ماذا تعرف عن الذئاب المنفردة لتنظيم الدولة في العراق؟
صلاح حسن بابان
يسعى تنظيم الدولة الإسلامية لإيجاد وسائل تكتيكية وأساليب بديلة لضرب قوات الأمن العراقية وإيقاع قتلى وجرحى منهم، بعد خسارته لجميع المناطق التي فرض سيطرته عليها عام 2014، ولجوئه إلى تفخيخ المناطق والدور السكنية لتعطيل تحركاتها ومنح نفسه مساحة أوسع للتنقل والهروب من المطاردة الأمنية، متبعا أسلوب الذئاب المنفردة.
كثف التنظيم في الشهور الأخيرة من عملياته ضد القوات العراقية وتمركزت تلك العمليات في المناطق ذات التضاريس المعقدة في محافظتي ديالى (شرق) وصلاح الدين (شمال) اللتين ما زالتا تضمان بؤرا لعناصر التنظيم، متخذين من الجبال والصحاري مقرات لهم إضافة إلى الجزر الوسطية في نهر دجلة كما في الشرقاط وسامراء.
واعتمد التنظيم في مهاجمة القوات العراقية عدة أساليب وتكتيكات منها الهجمات التعرضية، وبرز في الآونة الأخيرة تكتيك “الذئاب المنفردة” بعد تبعثر عناصره واضطرارهم للبقاء على شكل مجموعات صغيرة تتكون من 7 إلى 10 عناصر.
كما لجأ التنظيم إلى تكتيك زراعة العبوات الناسفة والألغام في المناطق الرافضة لوجوده بالاعتماد على تكتيك الكر والفر ولا يحتاج تنفيذه إلى الكثير من الجهود والإمكانيات أو الأشخاص، فضلا عن أنه يوقع خسائر كبيرة ولا سيما بعد تفنن التنظيم في استخدام زمان ومكان نصبها في المناطق الميتة أمنيا بين المدن أو على مقترباتها، وفقا لمصدر أمني.
عجز المنظمات الدولية
وبدأ التنظيم بزراعة العبوات الناسفة في المناطق ذات التضاريس الصعبة بمحافظة صلاح الدين، في وقت بذلت الجهات الحكومية المعنية جهودا جبارة لإزالة تلك الألغام والعبوات الناسفة من المناطق السكنية ولا سيما قضاء بيجي الذي تعرض لتدمير هائل جراء العمليات العسكرية وتعدد المعارك، وفقا لمسؤول إعلام وعلاقات محافظة صلاح الدين جمال عكاب.
ويسعى التنظيم -حسب عكاب- إلى زرع العبوات بعد تركه المناطق، ما تسبب بالعديد من الضحايا بينهم ضباط كبار.
وفي حديث للجزيرة نت، انتقد المسؤول العراقي المنظمات الدولية التي لم تؤد مهامها كما يجب فيما يتعلق برفع العبوات والألغام رغم الدعاية الإعلامية الكبيرة لما قامت به في العراق.
وعجزت القوات الأمنية عن الوصول إلى المناطق الوعرة حتى الآن، مما سهّل اختباء التنظيم فيها إضافة لوجود مناطق صحراوية تربط صلاح الدين مع محافظتي الأنبار ونينوى، في حين تمكنت فرق رفع الألغام والمتفجرات من رفع ما نسبته 95% من العبوات المزروعة حتى الآن.
جهات مستفيدة
وهناك عدة جهات مستفيدة من استمرارية بقاء تلك المجاميع، أبرزها -حسب مراقبين- الفصائل المسلحة التي تجد في بقائهم ذريعة لانتشارها، إضافة إلى سياسيين وجدوا في ضعف الجانب الأمني وسيلة لتكرار حصولهم على مناصب تشريعية وتنفيذية ممثلين لتلك المناطق.
وتحقق تلك الجماعات منفعة مادية لبعض الأفراد عبر تواطؤ عناصر من قوات الأمن في المناطق القريبة من وجودها مع أفراد التنظيم، من خلال تسهيل إيصال الغذاء والدواء وكافة الاحتياجات اللوجستية الأخرى من وسائل اتصال ومعلومات بل حتى الأسلحة عند الحاجة إلى عناصر التنظيم المختبئين في تلك البؤر عبر مهربين ينتمون إلى تلك المناطق أثروا من خلال هذه العمليات، وهذا مما يسهم في تعزيز فرص بقائهم حتى الآن، حسب الكاتب والمحلل علي البيدر.
ولفت البيدر -الذي ينحدر من قضاء الشرقاط التابع لمحافظة صلاح الدين- إلى تمركز التنظيم في المثلث الصحراوي ما بين صلاح الدين ونينوى والأنبار حتى حدود سوريا والجزر الوسطية في نهر دجلة، فضلا عن جبال مكحول وحمرين رغم مضي ثلاث سنوات على تحرير كامل أراضي المحافظة التي احتل التنظيم أربعة من أقضيتها الثمانية.
ويرى البيدر أن تنظيم الدولة نجح في تجنيد خلايا له بشكل سري أثناء سيطرته على تلك المناطق دون الكشف عن هويتها، وهي تقوم بتزويده بجميع احتياجاته مع فشل الجهد الاستخباري في كشف تلك الوجوه الخفية للتنظيم وهي واحدة من أسرار قوته.
وما سهل تحرك التنظيم في المناطق الميتة أمنيا في صلاح الدين -حسب البيدر- هو سوء تموضع أو توزيع القوات الأمنية ولا سيما في قضاء الشرقاط الذي يضم لواءين أحدهما يتبع للحشد الشعبي والآخر للجيش، إضافة إلى فوجين من الشرطة المحلية ومديريتين للشرطة بدرجة قسم في كل ساحل جميعهم يتمركزون في المدينة أو على تخومها.
وأكد للجزير نت ضرورة انتشار تلك القوات حول المدينة لتحصينها ولا سيما في الأماكن القريبة من بؤر التنظيم.
ضحايا بالمئات
ولم يختلف واقع محافظة ديالى عما يجري في صلاح الدين، إذ استغل التنظيم المناطق الوعرة والبساتين التي تمتاز بأشجارها الكثيرة لضرب قوات الأمن عبر الاعتماد على تكتيك الذئاب المنفردة، مما اضطر سكان قرى كاملة لترك منازلهم والنزوح إلى مناطق أخرى.
وأوقعت العبوات الناسفة والألغام مئات الضحايا من المواطنين وقوات الأمن، بينهم 215 قتيلا والبقية ما بين جرحى وموقعين فقط في قرية أبو كرمة التابعة لمحافظة ديالى، حسب مختار القرية جمعة قاسم الربيعي، مستغربا في حديثه للجزيرة نت عجز القوات الأمنية عن إيجاد آلية للقضاء على عناصر التنظيم بهذه المنطقة.
وتتنقل عناصر الدولة على شكل مجاميع صغيرة متحركة من منطقة إلى أخرى حتى باتت المناطق التي يتنقل فيها التنظيم محرمة على مواطنيها بعد نزوحهم منها، ولا سيما المناطق المستهدفة باستمرار وهي قرى أبو كرمة والجلبي والكبة والمخيسة والشيخي التابعة لناحية أبي صيدا.
وتعشعش مجاميع صغيرة للتنظيم في القرى والأرياف التي تمتاز بالمزارع والبساتين الكثيرة في ناحية العبارة التابعة لمحافظة ديالى، مستغلة الجغرافيا المعقدة لزراعة العبوات الناسفة والألغام، ورغم استمرار العمليات العسكرية ضدها فإنها تستخدم أسلوب الكر والفر.
وتسعى مجاميع التنظيم -حسب مدير ناحية العبارة شاكر ملا جواد- لإشاعة الفوضى في هذه المناطق من خلال خلاياها النائمة، مستهدفة القوات الأمنية بالدرجة الأساس ثم المواطنين.