مرحلة ما قبل وما بعد الانتخابات العراقية حبلى بالمفاجآت
فواد الكنجي
التغيير الحقيقي في (العراق) لن يأتي إلا من خلال وجود إرادة وطنية حرة وقادرة على لملمت الصف الوطني عبر الوحدة الوطنية وبنائها بناءا صحيحا وبأسس أخلاقية عليا وبالوعي والثقة والقناعة لاستعادة هيبة الدولة وسيادة القانون كدولة راعية لحقوق الإنسان والمواطنة وتحقيق العدل والعدل الاجتماعي والحرية والمساواة بين كافة أطياف ومكونات الشعب دون تمييز؛ وإقامة علاقات إستراتجية بين كافة دول العالم التي تحترم امن واستقرار وسيادة الدولة من اجل بناء (العراق) بناءا صحيحا؛ بعد إن خطف القرار الوطني والسيادي من قبل الميلشيات المسلحة المنفلتة من الموالين للقوى الإقليمية والغربية المستعمرة والتي باتت تنتشر وتبسط سيطرتها في كل أنحاء الوطن؛ هذه الميلشيات التي استفحلت أنشطتها بكل الاتجاهات داخل دولة (العراق) وبعد إن اختطفت منه القرار الوطني جراء تغولهم على الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية لتجهر أمام الملأ بقيامهم باستعراض للعضلات والسلاح في شوارع العاصمة (بغداد) عبر مجاميع مسلحة لإبراز قوتهم ولإيصال رسائلهم إلى الشعب وللأحزاب وبأنهم قادريين على بسط سيطرتهم على الدولة وفرض إرادتهم متى ما شاءوا وفي أي موقع كان؛ لأخذ وجودهم بعين الاعتبار كواقع موجود على الساحة العراقية وكجزء من مناورة سياسية لبسط إرادتهم على مجريات الانتخابات والتأثير على نتائجها في الانتخابات القادمة .
ومن خلال هذه المعطيات السلبية؛ من الصعب جدا إن يتأمل الشعب العراقي المغلوب على أمره تحت فوهة البنادق والكواتم والقناصين والرشاشات وأحزمة ناسفة لقتل الأبرياء كما حدث ويحدث في كل مدن (العراق)؛ انتخابات حرة ونزيهة، مع تصاعد وتيرة الاغتيالات ضد الناشطين من ثوار ثورة تشرين التي أخمدت احتجاجاتها بتصعيد الاستهداف لناشطي الحراك واختطافهم واحرق مخيماتهم ومراكز تجمعاتهم في ساحات الوطن التي انطلق منذ 2019 والتي مازالت أنشطتها تؤرق الميلشيات والأحزاب السلطة الذين يهيمنون على مراكز السلطة في الدولة فضلا عن تدفق المال السياسي من دول إقليمية ودولية الداعمة للاستقطاب السياسي ولتعزيز مواقع الميلشيات على الساحة العراقية لخلق فوضى مجتمعية خلاقة داخل البلد؛ عبر إثارة وتيرة الأزمات في (العراق) بكل الاتجاهات؛ فمن حرب أبراج وأزمة الطاقة التي افتعلت في ذروة ارتفاع حرارة الصيف وما زالت؛ إلى اغتيالات وتصفية الناشطين والمشاركين في الانتخابات التي تشنها الفصائل الولائيه مع تواطأ بعض أجهزة الدولة الأمنية وتسترهم على المنحرفين والمجرمين والسراق المال العام؛ إلى إشعال الحرائق في مزارع الفلاحين ثم إلى المصانع ثم إلى المستشفيات كما حدث في مستشفى (ابن الخطيب) في (بغداد) وفي مستشفى (الحسين) في مدينة (الناصرية)؛ لتتفحم عشرات الجثث من مرضى (كورونا) مع من كان يرافقهم وبعض الكوادر الصحية بما صاحب ذلك من وقوع العديد من الجرحى الراقدين في هذه المشافي اثر نشوب حريق في خزانات قناني الأوكسجين، ليستمر مسلسل العنف باستهداف الأبرياء عبر عمليات انتحارية بتفجير أحزمة ناسفة وسط تجمعات شعبية في (بغداد) وباقي مدن (العراق) ليحصد أرواح الكثير من الأبرياء .
مخطط لإفشال الانتخابات العراقية ورفض نتائجها سلفا لتسويق لانتخابات مبكرة أخرى
وكل ما يحدث من فصول الإجرام بحق أبناء الشعب العراقي في هذه الأيام يأتي في ظل المنافسة الانتخابية الغير الشريفة؛ ليتم افتعال أزمات من تلاعب بأسعار السلع والعملات الأجنبية لتتفاقم الأزمة الاقتصادية داخل البلد بما يرافقها من تدهور الخدمات العامة في كل مؤسسات الدولة مع تراجع مستوى ألمعاشي لعموم الشعب العراقي الكادح وارتفاع مستوى البطالة والفقر بين صفوف الشباب والخرجين وتدهور أوضاع التعليم والصحة والأمن، وهذه الأوضاع تتفاقم يوما بعد أخر أكثر.. وأكثر مع اقتراب موعد الانتخابات العراقية المبكرة – والتي (لا تعتبر مبكرة) لان موعد الانتخابات التي من المفروض إن تجري كل أربعة سنوات حسب الدستور؛ فان الموعد الرسمي لإجرائها سيكون في الأشهر الأولى من العام 2022 ؛ أي إن ما يسمى بالانتخابات مبكرة هو تقديمها لأقل من خمسة أشهر فقط؛ وهذا الأمر في السياقات العامة للانتخابات لا يعتبر انتخابات مبكرة – بقدر ما يراد منه الضحك على ذقون – وعلية فان كلما اقتربنا من موعد الانتخابات فإننا لا محال سنشهد مزيدا من الإعمال التخريبية والعنف والاستهداف وقتل الناشطين والتفجيرات والحرائق وتدمير أبراج الكهرباء ونهب الأموال العامة وتصفية الحسابات والاغتيالات وتصاعد في مستوى الاختناقات على كل مستويات الحياة في (العراق)، ليكون الشعب هدفا – وخاصة الناشطين منهم في الحقوق المدنية – لهذه الصراعات بين أحزاب السلطة والميلشيات وميلشيات الإجرام وعصابات القتل ونهب الأموال مع تواطأ بعض الجهات من الأجهزة ألدوله الأمنية الموالية للميلشيات الطائفية للتستر على المجرمين، بما يخلق بيئة سياسية غير أمنه لإجراء انتخابات وسط هذه الأجواء الميلشياتية المنفلتة؛ التي ترفع السلاح وتستعرض قوتها إمام الملا؛ دون رقيب ومحاسب؛ لان الدولة بكل أجهزتها الأمنية عاجزة ولا تجرؤ ولا تبادر في الكشف عن الجناة أو إعلان عن نتائج التحقيق في تلك الجرائم وتحديد هوية من يقف وراءها؛ لأن الجهات المنفذة هي جهات مدعومة من قوى إقليمية ودولية وسياسية فاعلة، وهذا الكلام لا نطلقه جزافا وإنما كل أبناء الشعب العراقي بات يدركه؛ إضافة بكون رئيس الحكومة الحالي (مصطفى الكاظمي) اعتراف عبر كلمة متلفزة قائلا بأن ((السلاح المنفلت في (العراق) محمي بقوى سياسية))، وهذا إقرار من اعلي سلطة تنفيذية في البلد بعجز الحكومة عن تغيير هذا الواقع، ليكون الشعب إمام خيار المقاطعة كطريق امن للخلاص من هذه الفوضى الخلاقة السائدة والمفتعلة مع اقتراب موعد الانتخابات؛ بما سيجعل الانتخابات (صورية) ليس إلا؛ لان أحزاب السلطة وفصائلها وميلشياتها المسلحة تريد (انتخابات صورية) لضمان مصالحها بنتائجها سلفا، ليتم تكريس هيمنتها على السلطة مهما كان الثمن؛ لذلك فهذه القوى المتشيطنة والتي تديرها فرق الموت وعمليات الاغتيالات وعبر المال السياسي والتزوير؛ وهي وسائل بدأت هذه القوى العمل عليها منذ الآن – وعلى قدم وساق – فان نتائج هذه الأفعال الإجرامية التي تنفذ هنا وهناك لا محال سيكون تأثيرها فعال وحاسم على نتائج الانتخابات المرتقبة؛ بعد إن يتم التلاعب بنتائجها وتزويرها وتجبير نتائجها لصالح هذه القوى المتشيطنة، في وقت الذي شعرت بعض القوى ومنذ الآن بان موقعها وعدد مقاعدها في الانتخابات القادمة لا يلبي طموحاتها كما يتصورن؛ لذلك نجد بان بعض من هذه القوى فعلا أعلنت انسحابها مثل (كتلة الصدر) و(الحزب الشيوعي) و(جبهة الحوار) و(المنبر العراقي) وهناك قوى ستلحقهم في الخروج، وربما بان بعض من هذه الكتل التي أعلنت انسحابها ستعود إلى المشاركة بعد إن تجد بان الرياح تجري بما لا تشتهي السفن؛ باعتقاد منها بان إعلان عدم المشاركة في الانتخابات سيشكل مرتكز لإفشال إجراء الانتخابات في موعدها المقرر؛ ولكن لان الجدول الزمني للانتخابات يسير على قدم وساق ووفق ما تم إقراره من قبل جميع الكتل السياسية التي اعتبرت عدم مشاركة بعض الكتل شان يخصهم فحسب؛ ولا يشكل أي تأثير لبقية الكتل التي قررت المشاركة وإجراء الانتخابات في موعدها المقرر العاشر من تشرين الأول، وهذا التردد وتذبذب المواقف لهذه الكتلة هو بكل تأكيد إن جاءت نتائج الانتخابات مخيبة لأمالهم سيحاولون بشتى الوسائل الطعن سلفا بنتائجها عبر اتهام القائمين بتنظيمها بالتزوير والتلاعب بنتائجها؛ وهو الأمر الذي يمهد إلى إفشال الانتخابات ورفض نتائجها سلفا ليتم التسويق لانتخابات مبكرة أخرى .
هل الشعب العراقي سيقلب الطاولة على رؤوس الفاسدين بعيدا عن صناديق الاقتراع
إن قرار إجراء الانتخابات أو تأجيلها أو إلغائها مرهون بيد القوى ذات مراكز نفوذ لا يستهان بها في مؤسسات الدولة وسلطاتها؛ وان (المال السياسي) سيلعب دوره في مثل هكذا مناورات سياسية في كسر العظام سواء لهذه القوى أو لتلك؛ إضافة على ما يلعبه النفوذ الواسع لدول الإقليم المجاور ونفوذ قوى الدولية وعلى مقدمتهم (الولايات المتحدة الأمريكية) في ظل تصاعد الصراع (الأمريكي – الإيراني) وانعكاساته في الدعم والاستقطاب السياسي للقوى المتنفذة في الساحة العراقية؛ بما يعكس ذلك سلبا في نتائج الانتخابات التي (لا) و(لن) تخلو من التزوير والتلاعب بنتائجها؛ والتي لن تكون أفضل من الانتخابات السابقة بعد تجارب لأربعة انتخابات؛ فالانتخابات الخامسة القادمة التي يزمع إجراءها في العاشر من شهر تشرين الأول؛ والتي جاءت أساسا وقرر إجرائها بناءا على واقع الاحتجاجات التشرينية الشعبية الرافضة للأوضاع الداخلية في (العراق) من تدهور الخدمات.. وسوء الإدارة.. وتفشي الفساد.. والمال السياسي.. والمحسوبية.. وتقاسم الوظيفي الطائفي والمذهبي.. واستشراء البطالة بين صفوف الشباب والخرجين.. وتردي الواقع المعيشي وارتفاع الأسعار.. وتدهور الأوضاع الأمنية.. والسلاح المنفلت.. وتمادي الميلشيات المسلحة باستعراض قوتها في شوارع المدن دون محاسب.. وتصاعد وتيرة الاغتيالات للناشطين والصحفيين والنقاد.. وإحداث إرباك امني من تنفيذ جرائم تفجيرات في أحياء شعبية.. وإحراق المستشفيات دون محاسب ورقيب.. وسوء الخدمات من انقطاع الكهرباء.. ونقص في امتدادا الماء سواء للشرب أو للزراعة؛ بعد إن تم بناء سدود من قبل دول المنبع دون إن تتدخل الدولة وتحتج عند الهيئات الدولية على هكذا تصرفات أحادية القرار، لذلك فان الانتخابات التي تجري في ظل هكذا ظروف ودون إن يتم معالجة هذه الاختناقات وفق مطالب الشعب وثوار التشرينين لا محال ستكون نتائجها محسومة سلفا؛ وان المشاركين في ظل هكذا أوضاع بالانتخابات والساكتون عن استمرار هكذا الأخطاء هم يرتضون على أنفسهم الرقص فوق دماء الشهداء والأبرياء وأشلائهم، بل إن هؤلاء يناورون مع الآخرين بالقيام بنفس الدور والرضوخ للوضع القائم لأنهم للأسف تأقلموا مع هذه الكوارث والأخطاء بحق الشعب المغلوب على أمره الذي يطالب بالتغيير مع صوت المحتجين التشرينين؛ ولكن مطالبهم ما زالت بعيد المنال ولن تتحقق في ظل هكذا أوضاع؛ وهذا ما يدفع بالشعب والمجتمع العراقي إلى المزيد من التشاؤم والقنوط نتيجة زيادة الوعي المجتمعي بالأوضاع القاهرة التي يعيشونها وعدم ثقة المواطن بالنظام السياسي ككل، لذلك فان هذا الوعي هو الذي سيفجر ثورة جماهيرية في (العراق) تقلب طاولة على رؤوس الفاسدين والمنحرفين بعيدا عن صناديق الاقتراع؛ لأنها لم تعد تجدي وان تجربة لأربع انتخابات سابقة هي كافية لعدم خوض التجربة ذاتها لان الانتخابات ما عادت في (العراق) تنتج إلا الوجوه ذاتها، لان الكل بات يدرك بان نتائج الانتخابات ترسمها دوائر أجنبية إقليمية ودولية؛ وهي التي توزع المقاعد على المتحاصصين لإعادة إنتاج المنظومة السياسية ذاتها؛ وهذه هي سمة الانتخابات العراقية منذ 2003 والى يومنا هذا؛ والتي رسم خارطتها المحتل الأمريكي؛ وهذه الحقيقة ترسخ يقينها لدى عموم العراقيين؛ بما انطوت كل الانتخابات السابقة من أكاذيب وتزيف وتزوير وكيف يجرى تمريرها طيلة السنوات الماضية بطرق ملتوية ومخادعة .
مفاجآت الأيام القادمة
نعم إن الأيام القادمة ستحمل بين طياتها مفاجآت سنرى خيطوها تنفجر لا محال؛ لأن الشعب العراقي بات اليوم من أي وقت مضى مصر على أحداث التغيير؛ لأنه بات يحمل بداخله قناعات راسخة تتعارض مع الأوضاع الشاذة التي تحدث في عموم (العراق)؛ وبات يمتلك روح الإصرار والتحدي والثورة؛ لأنه بات مستعدا استعدادا تام لدفع ثمن مهما كان في سبيل التغيير لاستعادة السيادة الوطنية واستقلال قراره لإعادة (العراق) إلى مساره الطبيعي كدولة لها سيادة واستقلال؛ يمتلك قادته الثوريين القرار السياسي الوطني دون أملاءات من قوى أجنبية وإقليمية أو أي جهة غير عراقية ليتعاملوا مع دول العالم كما تتعامل دول العالم مع (العراق) كدولة ذات سيادة واستقلال و وفق قرارات أممية في احترام القوانين الدولية والعدل والسيادة والاستقلال وحق تقرير المصير لتحقيق طموحات الشعب في الحرية والسيادة الوطنية وبناء دولة توفر لمواطنيها الأمن والأمان وتكفل لهم حق التعبير والحرية ليتم تحقيق العدل والعدل الاجتماعي باستغلال ثروات الوطنية بما يخدم الشعب ويوفر لهم سبل العيش الكريم وضرب الفاسدين وسراق المال العام بيد من الحديد؛ بعد إن عاثوا الفساد والخراب بالسيادة الوطنية والثروة الوطنية واستقرار وامن الدولة؛ وبعد إن حطموا هؤلاء المارقين الذين اعتلوا على عرش السيادة الوطنية أمال الشعب في الحرية والأمن والأمان والاستقرار والسلم المجتمعي؛ ليتم إعادة المسار الوطني إلى السيادة العراقية بعد إن صودر قراره منذ الغزو الأمريكي للعراق في 2003 وما بعدها لتأتي أعوام عجاف ذاق الشعب مرارة الحياة من الاستهداف والتهجير والقتل والخطف والنزوح وإذلال الشعب بقوت يومه وحياته المعيشية فلا امن ولا استقرار، لذلك لم يعد للشعب سوى طريق الاحتجاجات والتظاهرات التي ما انكفئ يومنا إلا وقد خرج إلى الشوارع رغم الاستهداف المبرمج لهم لإخماد ثورتهم؛ ورغم كل الاستهداف ظلت مسيرة الاحتجاجات قائمة وما تزال لحين إحداث التغيير الشامل في المنظومة السياسية الحاكمة منذ 2003 والى يومنا هذا، فالكفاح من اجل تحقيق العدل والدفاع عن السيادة الوطنية واستردادها بعد إن صودرت من قبل ميلشيات موالية لدول الجوار والدول الغربية حق مشروع لكل الشعب من الوطنيين والأحرار والشرفاء والثوار لإحداث إصلاح سياسي شامل وإزاحة المنظومة الفاسدة من الحكم؛ والشعب العراقي لقادر على إحداث مثل هكذا التغيير لان تاريخ (العراق) حافل بتجارب وطنية غيرت منظومة الفساد كانت أكثر قسوة من هذه المنظومة الحالية التي تحكم (العراق)؛ من (ثورة العشرين) والى (ثورة 14 تموز) عام 1958؛ ولهذا فان كل مؤشرات هذه المرحلة توحي بحدوث ثورة شعبية يقودها ثوار (العراق) في كل بقاء الوطن من شماله إلى جنوب ومن شرقه إلى غربه لتكون ثورة وطنية شعبية شامله تشمل كل الوطن بعد إن أيقن الشعب بان السكوت عن الخطأ أولد مزيدا من الأخطاء؛ ولهذا فان الشعب أدرك حجم مسؤولياته بكونه يتحمل جزء كبير من المسؤولية وعلية تقع المسؤولية التاريخية لاستعادة السيادة الوطنية بما يمتلك من روح الكفاح والنضال والتحدي والإصرار .