فراس الغضبان الحمداني
لا يختلف احد على نجاح القمة التي كان انعقادها في بغداد كما قال دولة رئيس الوزراء نوري كامل المالكي قبل ثلاث سنوات أنها ضرب من المستحيل ولكننا يجب ان نعترف أيضا بان القمة لها ايجابيات كبيرة يجب ان لا تجعلنا نشعر بالغرور ونتجاهل متطلبات داخلية كثيرة .
إن نجاح القمة بإطارها العام وفي مكانها وزمانها كان تتويجا ليس للجهد الحكومي فقط وإنما الصحيح أيضا أنها كانت تتويجا لنضال وتضحيات الشعب العراقي ويكفي ان مئات الآلاف من شباب العراق واصلوا الليل بالنهار لحماية القمة وضيوفها وعلينا ان لا نتجاهل معاناة الملايين من العراقيين الذين تحملوا ظروف الطوارئ التي سبقت القمة بوقت غير قصير وتحملهم عناء الانتظار لساعات طويلة في نقاط التفتيش وإخضاعهم لإجراءات أمنية مشددة حرم بعضها مئات الآلاف من الذهاب إلى أعمالهم وحرمانهم من مصدر رزقهم اليومي ناهيك عن تفاصيل أخرى تتمثل بتعطيل المصالح كل ذلك يعد جهودا وتضحيات لإنجاح القمة دفعها الشعب العراقي دون ان ينتظر ثمنا مباشرا أو شكرا من احد بل قبل هذا الأمر على مضض لأنه كان ينتظر من القادة العرب الاعتراف بمعاناة العراقيين ومؤازرتهم من خلال تجفيف منابع الإرهاب ومد جسور الثقة ونتناسى أحقاد الماضي ونتجاهل المخاوف التي يروجها البعض في إطار نظرية الهلال والطوق سيئة الصيت .
إن قيمة انعقاد القمة للعراقيين رسميا وشعبيا تكمن في ضرورة استنباط الدروس السياسية والتي تتطلب توحيد الجهود وتكاتف كل القوى من الداخل مما يساعد على تعزيز دور العراق المستعاد في القمة عربيا ودوليا وهذا لن يتم الا بمصالحة حقيقية وانتماء لروح الوطن وثوابته والتخلي عن سياسة المحاصصة والقبول بدور المعارض والمراقب تمشيا لإرادة الشعب واستكمالا لهذا النهج السياسي لابد من الشروع الحقيقي في إعادة بناء القاعدة الصناعية والزراعية للقضاء على الفقر والبطالة وإعادة توزيع الثروات الوطنية بطريقة عادلة وإلغاء الفوارق الأسطورية أو الفضائية بين سلم الرواتب لقيادات الهرم السياسي في البرلمان والحكومة والرئاسات الثلاث والذي يصل لكل شخص أرقام مليارية تقابلها رواتب متواضعة تجعل العراقيين يعيشون تحت خط الفقر وقيادته فوق خط المليارديرية ونحن نعلم كم نحتاج من جهود للنهوض بالزراعة والصناعة والثقافة والفنون وثقافة المواطن وإخراجه من ذهنية البداوة وعقلية الاريفة وصياغة وعيه ديمقراطيا لينسجم مع روح القرن الجديد وهذا يتطلب توفير مجمعات سكنية وشوارع وأرصفة حديثة وخدمات منتظمة في مقدمتها الكهرباء وتطول قائمة المطالب الوطنية على صعيد التربية والتعليم والمرأة والطفولة وهي نقاط أشار إليها البيان الختامي للقمة وسبقه قبل ذلك دستور العراق لكن المواطن يشعر بان هذه المطالب مازالت حبرا على ورق وعلينا ان ندرك إن العراق لن ينجح في قيادته لقمة العرب دون ان يحقق المطالب الداخلية لشعبه أولا لان فاقد الشيء لا يعطيه ، وكذلك أمامنا فرصة تاريخية لان نفتح الأبواب المغلقة عربيا من خلال تطبيع اقتصادي وثقافي بين البلدان العربية يسهم في إنعاش الاقتصاد العراقي ويستثمر الطاقات العربية في إعادة أعمار العراق والعكس صحيح أيضا .
إن القمة العربية كشفت لنا إن الإرادة والصبر وحسن التخطيط تستطيع إن تحقق المعجزات ونحن نقول أيضا بان هناك طاقات عراقية كثيرة كان يمكن ان نوظفها في هذا النشاط وتوفر للبلاد عشرات الملايين من الدولارات في صعيد مشاريع الأعمار وتأهيل الفنادق وأمور أخرى تتعلق بالعلاقات العامة والسياحة ولدينا العديد من المؤسسات والخبرات في هذا المجال وكان بالإمكان إن توظف وتستثمر وعلى الصعيد الآخر ورغم نجاح التغطية الإعلامية للقمة فقد اظهر أداء الإعلام العراقي بأنه بحاجة ماسة لتطويره ليكون في المستوى الذي يثير الانتباه ويجذب الآخرين وينقل الحدث من موقعه إلى أقصى مكان في الكرة الأرضية وهذا يتطلب امتلاك مهارات إعلامية كبيرة وتقنيات متطورة لعلنا سنحتاج إليها في تغطيات قادمة قد تكون أكثر صعوبة من قمة بغداد لان الذي يبحث عن دور إقليمي وعالمي عليه ان يعد العدة والاستعداد بالكامل حتى يرتقي إلى مستوى هذه الأهداف الكبيرة .