ماذا يحدث لكِ ياكوردستان
جوتيار تمر/ كوردستان
5/1/2016
تساءل اكثر من صديق ومتابع لمقالاتي، لماذا هذا الصمت ازاء الاحداث التي تعصف بكوردستان..؟ ، لم يكن الامر مفبركاً انما جاء بعفوية تامة، حيث بقيت انظر اليه دون كلام لبرهة، ثم لويت بعنقي والدمع يكاد يغرق عيناي… نعم انه الصمت الاجباري الذي استطاع بسطوته ان يخرس كل حواسي، ويجعلني اعيش حالة من الذهول.. والتساؤلات تتقاذف في ذهني وكأنها وخزات ولسعات، ماذا يحدث لكِ يا كوردستان..؟ .
تعيش كوردستان في وقتنا الراهن احدى افضل المراحل التي مر بها نضالها الطويل ضد الدكتاتوريات الشوفينية القومية العصبية وحتى النزعات المذهبية الطائفية التي كانت دائما ما تعصف باسوار كوردستان وتجبرها على ان تكون طرفاً في الصراع مع ان كوردستان نفسها بطبعها السمح لم تكن يوماً تفرق بين البشر على اسس مذهبية وطائفية او حتى عرقية وقومية، بل ظلت مثالاً للتسامح والتعايش السلمي حتى في ظروف كان الكثيرون ممن يحتضنهم كوردستان وليسواً كورداً يطعنونها من الخلف ومن الداخل بداعي العنصرية والعصبية التي ينتمون هم اليها.. لكن مع ذلك ظلت كوردستان تفتح ذراعيها لكل من يلجأ اليها.. ولااريد ان اخوض في الاحداث الاخيرة التي جعلت اكثر من مليون ونصف نازح من جميع الاعراق والقوميات والمذاهب والاديان يلجأ الى كوردستان لتستقبلهم بكل مودة، حتى ان شبابنا ضرب مثالاً للتسامح الكوردي حين خرج الى الشوراع يستقبل النازحين ويمدهم بالخبز والماء وكل ما امكنهم من توفيره لهم.. لكن مع ذلك ظل بعض اصحاب النفوس الضعيفة يضغن الكره والشر لكوردستان ويحيك الفتن ويحاول اثارتها داخل حضن من اواهم حين شردوا.. وقلنا وقتها تلك هي احلاقهم.. ولنا اخلاقنا..لذا بقينا نحاول بكل الوسائل تقديم المساعدات لهم.
هذه المرحلة العصيبة، وهذا الثقل والحمل الكبير.. جاء في وقت اصبح للصوت الكوردي صدى في الاوساط الدولية، واصبح اسم كوردستان والبيشمركة الابطال آية من آيات الحق والبطولة والتضحية من اجل انهاء اسطورة الدم الاسود الداعشي والارهابي.. ومن هذه المكاسب المهمة التي جلعت من كوردستان ضمن تحالف دولي يضم اكبر واقوى دول العالم الحالي، اعطتها مكانة بارزة في الاوساط الدولية حيث بدأ اسمها يتردد في الندوات والاجتماعات والملتقيات الدولية والمحافل الدولية، وبات اصداء كوردستان مستقلة يراود ابناءها في الجهات الاربعة.. بل اصبحت الاصوات الداخلية تثير جدلية الدولة الكوردية في حين ان الظروف الاقليمية والدولية لم تزل في وضع صعب وغامض بشأن ذلك، الا ان الاصوات هذه اصبحنا نلامس صداها في كل الوسائل السمعية والمرئية والمواقع الاجتماعية، وهذا ما اثار الكثير من الاسئلة، ومن ضمنها السؤال المحير الذي اصابني بالخرس.. لماذا الصمت ازاء هذه الاحداث…؟.
كوردستان الان تعيش وفق منطق غامض لم يعد يدرك المسار الذي تتخذه الا اصحاب الشأن واقصد بهم الساسة، فحالة الغموض هذه مع كل تداعياتها تثير القلق والفزع في نفوس المواطنين الذين ينتظرون دولة مستقلة ولكن وطنهم مهدد من كل الاصعدة، فمن جهة لم تزل داعش السواد والظلام تنعش امالها بالهجوم على البيشمركة في الكثير من المحاور وغلى الرغم من البيشمركة استطاعوا ومستمرين في كسر شوكتهم ومرغ انوفهم بالوحل.. الا انهم مازالوا يحاولون وبشتى الوسائل وبالاخص بالسيارات المفخخة زعزعة الامن واثارة الفوضى داخل كوردستان.. ومن ناحية اخرى الوضع الداخلي المتمثل بالصراعات السياسية بين الاحزاب ووضع الحكومة الحالية في ظل التداعيات التي ابعدت احدى الاطراف المشاركة في الحكومة ( حركة التغيير) من قبل الحزب الديمقراطي الكوردستاني.. واستمرار المشاروات واللقاءات بين الاطراف الاخرى من اجل وضع حل لهذه المشكلة.. ومن جهة اخرى الصراع المحتدم مع بغداد التي اصبحت رهينة اجندات خارجية تفرض عليها ايديولوجيات غريبة وتثير الكثير من الفتن الطائفية بين الاوساط العراقية بكل مكوناتها.. فضلا عن كونها تتعمد التعامل غير المسؤول مع كوردستان سواء من خلال ابقاء كوردستان في عزلة دولية ورفض المساعي الخارجية التي تحاول تسليح البيشمركة لمحاربة داعش، او من خلال النزعة الشوفينية في تعاملها الاقتصادي مع كوردستان ومنع الميزانية منذ ولاية الفقيهة العنصري المذهبي السابق نوري المالكي وخلفه العبادي.. بحيث اصبحت كوردستان المتطلعة للحصول على مكتسبات اخرى تعيش ضمن نطاق ازمة اقتصادية خانقة، لاسيما ان ايراداتها النفطية لاتكفي لسد الحاجيات الاساسية ومسلتزمات الحرب المفروضة عليها، وحين تمنع بغداد المساعدات الخارجية المباشرة للبيشمركة ولاترسل هي تلك المستلزمات، ومن ثم تحارب كوردستان اقتصاديا فان الاشكالية تزداد وتصبح الازمة ازمات، لتؤثر سلباً على الداخل الكوردستاني اجمالاً.
ومن جانب اخر تزداد المشاكل الاقتصادية جراء الاضطرابات الحاصلة في بعض اجزاء كوردستان والتي ادت الى انقطاع الطرق التجارية بالاخص في تركيا التي تعامل الكورد هناك بوحشية تثير جدلاً حول مصداقية المنظمات الانسانية الدولية التي تصمت ازاء هذا الاعتداء السافر والمباشر من قبل القوات التركية على المدنيين الكورد في المدن الكوردية، لقد فرضت هذه الاضطرابات اشكالات اقتصادية اخرى وجعلت كوردستان تعيش وفق منظومة وكأنها معدة سلفاً للتحكم بمساراتها واجبار الكورد على الرضوخ لمنطق اخر لايريدونه ويسعون بكل جهد من التخلص منه.
كل هذه الظروف مجتمعة تجعل المواطن الكوردي يعيش الحلم في حلمه لكنه في الوقت نفسه يعيش معاناة كبيرة على الاصعدة الداخلية من حيث ارتفاع الاسعار بسبب انقطاع الطرق التجارية، ومن ثم تدهور حالة الكهرباء بسبب عدم وجود ميزانية للقيام باعمال الصيانة، ومن ثم ارتفاع اسعار النفط الذي اصبح الكل يتساءل اين ايرادته والتي كما قلنا لم تعد تكفي لسد القليل من الاحتياجات الداخلية بالاخص فيما يتعلق بالحرب مع داعش، ومع ارتفاع اسعارها اصبح النفط غير متوفراً بدرجة تساعد اصحاب المحطات الكهربائية من الايفاء باستحاقاتهم تجاه المواطن، فتلك المحطات تحتاج الى النفط لتعمل.. وما اثر ايضاً على المحطات الاهلية التي تبيع الكهرباء حسب نظام (الامبيرات) فهولاء ايضا يشتكون من قلة النفظ ويضطرون الى اتباع اسلوب التناوب في تشغيل محطاتهم.. وبالتالي رفع سعر الامبير.. وبالتالي الضغط على المواطن.. ومن ثم اتساع رقعة الازمة بعدم توزيع الحكومة للرواتب للشهر الرابع… واخيراً وليس اخراً.. صرف الحكومة اموال طائلة على مخيمات النازحين.. والمنظمات الدولية تكتفي فقط بارسال وجبات من المساعدات لتصورها اعلاميا وبعدها تختفي.. كل هذه الامور ساهمت وتساهم الان بشكل مباشر وجلي بخلق نوع من القلق ازاء الاحوال والاوضاع في كوردستان.. وكأن اعداء كوردستان كما كانوا سابقاً قد اتفقوا من جديد على اضاعة هذه الفرصة ايضاً عليهم كي يبقوا تحت مظلات لاينتمون اليها.. ولم يعد بامكانهم الانتماء اليها ليس تعصباً انما ايماناً بالحق.. بحق كوردستان ان تكون مأوى لابنائها.. هذه هي الاوضاع التي اخرستنا.. وجعلت الدمع….. !!!! .
ماذا يحدث لكِ ياكوردستان
اترك تعليقا