب ان يستجيب لمعانيها, أقول أن الحرية ترتبط دوما بحدود الحق والواجب كمعيار للانضباط ومع السلام والتسامح كبيئة ضرورية للممارسة السليمة. من واجب النخب الفكرية والثقافية وحتى الدينية المستنيرة أن تدعم مسيرة الحرية بما يمكنهم من بسط مفاهيم السلام وترسيخ حق المجتمع بالحفاظ على قواعد السلم الأهلي وتأسيس مفهوم الدولة المدنية الذي يقوم على فكرة أن الإنسان كقيمة وهو هدفها ومحورها ومركز حركة السلطة والنظام السياسي وكذلك أشاعه ثقافة التسامح التي تعزز فرصة السلام برفض مفهوم الفرض والقهر السياسي والديني. الحرية في المجتمع المدني تمنح حقا واسعا للفرد للتمتع بخياراته الفكرية والسياسية والدينية في أطار المسئولية الجماعية في صناعة واقع أكثر إنسانية وأشد قدرة على حفظ النسيج التكويني له, وعلى النخب أيا كان شكلها والتي تؤمن أن حرية المجتمع تنطلق من احترام حق الفرد بالحرية وحقه في الوجود الطبيعي, وقيادة هذا الحق نحو التجسيد العملي وطرح مشروع فكري وإنساني يوائم بين الحقين دون أن نعطي تفاضل إلا للقيم التي تساهم في ارساء ثقافة الوعي التي من دونها تصبح الشعارات مجرد أفكار جوفاء لا تساعد في نهضة المجتمع ولا تعزز من فرص التقدم والنهوض. على المجتمع العراقي اليوم خاصة والمجتمعات التي تنتوي النهوض أن تنضوي تحت القيم الجامعة والتي تحمي حق التوحد في اطار من القواسم المشتركة التي تحميه من التشظي والتشرذم الذي ساهم بشكل أساسي ومفصلي في تمزيق النسيج وظهور الأصوات والرؤى التي عمقت أزمة الثقة بين أطياف الشعب وجذرت الانتماء نحو الفئوية والطائفية وقادت إليه ,ليدفع المواطن ثمن ذلك من حريته واستقراره ومستقبله دون أن يربح شيئا يعزز له الأمل بمستقبل حقيقي قادر أن يفتح له طريقا نحو شكل جاد وممكن أن يعبر عن صورة الدولة المدنية الحديثة. هنا يلقي هذا الواقع المر المسئولية بكاملها على القوى الفاعلة اجتماعيا وفكريا في الشروع باستعادة زمام المبادرة والتغلب على عوامل الضعف والتخلي عن حلمها نتيجة ما لاقت من شراسة غير معتادة من القوى الظلامية والتي تحتمي خلف جدار الخوف والقداسة والتحريم التي تسلب المجتمع أساسياته الضرورية في الانتماء للحاضر أولا والشروع في سيرورة قوية نحو الغد الذي يبدو في ظل الواقع أكثر ضبابية وأشد إيلاما من ماضي خلف لنا المأساة وفقدان الكثير من الفرص التي ضيعها القهر والتسلط بمنهج ديكتاتوري قائم على نقض الحرية وتحريم الانتماء لها. النخبة اليوم في مواجهة مصيرية مع خيارات أن نكون أو لا نكون في أن ننتصر للحياة أو نبقى قابعين في مواجهة غير عادلة بين قيم تفرض شروطها بقوة السلاح ووطأة القهر وتغيب إرادة المجتمع تحت عناوين ظاهرها البحث عن هوية تنتمي للأصالة وواقعها يبشر بإلغاء فعلي للأخر المختلف وإن كان الحق مكفولا للجميع بأن يعبر عن ذاته تحت يافطة الديمقراطية وحقوق الإنسان. إن غياب ثقافة السلام والتسامح والتشاركية البناءة لا يعني أن هذه النخب الفكرية معذورة من أن تلامس الواقع وأن تنحاز لقضايا الشعب والانتصار لها والوقوف موقف المتفرج الذي استلب الواقع الراهن حقه في الحركة وحق الشعب في أن يجد له قيادة مؤهلة وقادرة فعلا على النهوض به, بل عليها أن تستعيد زمام المبادرة وتفعل تواجدها في الوسط الجماهيري وتمنح الأمل بمشروع الدولة المدنية فرصة النهوض أولا من خلال التوحد حول رؤية ناضجة وواقعية ومسئولة ترسم وتصنع اطارا جامعا ونهضويا يجعل من القوى الشعبية والمدنية هي العنصر الفاعل والحاسم في تغليب مفهوم السلام والحرية والتجديد الفكري الذي بخلافه يبقى العراق في حالة تخبط وتعثر وفقدان للبوصلة التي تقوده إلى عالم تتسارع فيه الخطى نحو أفق واسع متعدد لكنه يحفظ للإنسان خياره في السلام والحرية والمحبة.
د. عباس العلي كربلاء 3112013