مرتكزات العمل الدبلوماسي وتأثيرها في العلاقات الدولية
بقلم: الدكتور زاحم محمد الشهيلي
تمثل الدبلوماسية في اطار العلاقات الدولية، السياسة الناعمة والأنيقة الفاعلة والوجه الناصع لكثير من البلدان، والتي يضعها الباحثون في قمة هرم البناء السياسي والاقتصادي والأمني للدولة العصرية وتكوين شخصيتها القانونية، حيث تبنى العلاقات الدبلوماسية على ثلاثة محاور أو مرتكزات أساسية غاية في الاهمية تمثل القاعدة الصلبة لبناء هرم العلاقات الدولية الناجحة للبلاد، والتي من اهمها “الاستقرار السياسي” و”الاستقرار الاقتصادي” و”الاستقرار الأمني”.
حيث يتجسد “الاستقرار السياسي” في النظام الديمقراطي بإيمان المكونات “العفوي” والمطلق بالانتماء الوطني للأرض والشعب كمدخل لسن القوانين الناجعة التي ترسم ملامح مستقبل الدولة العصرية، وتنظيم عملها السياسي، سواء كان النظام الحاكم مركزيا او ديمقراطيا في اطار التداول السلمي للسلطة، وتنظيم عمل الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية لتثبيت الاستقرار السياسي بعيدا عن تأثير المصالح الشخصية والحزبية والعرقية والقومية والدينية، والتبعية الخارجية، التي تربك عمل الدولة في بناء هرم العلاقات الدولية الناجح للنظام السياسي العام.
ويعد “الاستقرار الاقتصادي” الرئة التي يتنفس منها النظام السياسي في تطوير فعالية العمل الدبلوماسي للخوض في بحر العلاقات الدولية متلاطم الامواج، والذي يتمثل بالاستغلال القانوني الأمثل للموارد الاقتصادية وتوظيفها بشكل صحيح في التنمية البشرية وتنفيذ مشاريع البناء التنموية، والتنمية الاقتصادية في القطاعات الاقتصادية المختلفة، ودعم البيئة الصالحة للاستثمار لجلب رؤوس الأموال الأجنبية التي تتطلب سن قوانين الاستثمار، ورفع نسبة الناتج القومي الإجمالي الذي يرافقه انخفاض في نسبة البطالة بعد توفير فرص العمل، وتحسين المستوى المعيشي ومستوى دخل الفرد الشهري والسنوي التي يستطيع المستثمرون على اساسها تقييم مدى موائمة البيئة المحلية للاستثمار والمردود المالي المتوقع للمنتج الذي تحدده القوة الشرائية للمواطنين داخليا ومن ثم تصدير الفائض إلى الأسواق العالمية، كذلك إمكانية تصدير واستيراد رؤوس الأموال بالطرق الإلكترونية الحديثة، وتسهيل عملية استيراد وتصدير البضائع والسلع.
ويمكن تصنيف “الاستقرار الأمني” للدولة على انه من اهم المرتكزات الداعمة للعمل الدبلوماسي في الخارج ومؤشرا ايجابيا ومؤثرا في تنشيط علاقاتها الدولية والاقليمية، فالبيئة الآمنة الخالية من الصراعات والمناكفات السياسية والأزمات والحروب تعد من اهم المرتكزات التي يستند عليها البناء الهرمي العمودي للوصول إلى مرحلة الانطلاق الحقيقي في العلاقات الدولية المثمرة من خلال عمل وزارة الخارجية الدؤوب وبعثاتها الدبلوماسية في الخارج.
وعليه تمثل الدبلوماسية القمة في بناء هرم العلاقات الدولية حين تطل وزارة الخارجية من قمة الهرم إلى العالم الخارجي ومن خلال بعثاتها الدبلوماسية، هذا العالم الذي ينتظر بشغف ما تحمله البعثة في حقيبتها الدبلوماسية من مفاجآت تجعل الجهات المعنية في الدول المُضيفة تستخدم كافة الوسائل وتسلك الطرق المناسبة للتقرب إلى الرسول الدبلوماسي لكي تجد لمصالحها السياسية والاقتصادية والثقافية المشتركة المكان المناسب في المطوية الدبلوماسية التي يحملها ذلك الرسول الأمين، اذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن الدبلوماسية في هذه المرحلة، وفي كل المراحل، تكون اشبه بالمرآة العاكسة لوضع الدولة العام واستقرارها السياسي والاقتصادي والأمني، حينها سيتطور العمل السياسي الدبلوماسي ويزدهر طرديا دون عناء، خصوصا حين يكون مستندا على قاعدة هرم علاقات رصينة لا تستطيع الرياح العاتية والهزات الأرضية ان تزحزح قمتها او تشعرها بعدم الثبات والاستقرار المكاني.
اما في حالة ان حصل تصدع في ركائز قاعدة الهرم الثلاثية سواءً في الجانب السياسي او الاقتصادي او الأمني او في جميع جوانبها، وتناقلت اخبار هذا التصدع وسائل الاعلام المحلية والدولية المرئية والمسموعة في وقت قياسي، ولم ترمم القاعدة بسرعة وبالشكل الذي يتماشى ويساير الوضع الدولي العام، فان ذلك سيجعل الدول “المُضيفة” و”المَضيفة” ترتد سلبا في علاقاتها وتحاول ان تنأى بنفسها بعيدا عن الازمة، الامر الذي سيقلق بشكل كبير المنظومة الدبلوماسية ويشل حركتها، وتتحول من منظومة أنيقة فاعلة لها القدرة على التفاعل بثقة في العلاقات الدولية في المحيط الاقليمي والدولي إلى مؤسسة استهلاكية مترهلة غير ذي جدوى سياسية، تعاني من عدم الاستقرار والقلق، حال كونها تقع في خط المواجهة الاول على قمة هرم العلاقات الدولية، وبحاجة إلى مزيد من التمويل السياسي الإيجابي، لكي تنهض من جديد بمهامها الدبلوماسية بصورة صحيحة وفاعلة، وبالشكل الذي يليق بسمعة الدولة ونظامها السياسي.
21-6-2020