ماذا بعد الربيع العربي
بقلم الأديب:حسام الدين أحمد
العراق بغداد
في هذا المقال … لم نذكر مسميات أو شخصيات معينة، لأن هدفنا أصلاح المجتمع وأيجاد الحلول لمشاكله بالحوار.
هناك أشخاص خلقوا ليكونوا قادة وقد رزقهم الله تعالى المقدرة على اتخاذ القرارات الصائبة وتحمل المسؤوليات والتحلي بالصدق والعدل، ولهم القدرة ليضحوا بأنفسهم لإسعاد غيرهم، فلنختار من بيننا اليوم! من كانت هذه صفاته ليقود الشعب لبر الأمان ليحيا الإنسان بكرامة.
لا ينكر أحد فضل العلماء والمخترعين والأساتذة والأطباء في خدمة البشرية بشكل عام، ولكن هناك فئة أخرى تعمل بأخلاص وصدق دون مقابل، وهدفهم إنقاذ المجتمع وإصلاحه، ووضع الحلول والسبل الكفيلة لإنقاذ الإنسان وتنمية صفاته الإنسانية قبل حدوث الكارثة، انهم الأدباء والكتاب، نعم فهم ” ك زرقاء اليمامة” يرون مالا يراه غيرهم، ويعملون بجد دون انتظار الأجر المادي حتى تجف أقلامهم أو يأتيهم الموت.
فكم منهم من نادى للأصلاح وحقوق الإنسان والأخلاق ومحاربة الفساد، وطالب بحقوق الأرامل والأيتام ودعا لإعادة حقوق المرأة حتى تبقى نبراسا يضيء سماء المجتمع الناجح، فكان مصيره خلف القضبان أو في مستشفى الأمراض العقلية أو تحت التراب!
فالكاتب صاحب رسالة لابد أن يؤديها بأمانة فإما أن يكتب بحق وعدل أو يصمت.
واليوم تغيرت حياتنا فأصبحت احيانا بلا طعم ولا هدف ولا إنسانية ، ورغم التطور الحاصل في كافة المجالات، إلا أن التراجع حصل في مجال الصدق والعدل والأخلاق والمشاعر الإنسانية النبيلة، وكأن تلك الأمور أصبحت من أساسيات التخلف، وكأن الإنسان يدعو إلى حياة خالية من الشعور والإحساس بالغير، ليأكل القوي الضعيف ويستعبد المتكبر والفاسد، المتواضع والمخلص.
فكان لابد حينها من أحداث بعض التغيير لنعيد للإنسان كرامته ونعيد للحياة بهجتها، واليوم لانملك الا اقلامنا، فقد تم تجريدنا من كل شيء، فتركناها تكتب لعلها تستطيع أن تعيد للقلوب نبضها من جديد!
تحدث الأدباء والكتاب المخلصين في الأمور المصيرية للشعب والبلاد لإنقاذ الإنسان بشكل عام وإصلاح حياته، فهم ك المنبه الذي يدق الجرس للتحذير من خطر قادم، أو كالطبيب الماهر الذي يصف العلاج للأمراض المختلفة ويشير للطرق الكفيلة للوقاية منها.
وحاول بعضهم عدم الخوض في تلك الأمور، ليس ضعفا، ولا لأنهم لا يفهمون واقعهم أو أمور دينهم، أو يخشون أحدا من البشر، فكل ما خلا الله باطل! ولكن لعلمهم أنهم سيعرضون أقلامهم لجفاف حبرها دون جدوى فقد كثرت الخلافات وانتشر الفساد في أغلب الدوائر والمناصب وأطراف الكراسي، ولكن اليوم سنتكلم فقد غرقت اوراقنا بحبر آلامنا حتى سالت من بين الاوراق جراحنا!
يضعون على افواهنا الكمامات وعلى أقلامنا السلاسل والقيود، ويقولون لاتتكلم في السياسة، تكلم في أُمر الدين بعلم أو بدون علم لايهم! لكن السياسة لها قدسيتها، وقد تكون في بعض الدول،”بل لا نبالغ أن قولنا جميع الدول” إلها يعبد!!! لأن العبودية لها علامات كالحب والخوف والرجاء، وكل تلك المسميات نجدها في السياسة ” عجيب أمر أُمتي، الفاسدون هم من أوجدوا هذه العبارات ونشروها، حتى يحيا الشعب بالخوف! ويسكت عن حقه.
والوجه الآخر للسياسة هي تقريب وجهات النظر بين حزبين أو طرفين وأحيانا يكون ذلك مخلوطا بالنفاق والفتنة وعلى حساب شعوبهم، لنجد بعد قتال دامي بين جهتين ذهب ضحياه الألف بسبب السياسيين أنفسهم وقد جرى ذلك نزولا عند رغباتهم، فكانت النتيجة العديد من القتلى والأرامل والأيتام والمشردين، ليجلس القادة والسياسيين بعدها ليشربوا قهوة وقد مزجت بدماء شعوبهم!
ولماذا المسؤول بعد أن يصعد لكرسيه… يرتجف ويحيط نفسه بالسلاح والمال والرجال، فإن كنت تخشى الشعب اجلس في بيتك، أو كن كالنبي صل الله عليه وسلم رئيس دولة ويحمل حاجات المرأة العجوز لبيتها، أو كن كعمر يطبخ الطعام للصبية، أو كعلي يصلي بين افراد الشعب دون حماية أو سلاح، أو كالحسن حكم فعدل، أو كالحسين جعل من جسده درعا ليصد الشر عن أفراد أُمته.
وبعد ذلك كله جعلوا كل أجهزة الدولة في خدمة مصالحهم الشخصية والحزبية، حتى يبقى الشعب بالخوف يصحو وينام، فأصبح الشرطي لقمع الأمان، لا لحماية الأنام، فإذا كان الشرطي واللص أصدقاء!
والقاضي فاسد والملك “المسؤول” كذاب، فأي خير نرجوه بعد ذلك.
ولنسأل لمن قال ان الشعوب العربية تحيا بسلام!!! فلما نرى الأيتام والفقراء وكبار السن في الطرقات!
شُرع الصيام للتقوى وكي تشعر أن هناك فقراء لايملكون ثمن الطعام، وشُرع الزكاة لتعرف أن هناك أُناس لايملكون المال
و في الحج نلبس الثياب البيضاء والإيزار لنستشعر الأكفان التي سنرتديها يوما ما ونحن أجساد بلا روح تأكلنا الديدان، وكذلك لنتصور صورة مقربة لما سيكون عليه حالنا ونحن في المحشر، الرجال والنساء، الكبار والصغار، الأغنياء والفقراء، الكل بين يدي العزيز الجبار.
والمشكلة اننا أصبحنا نرى القادة بعد كل مرحلة من مراحل التغيير والتجديد للأوجه! نراهم يطوفون حول البيت العتيق لأداء العمرة، ليعودوا للبلاد لممارسة القتل والفساد والسرقة وأهمال الشعب، وكأن زيارتهم لتلك الديار المقدسة هو لتجديد عهد “السير على نهج من كان قبلهم ” !
فكيف هو حالنا بعد أكثر من ثمانية عشر سنة على زوال النظام السابق، نظام الظلم والفساد والحروب والاستبداد والدكتاتورية، لنجد أنفسنا اليوم أشد المًا وأكثر جراحًا، فكان يتسلط علينا شخصا واحدا، ليأخذ حقنا ويسرق بسمتنا ويفسد حياتنا، واليوم يتسلط علينا من هم كانوا في يوم من الأيام عبيد لأولئك الفاسدين، سواء الفاسدين الذين كانوا داخل بلادنا، أو الفاسدين المتواجدين خارج البلاد، الذين كانوا ولا زالوا يتسابقون لقتل الكرم والشرف والغيرة العراقية، تلك الغيرة والمشاعر والأخلاق، والتي بلا مبالغة ليس لها مثيل في أغلب الدول.
فها هو يوم آخر من الأيام المجهولة التي سيحياها الشعب، بعد أيام مضت من الوعود الكاذبة والكلمات الرنانة وتوزيع بعض الهدايا المتمثلة بقطع البسكويت وبعض المشروبات الغازية، والشعارات التي يصعب تحقيقها حتى في الاحلام، كل ذلك يحدث وأفراد الشعب يتظاهرون بالفرح “خوفا” في هذا العُرس الانتخابي، وقد أسر بعضهم لبعض، انها أضغاث أحلام !
فوعدوا شعبنا الطيب بتصدير الكهرباء، وأصبحنا نعمل لا لنأكل! ولكن لنسدد فواتير المولدات الأهلية، التي هي شكل آخر للفساد في البلاد، وقالوا سنعيد للإنسان كرامته، وأصبحنا نرى المستشفيات مصائد لقتل المرضى بسبب الفساد، والمدارس منبع للتخلف وما ظاهرة انتشار المدارس والكليات الأهلية الا وجها آخر لذلك الفساد، ومن يريد المزيد ليبحث في تفاصيل الأمور ليجد ماهو أدهى وأمر!
وكذلك الغلاء وانتشار البطالة والتخلف والجهل والفساد وغيرها،ماهو إلا وجها آخر لصورة رمادية اللون يحاول اليوم المتسابقون للكراسي جعلها وردية اللون في أعين الشعب الفقير والطيب الذي انخدع بشعارات كاذبة وكلمات لحنت بأفواه مخادعة لأُناس لا يملكون من الأحاسيس والمشاعر الا الشعارات، فأخذوا يتفنون بتلوين المستقبل للشعب، ولكنهم في الحقيقة يلونون مستقبلهم ومستقبل أولادهم، ولا يهم أبناء الشعب، فكما قال عادل امام في مسرحية الزعيم، في فن من فنون الأدب وهو طرح الواقع المؤلم الذي يحياه الشعب بطريقة السخرية، فقال … الشعب لابد أن يكون فقيرا، فالفقراء يدخلون الجنة، فيا شعبنا لنحيا بعز أو لنموت بعز.
وقبل سنوات كانت هناك انتخابات ومرشحون يتسابقون للفوز بكراسي توضع على أكتاف الشعب لتحملهم، وكان الصباح لايزال في ساعاته الأولى ، فوجدت امرأة كبيرة في السن وقد انحنى ظهرها، فتوقفت بسيارتي لإيصالها لمنزلها، فسألتها مالذي اخرجك في هذا الوقت؟ فقالت ذهبت لأُدلي بصوتي في الانتخابات، فعدت وسألتها لما ذهبت فقالت: قالوا إن لم تذهبي فسيقومون بقطع الحصة الغذائية عنك، فقلت لها ياأُمي! أين هي الحصة الغذائية وهل أستلمتها كاملة كل تلك السنوات التي مضت، فقالت: لا وأحيانا استلم مواد فاسدة لاتصلح للإستهلاك البشري، وكانت تلك الحصة الغذائية تعطى كاملة في زمن النظام السابق! وموضوع هذه الحصة! هي من علامات العيب في بلد يطفو على بحر من الذهب الأسود “النفط” إضافة للزراعة والسياحة والتجارة والموقع الجغرافي والمعادن الأخرى، فرغم تلك الخيرات كان الفقر منتشرا بين أفراد الشعب! ليتم مساعدته ببعض الطعام! بدلا من إعطائه حقه من واردات النفط، والذي هو ملك للجميع، وللعلم ان بلادنا من أغنى الدول بالعالم، ولكن لكثرة الفساد واللصوص من داخل البلد وخارجه! فلذلك كان ولازال الشعب هو الضحية ولابد أن يدفع الثمن بمفرده.
فلنترك الشعب ليحيا بسلام وأمان بدلا من أحداث الفتنة، وإيجاد المشاكل وإرهاب الناس تحت مسميات لا وجود لها، كل ذلك حتى يبقى الشعب يشعر بالخوف ويحيا تحت خط الفقر وهو راضي، لظنه أن أصحاب الكراسي يصدون عنه الشر، والدليل أن قلبه لازال ينبض، وكأن تلك النبضات هي هبة منهم له!
فمن كان يصفق للنظام من المحتمل انه سيأكل اليوم، ولكن إن زال نظامه سيعود ليجلس مع الفقراء، أو يقوم ليصفق للنظام الجديد .. كعادته!