” ليّلة ساڪِنة بخدرٍ موسيقي ”
في مثل هذا الوقت في بلادٍ بعيدة …
الطقسُ مُظلم ، غيومٌ سوداء تَحجِبُ جمال السَماء .
هنالكَ حيثُ تكون المدينة محطة لمتناول الأحزان .
تتجّولُ خردةً من الالآم و الذكريات مُتجمعة فيه كأنها جثةٍ تَّحيا في كابوسً يَنبُضْ .
في المَدينة يحمِلُ مِظلة و يسيرُ بصمتٍ يَشبِهُ ضَجيج السُجناءْ أثناء الهروب من قفص الحُرية .
تنعكِسُ على الأرض المُبتلة إضاءات المباني المُحيطة ، ثُم مَر كالطيف على مسمَعه صوت أغنية مُرتفع ينبَعِث من سيارة تقطع الطريق .. كأنهُ أحد المارة ، يلقي نظرة سريعة على السائق و يبتسم لأنها أغنيته المفضلة .
يُكمل طريقهُ ليُصادف مقهاه المُفَضل مفتوحاً ، ثم بخطواتهِ على المَطَر يفتَحُ الباب و يُخفض مظلتَهُ المُبَللة الغارِقة في القطرات ، يجلس على مقعدَهُ المُفَضَل بجانب النافِذة الشفافة ، يَطلبُ كأس نبيذٌ مُعَتَق ، ياخذ من رف الكُتب كِتاب ﴿ الحُب في زمن الكوّليرا ﴾ ليخرج من صوب حزن الأقدار و يغّوص فوق الواقع المُر .
يستمتع بالقرائة مع طعم العِنَبْ في كأس النبيذ ، و رائِحة المَطَر المَمزوج بالعِطر في معطَفه .. تملأُ ارجاء المَقهى .
دخلت فتاةٌ جَميلة ، هي ايضاً تَحِبُ هذا المَقهى و النبيذ المَليئ بالرغوهْ و الڪَعك المُزَيَن باللون الأحمّر الذي يُعده النادل بطريقة لذيذة لتقوم بطلبه ، ” تفتَحُ زر الراديو لتستمتع بأُغنيتَها التي تَحِبُها مع قَطرات المَطَر ” .
هي فتاة أنطِوائية لا تملك العديد من الأصدقاء ، بارِدة لا تَهمَها المَشاعر و لا تتمتَع بحس الدّعابة و لكنها كانَت فِي مُنتهَى الرِقة حَتى في أقسّى صِفاتّها ، هو رجل رومَنسي عكسَها تماماً .. عاطفتَهُ تُجَدِد الزهورَّ الذابِلة و الغيومْ الحَزينة و ابتسامتها التي تُنير العالم .
دخل شاباً احتضنها ثم رافقته و استلقت سيارته الــفور موستانج الفاخرة ، مرت هذه اللحظة كالبركان على ناظرهِ ، بَكا كثيراً و بدأت الكأبة تظهرُ على وجهَهُ الشاحِب ، مزق الكِتاب و كسر الكؤوس و ركل الطاولة ثم اغلق الراديو
و لم يغلق قلبَهُ .
– إشــتيــاق موفق خليل