علي السوداني
لست من المتحمسين الهاتفين بعقد مؤتمر قمة العربان ، في بغداد ، أو في أي مكان ، من دلمون الى تطوان . للعراقيين المكلومين الملكومين – ومثلهم رعية العرب – ذكريات موجعة مع كل ملتقيات القمم والرؤوس الكبيرة ، التي ساهمت في تحطيم وتدمير وتفكيك بلاد ما بين القهرين . في ختمة كل لمّة قمة ، كانت ديباجة البيان وخاصرته ، تتحدث عن أن قلب العرب – الحكام والتجار والباعة – على بغداد وأهلها وما جاورها وتبعها على الخريطة القائمة ، لكنهم بعد أن ينفضوا ويذهب كل واحد منهم الى دولته الموروثة ، تتبدل الديباجة ، وتغلق أبواب غرف الشبهة والمزاد ، على مؤامرات رخيصة لتمزيق العراق ، وتجويع أهله الكرام ، وإمراضهم وإهانتهم ليس في رغيف الخبز حسب ، بل في رغيف الكرامة . في زمان الحصار الأمريكي الوحشي الهمجي ، كان العراقيّ ممنوعاَ من دخول أمصارهم – أغلبها – والعمل في أطيانهم وزروعهم – أكثرها – وفي ظل وضلال قمم العرب ، تم إنتاج أقذر فلم أمريكي أخرجه العصر الراهن ، راح ضحيته ملايين من أهل العراق ، صرعى وجرحى وجوعى ومهاجرين ومهجّرين ، اقتلعوا من ديارهم بغير ذنب . في الزمان الذي فرّخت فيه ، دنانير وذهب ” شيخ عربي نفطي ” حتى صارت بقدر ميزانيات سنوية دسمة لدول كاملة ، فإن قمة العربان ، تناور وتراوغ وتخاتل وتتأفف ، كي تضع ، كمشة دولارات في صندوق القدس ، زهرة المدائن الضائعة – خطبهم كلها تقول أن القدس مقدسة – ، أو فك أزمة طعام وتعليم وكساء وكهرباء أهل غزة ، أو جياع الصومال والقرن الأفريقي المنكوب . من لا يصدّق ، فليذهب الى القائمة السنوية لأغنى أغنياء العالم ، ومنها الى الرقم المهول المذهل لآلاف مليارات الدولارات العربية النفطية في خزائن أمريكا خاصة ، وبقية بلاد الأفرنجة . تفتتح قمم العربان ، بتلاوة آيات عطرات طاهرات من قرآن الله العظيم الجميل ، لكنّ بياناتهم المعلنة ، كذابة ، وما يحدث ليلاَ ، في الغرف الملحقة ، لا صلة له بالله وبنبيه وبمسيحه وبالمقدسات أجمعها . سيلتئمون ببغداد العباسية ، نهاية شهرنا القائم هذا ، ومن عجائب ومفارقات الزمان والمكان ، أن أيام وليالي ” الربيع العربي ” تقودها دول وكروش ، هي الأسوأ في مجال الديمقراطية والحرية والتحضر ، وحقوق الناس والعدل والمساواة والنزاهة والصدق . ألدولة العراقية التي تستضيف قمة آذار ، هي في وضع مضحك مبك ملتبس ، فهي ما زالت محافظة على مركزها الراسخ حتى الآن ، كواحدة من أشهر دول الفساد فوق الأرض ، والزعيم العربي الذي سيسكن فندق المنصور ميليا بكرخ بغداد ، سيرى ظلمة حارة الشواكة ، وانخساف أزقتها الملونة بالمياه الثقيلة والخفيفة . وصاحبه الذي سيسكن الرشيد ، سيحبطه منظر مياه الأمطار البائتة في ثنيات كرادة مريم . والثالث الذي سيحط رحاله بفندق السدير نوفوتيل ، فأظن أنه لن يرى الراحة أبداَ ، ليس بسبب من الهرج والمرج وصيحات دلّال مزاد الصبّاغ حسب ، بل أيضاَ من المناوشات القوية والعربدة المشتعلة ، بين شعراء قصيدة النثر الحديثة ، وشعراء القصيدة الشعبية الجديدة . أما الزعيم الذي سيحل ضيفاَ بغرفة مريحة في فندق بغداد بشارع السعدون ، فعلى الأرجح أنه سيفزّ بليلة القمة ، فزة نجلاء ، على صوت جلبة وعياط ، منبعه يسيح من درابين وبوابات البتاوين ، فيسأل سائقه البغدادي عن سر ذلك العياط والثغيب ، فيجيبه السائق البغدادلي الأريحي الشقندحي الفكه المنكّت الضحّاك ، إجابة ملتبسة ومريبة ، فيلعب الفأر بعبّ الزعيم ، وتتراكم قدامه أنباء وحكايات البلد المرعبة العجيبة ، فيستل تلفونه آخر موديل ، ويتحدث الى قائمقام وزير الداخلية لشؤون وشجون الإرهاب ، ويذكّره بسهرة حلوة كانت جمعتهما في لندن ، أيام المعارضة ، ويستحلفه بالملح والزاد ، أن يرد الجميل بمثله ، ويخلعه الآن من فندق بغداد ، صوب ملاذ آمن بالمنطقة الخضراء !! عزيزي أبو فرهود : سمعت وقرأت أن المقاولات الخاصة بتهيئة الفنادق والشوارع والبيوت التي ستضيف أهل القمة ، قد تغطت وتسخمت بفايروس الفساد ، هل هذا صحيح ؟ يمعود كول غيرها . تره ما معقول هذا . يابه دروح . ماكو هيج حكي . أهووووووووووووووووووووو!!
عمّان حتى الآن