ماذا يريد العرب من الغرب؟
بقلم: الدكتور زاحم محمد الشهيلي
ان تسارع الاحداث باتجاه التطبع من قبل الدول العربية مع “الكيان الصهيوني”، وتقديم التنازلات السخية من قبل القادة العرب دون مقابل أو مطالب معلنة، اصبح واقع حال لا يمكن تجاهله، حيث قادنا التطرق، في مقال سابق، لموضوع “ماذا يريد الغرب من العرب؟” الى تساؤلات عدة مفادها: “ماذا يريد العرب من الغرب”، إذا؟، بعد مرور سنين طويلة من الشد والجذب والصراع المستدام، تلك المطالب التي يمكن استلالها من الواقع السياسي الحالي المؤلم في الشرق الأوسط، والذي فقد فيه العرب القوة والمقاومة وروح المبادرة، وابسط مقومات النجاح في ادارة الازمة والصراع مع القوى الغربية و”اسرائيل”، التي ربما تكون مطالبها مجحفة نوعا ما وغير منصفة بحق العرب الخاسر الاكبر في المعركة، التي استمرت لسنين طويلة حين تراهم اليوم يتهافتون للتطبيع بعد ان رفعوا رايات الاستسلام البيضاء، وبدءوا يقدمون التنازلات دون مقابل.
يقول المثل الدارج: “اليد التي لا تستطيع ليَّها صافحها”، حيث يأتي المثل منسجما مع سياسة الامر الواقع، التي يعيشها العرب حاليا، البعيدة كل البعد عن المثاليات والجعجعة الفارغة التي يطلقها البعض، ذلك لان العرب اليوم بحاجة الى ممارسة سياسة اكثر حذاقة وديناميكية ومرونة من اجل تحقيق قدر معين من المصلحة، والتي ربما تنحرف عن المثاليات انسجاما مع الواقع الذي تعيشه الامة، وعليه تطفو على السطح اقنعة متعددة في اللعبة السياسية لتبادل الادوار المختلفة بهدف تفادي الصدام مع “من نراهم اقوياء”، وعليه فان اللعبة السياسية بحاجة الى شطارة في العزف على اوتارها الاقرب الى النجاح، والبعيدة قدر الامكان عن الفشل. ولذلك يمكن تلخيص ما يريده العرب من الغرب، إذا ما صدقوا، وعلى غرار الخاسر في المعركة، بالنقاط الاتية:
1) أن يعمل الغرب والعرب على اعادة ترميم جسور الثقة المنهارة بين الشرق والغرب، شريطة ان يصدق الاوربيون “ولو لمرة واحدة”، وكذلك العرب، في نواياهم تجاه بعضهم البعض، يصاحب ذلك نبذ اسلوب الصراع المستدام في منطقة الشرق الاوسط، والتحول الى التنمية المستدامة التي تخدم شعوب المنطقة وجارتها الاوروبية، وعلى ان يتم تقديم ضمانات دولية بالتطبيع تحفظ حقوق الشعب الفلسطيني، يتبعه انهاء الصراع الدولي في المنطقة، وتجفيف منابع الارهاب الدولي، الذي اوجدته الادارات الامريكية المتعاقبة بمساعدة غربية وعربية، لتوفير بيئة مستقرة وآمنة صالحة للعيش والاستثمار في الشرق الادنى الغني بالثروات.
2) أن يعمل الامريكان والأوروبيون على اجراء مصالحة حقيقية بين المكونات والأنظمة السياسية في الدول العربية، “قسرا” اذا اقتضى الامر، وعدم التآمر على مصالح الشعب العربي مع اي طرف اجنبي او عربي بهدف تقويض الاستقرار والسلام في المنطقة، الى جانب القيام بتنمية اقتصادية وبشرية شاملة في الدول العربية، وفي جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وإعادة اعمار المدن والبنى التحتية، التي دمرتها الحروب والمجاميع الارهابية المجرمة، وتأهيل قطاعات الصحة والتعليم والبحث العلمي بخبرات اوروبية وأمريكية.
3) ان تساعد الدول الغربية على انشاء مجلس سياسي واقتصادي عربي – اوروبي – امريكي مشترك يهدف الى التعاون في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، ويؤسس الى شراكة عربية – غربية متينة ورصينة بعيدة الامد، تأخذ بنظر الاعتبار المصالح المشتركة للشعبين العربي والغربي، بمنعزل عن الصراعات والأزمات والعدائية، التي اعيت الجميع، اضافة الى العمل على فتح ابواب الاستثمار للشركات الغربية في القطاعات الاقتصادية والمجالات الحيوية المختلفة في الدول العربية، ومنها قطاع الطاقة، التي من شانها النهوض بالواقع العربي الى اعلى مستوى ممكن من التطور التكنولوجي والعلمي.
4) ان يعمل “المجلس الجديد” على صيانة وحدة وسيادة الدول العربية، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وتامين الامن الغذائي والصحي والمائي للشعوب العربية القاطنة على ضفتي نهر النيل في مصر والسودان، ودجلة والفرات في سورية والعراق، من خلال مساعدة الدول الاوروبية وامريكا لحليفتها العربية، باستخدم نفوذها السياسي والاقتصادي ودورها في المنظمات الدولية ومجلس الامن الدولي في الضغط على دول المنبع لاستمرار الاطلاقات المائية الكافية للدول العربية المتشاطئة على الانهار الدولية، وعدم اقامة السدود من قبل دول المنبع الا بموافقة دول المصب، شريطة ان تلتزم دول المصب باقامة السدود والبحيرات الاصطناعية التي تحول دون هدر الموارد المائية، إضافة الى استغلال المياه الجوفية في المناطق الصحراوية لزراعة المحاصيل الزراعية والغابات والحزام الاخضر للحد من التلوث البيئي والأتربة الصفراء التي تتعرض لها العواصم والمدن العربية في مواسم معينة من السنة.
5) ربط الشرق بالغرب بشبكات طرق برية وبحرية وجوية حديثة، واعداد برامج للتوعية الديمقراطية والثقافية، وفتح حوارات للتقارب الحضاري بين الشرق والغرب، يشارك فيها رجالات السياسة والدين، التي تدعو الى احترام حرية الأديان والمعتقدات والخصوصيات الثقافية والدينية، بما يتلائم ويضمن عملية السلام والتسامح والتعايش السلمي بين مكونات المجتمعات العربية والغربية، ونبذ كل انواع العنف والتمييز العنصري والفكري، التي من شانها تقويض السلام في الشرق والغرب.
6) ان تعمل الدول الغربية على اطلاق المنح الدراسية المجانية للطلبة العرب في مختلف الاختصاصات، يرافقها اقامة المشاريع الانتاجية في الدول العربية لامتصاص البطالة، وإيجاد فرص عمل جديدة للعاطلين من خلال نقل وسائل الانتاج من مصادرها الغربية الى دول الشرق الادنى، وفي القطاعات المختلفة، بهدف انعاش اقتصاد الدول العربية بشكل عام، ونقل التكنولوجيا الصناعية والزراعية الى العالم العربي بشكل خاص.
7) العمل على اعادة تثبيت دعامات الحدود الدولية “بشكل عادل” بين دول الشرق الاوسط وفقا للاتفاقيات الدولية، وعقد اتفاقيات دولية جديدة للتعاون الامني بين الولايات المتحدة والدول العربية والاوربية، توضع بموجبها استراتيجيات للتعاون الامني والعسكري، واعادة تاهيل وتسليح القوات الامنية والعسكرية العربية بخبرات اوروبية وامريكية، لتكون قادرة على مواجهة التحديات الخارجية الاقليمية والدولية، ويحدد تواجد القواعد العسكرية الغربية في الشرق الاوسط في المناطق الاستراتيجية البعيدة عن المدن بموجب اتفاق الطرفين.
8) ان تتم مراعاة خصوصية الطرفين في عملية التفاوض- شريطة عدم اللجوء الى التلويح باستخدام القوة من قبل القوى الغربية في تحقيق المطالب اثناء جلسات الحوار والتفاوض لتحقيق مكاسب لطرف على حساب الطرف الاخر- لاكمال مراحل المخطط المرسوم لشرق اوسط جديد يسوده السلام، شريطة ان تؤخذ بنظر الاعتبار مصلحة الشعبين الصديقين الغربي والعربي في صياغة الاتفاقيات، وفي حال تم رفع سقف المطالب طرديا، بعيدا عن التشنج والازمات والحروب والمشاكل الداخلية والخارجية التي اعتاد الغرب على تغذيتها.
ان ما تم التطرق اليه “مجرد تكهنات” لمطالب العرب من الغرب مقابل التطبيع والسلام الاجباري، ربما يقبلها او يرفضها البعض، يمكن ان تساهم في ارساء السلام في منطقة الشرق الاوسط على المدى البعيد، اذا ما صدق الطرفان الغربي والعربي في التفاوض، بهدف استبدال الصراع المستدام بالسلام المستدام، الذي من الممكن ان يفتح ابوابا جديدة للشراكة الغربية- العربية، تؤدي الى الازدهار في القارتين الباردة الغنية بالتكنولوجيا والحارة الغنية بالطاقة، كبديل للموت وانتهاك حقوق الانسان المستمر والشعارات الزائفة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.