د.خالد ممدوح العزي
إن “جنيف -2” فرصة حقيقية لوضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، بسبب الفاجعة الانسانية التي تصيب المجتمع السوري، وبظل السكوت والتواطؤ الدولي .فإذا كان مؤتمر جنيف-2 الذي يعقد في 22 يناير بحضور 30 دولة والتي تعتبر نفسها فاعلة ومؤثرة بالملف السوري بحسب عربي المؤتمر “الروس والأمريكان” اللذان اعدى دعوات هذا اللقاء منذ 6 شهور. لقد وضع جدول اعمال اولي للمؤتمر بعد جدال وبحث طويل مؤلف من ثلاثة بنود :
1-حل المشكلات الانسانية في سورية وتامين طرق امنة لإيصال المساعدات .
2-التوافق على سحب القوات الاجنبية من سورية ومنع تدفقها .
3- التوصل الى ايجاد صيفه تقضي بتشكيل ادارة انتقالية من قبل النظام والمعارضة .
وهذه البنود التي تؤمن الوصول الى تنفيذ اتفاق جنيف-1 الست تدريجا بعد وضع اسسا للثقة بين الاطراف المتصارعة وحثهما على تنفيذ هذه البنود.
لكن الواضح جدا بهذا اللقاء، هو غياب الثقة المفقودة بين المجتمعيين ( المتصارعين والراعيين )وخاصة الذين يعتبرون انفسهم لاعبين اساسيين في الميدان السوري، فكل فئة تحاول ايصال ما تريده بواسطة السلاح، وبالتالي الجميع يعرفون بان المشكلة طويلة وجنيف -2 لن يكون الحل وربما سوف سيكون جنيف 3- وحتى جنيف 10. ولكن لابد من القول بان جنيف -1 هو الاساس في أي حل قادم للمشكلة السورية .وبالرغم من وصول الوفود الى سويسرا وفي هذه اللحظات لا تزال المدن السورية تدك بالبرميل المتفجرة ولا تزال المناطق محاصرة والأطفال يسقطون جوعا على مذابح سكوت النظام العالمي .
وبالرغم من تمسك الروس بالقانون الدولي وحل المشكلة السورية عن طريق الحوار السياسي لا يزال الروس موقفهم ملهم وعير واضح ، يزودون النظام بالأسلحة والمعدات اللوجستيه ولا يزال الروس يهددون بالفيتو ويعقون أي مبادرة انسانية لإيصال المواد الغذائية ،فالروس الذين حاولوا لعب لعبة خبيثة في هذا المؤتمر بتلغيم مؤتمر جنيف- 2 وإفراغه من مضمونه الاساسية وذلك من خلال اخذ مؤتمر جنيف 2- نحو مؤتمر لمحاربة الارهاب وبإجماع دولي بظل هذه الدول الحاضرة وبالتالي يكون الرئيس الاسد شريكا فعليا وفعالا في هذه العملية التي تكمن في محاربة الارهاب بجهود دولية،وإبعاده عن مضمونه الاساسي الذي تفجرت الثورة في 15 مارس 2011 لأجله . فالروس الذين لا يرضون بوصول المعارضة الى السلطة في سورية تحت حجج وهمية وكاذبة ، يعملون جهدا لإفشالها ومحاصرتها وخاصة بعد فشلهم بإيجاد معارضة طوال الفترة الماضية تناسب نظام الاسد . ففي المؤتمر سوف يتقدمون باقتراح سريع يقوم بإجراء انتخابات رئاسية خلال ثلاثة شهور وبمراقبة دولية يشارك فيها الرئيس الاسد الى جانب مرشح المعارضة كي يقوم شخصيا بإدارة المرحلة القادمة. وهنا يكمن بيت القصيد عن الروس الذين لا يزالون يتمسكون بالأسد ونظامه رغما عن كل الاحداث التي لا تزال مستمرة منذ 35 شهرا . فالروس الذين يمدون الاسد ويشجعونه على ممارسة القتل والعنف ويعطونه الفرصة تلو الفرصة ، وبأنه يستطيع الحسم وهذا ما اكده لهم يوما بأنه قبل المؤتمر سوف يسيطر على 80% من الاراضي التي سيطرة عليها المعارضة .
فالغرض من الافشال هو تآمر الروس والإيرانيون ونظام الأسد لإفساد المؤتمر بخطوات مختلفة. فالروس مارسوا ضغطا كبيرا للسماح لإيران بوفد يشارك في المؤتمر، وبالتالي تغيير معادلة الحضور لدعم الوفد السوري. أيضا، الروس سعوا منذ البداية إلى مؤتمر بشروط مسبقة، وتحديدا رفض مقررات مؤتمر جنيف الماضي الذي تبنى مشروع نظام يجمع بين المعارضة وبعض من نظام الأسد، مع إبعاد الأسد نفسه عن الحكم. وأراد الروس مسح المقررات السابقة لأنها تتضمن صراحة دعوة لسحب القوات الأجنبية المقاتلة على الأرض السورية، والمعني بها هنا الحرس الثوري الإيراني وعصائب الحق العراقية، وميليشيات حزب الله اللبنانية. والجميع متفقون على إبعاد الجماعات الجهادية الأجنبية مثل “داعش”.
وبظل حقل الالغام التي تحاول روسيا وضعه امام اتفاق جنيف -2 وقع الأمين العام للأمم المتحدة في احدى هذه الالغام الذي نصبه الروس والإيرانيون شمالا ويمينا، لقد وجهه الدعوة بن كي مون دعوة لإيران لحضور المؤتمر بعد موافقة وزير الخارجية الايرانية الشفهية على جنيف 1 والمعروف بان ايران والنظام السوري لهم باع طويل في ممارسة فن البراغماتية السياسية واللعب على الكلام والقرارات .وبهذه الدعة الغير منتظرة ساهمت بأربك مواقف جميع الدول التي وافقت على حضور جنيف-2 وممارسة يدورها ضغوط كبيرة على المعارضة السورية .
وبهذا الصدد سارعت مصادر روسية بان الامين العام للأمم المتحدة بن كي مون سوف يقوم بسحب دعوته لإيران للمؤتمر والعقبة هي السعودية التي نجحت في فرض شروطها على الجميع وتهديد الائتلاف السوري المعارض بعدم المشاركة. وهذا ما اكدته مديرة مركز آسيا والشرق الأوسط بموسكو يلينا سوبونينا ضيفة الحلقة الجديدة من برنامج “حديث اليوم” في قناة روسيا اليوم في 20 يناير 2014 أن المشكلة الرئيسية التي تعرقل مشاركة إيران في مؤتمر “جنيف-2” الخاص بسورية تكمن في موقف الرياض وليس واشنطن.
وحسب قراءة عبد الرحمن الرشد في صحيفة الشرق اللندنية ب21 يناير 2014 :” فالهدف كان منع مؤتمر جنيف -2 من الانعقاد بأي وسيلة ممكنة، وبالتالي منع مشروع بديل ليشار الأسد، وإبقاء المعارضة السورية محاصرة في إسطنبول خارج الحدود.والعمل على اضعافها من خلال وضعها في مواجهة مع المجتمع الدولي بأنها غير جدية وغير قادرة على تمثيل الشعب السوري في اية محافل دولية “.
وبخاصة هذه المعارضة التي تعاني من مشاكل داخلية كثيرة بسبب توزيع المعارضة والمعارضين، اضافة الى المشكلة الاصعب والاهم التي تمثلت بصعود داعش الصاروخي الى الواجهة السورية وسرقتها للثورة بدعم استخباراتي روسي وإيراني بسبب استخدامها من قبل الاسد للمرات العديدة في انقاض نظامه وتهديد الغربها .
يبقى نجاح مؤتمر جنيف-2 مرهونا بالموقف الروسي بالتخلي عن التمسك بالأسد ونظامه والعمل الفوري على حل معاناة ومأساة الشعب السوري وإطلاق اسره من نظام الاسد وهجمة داعش .وعلى امريكا ان تعلم بان استقرار الوضع السوري سوف ينهي ظاهرة الارهاب التي تأخذه ذريعة لمحاربة الارهاب وتعمل على حلول مؤقتة وتستعين بهذه الانظمة على حساب الشعوب التي من حقها الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية .
كاتب اعلامي وباحث مختص بالشؤون الروسية ودول الكومنولث .