ليس من المهم أن تكون على حق
الأهم أن تكون أكثر رحمةً وتحقق الإنسانية في الأرض
“قد أكون على خطأ، ولكن هذا لا يعني بعدُ أنك على صواب” بهذه العبارة تبدأ الحلقة الأولى من مسلسل الندم السوري الذي عُرضَ على شاشات التلفزة عام 2016، كما وتنتهي الحلقة الأخيرة منه بتلك العبارة أيضًا.
تعبيرًا عن الخراب الذي وصلت إليه سورية، يعتمد المسلسل أسلوب الفلاش باك في سرد الأحداث، اللون الأبيض والأسود والأزرق الثلجي يعبران عن الحزن وافتقار الحياة لأدنى مقومات العيش، والألوان تعبر عن زمن ما قبل الأزمة السورية، زمن الحب والرومانسية بين “عروة” محمود نصر بطل المسلسل وبين “هناء” دانا مارديني الشابة المفعمة بالحيوية والنشاط، بين” د. ندى” رنا كرم وبين الشاب “هشام” جابر جوخدار …
وقد مال رأسكِ على كتفي فهل تذكرين؟
وامتدتْ كفّي إلى شعركِ تمسّده …
“غرباء في الليل” رواية يكتبها عروة.
ما طبيعة الشرور التي زرعناها ما دام الحصاد كل هذه الكوارث؟
سؤال يطرح نفسه، وما زلنا نتغنى بالياسمين الدمشقي .
المصادفة والحتمية، وذبيحة “الولد ” ابراهيم الغول الأولى …
وراح الديك يرقص مذبوحًا من الألم، مصادفة غبية مجانية أو ربما كانت حتمية …
أكبر تجار اللحوم في دمشق وسورية والشرق الأوسط “ابراهيم الغول” سلوم حداد …
كلما اجتمعوا إلى مائدة الطعام يتجادلون ويفتعلون المشاكل…
“هادا هوي الولد يلي بينرفع فيه الراس” وينظر الأب إلى ابنه الأوسط “سهيل” أحمد الأحمد موجهًا الكلام إليه وكأنه صفعة مدوية تشعل قلبه بالغيرة والحسد من أخيه الكاتب عروة ..
وفي حلقة تالية يدخل الأب إلى غرفة ابنه سهيل ويبدأ بصفعه قائلاً: “صاير رجال ولاك”!
وهل يحزن الأب إذا أصبح ابنه رجلا؟ سؤال يغوص بنا في بحور الحيرة والقلق
وكالوحش يجثم أبو عبده لاهثًا على السرير يستغفر ويتحوقل…
وتفاديًا لتكرار قصة قايين وهابيل يقرر سهيل ترك العائلة مغادرًا البلد …
“كلنا طغاة، لكن كل واحد على قده”
مسالخ وذبائح، دماء وتجارة لحوم وصناعة الجثث المعلبة، ويُعتقل الشاب “هشام” خطيب الدكتورة ندى، هشام الشاب الطيب الشاب البريء يُعتقل ويسمى بالسجين السياسي الذي لا تهمة عليه …
وتضعف سطوة “ابراهيم الغول” وتنهار قوته بعد موت “أم عبده” سمر سامي، ومع تقدمه في السن، بينما يظهر الغول الثاني “عبده” باسم ياخور الأبن البكر ويعمل على تنمية سطوته واستغلال نفوذه لبناء همينته على أموال ومصانع أبيه ..
“الله يعين البلد عليك وعلى أمثالك، والله العظيم ماحدا رح يجيب آخرتا غيركم” هذا ماقاله أبو عبدو الغول لإبنه عبده عندما كانا يتكلمان عن المعلمية والسيولة المادية.
عبده الغول يريد أن يأكل الأخضر واليابس لكنهم يعززون من سطوته ويرفعون من شأنه قائلين: “أنت ياعبد الكريم رجل وطني، وماحدا يغبر عليك”
ويعج غبار الخشب في الجو من منشار يجزّ بأسنانه جذوع الشجر، وكالقذيفة يدوي صوت الفأس على شجر غوطة دمشق وبساتينها، لتبنى مكانها المصانع والمعامل التي ستضر بالبيئة وتلوث سماء الوطن …
وبعد انقطاع الأمل بفك أسر هشام الذي كان يتمنى الموت وقد طلبه من طبيب المعتقل “د. توفيق” أيمن عبد السلام قائلاً له: ” أريد الموت الرحيم، أرجوك يا حكيم”
تقرر د. ندى الزواج من زميلها د. توفيق، وبعد ثلاث سنوات من هذا الزواج يخرج السجين السياسي “هشام” من أقبية الظلام ليجد خطيبته متزوجة، وهي التي لو كانت تعلم بتاريخ خروجه حتمًا لم تكن لتتزوج …
احتشاءٌ بالقلب وتبهت ألوان الهناء، ليبدأ ألم عروة مع فقدان الفتاة التي أحبها، وقد تلاشت حيويتها وماتت رغبتها في الحياة من قبل أن تموت فعليًا …
بُم … بُم، أصوات قذائف وتفجيرات والكهرباء المقطوعة، والأبيض والأسود يدخلنا في صلب المأساة ..
أشلاء ودماء، وأطراف مبتورة على الأرصفة مكان الانفجار، تحذير من قذيفة ثانية ولا أحد يسمع تستمر الحياة بين موتين ثم وبُم … قذيفة أخرى وتعود أشلاء جديدة لتأخذ مكانها على أرصفة الموت والألم …
الضابط الذي حقق مع “عروة” في قضية خطيب أخته عاد والتقى به صدفةً في مقهى بعد حادثة اعتقال مراهيقين وزجهما في السجن …
ليضع الضابط عروة الكاتب المثقف الرومانسي المرهف الإحساس في “خانة اليك”و يسأله أنتَ مع النظام أو ضده؟
ويُساق هشام للمرة الثانية إلى المعتقل دون تهمة ..
ثم يُعرض على الطبيب بسبب تدهور صحته، وعندها يطلب بإلحاح الموت، يشفق د. توفيق عليه من آلام السجن وجروح التعذيب ويقرر أن يساعده في الانعتاق .. فينتحر هشام، ويُعتقل الطبيب ..
عبده الغول يرشح نفسه للبرلمان، معززًا ثقته بنفسه فهو الرجل الوطني الذي لا غبار عليه!
“رشا” جفرا يونس الشابة الجامعية المليئة بالعطاء والحب والأمل تصل إلى منزل عروة في الوقت المناسب وتنقذه من براثن المرض والموت لتنشأ بينهما علاقة حب تنتهي بإعتداء وحشي عليها من قبل شاب أرعن كان يلاحقها حتى وجدها وألحق بها الأذى، ودخلت في سبات سريري لا يعلمون متى تستفيق منه، إذا كان هناك احتمال للإستفاقة ..
يعود سهيل الابن الضال إلى وطنه، يبحث عن البقية بشغف وندم يجلس عند حافة فيلا ابراهيم الغول، يستحضر ذاكرة من حنين وعبق …
يلقاه أخوه عروة وينتشله من صقيع الغربة والقسوة والندم ..
لقد أبدع الممثلون في أداء أدوارهم، وأثبتوا لنا أن “الفن ليس الحقيقة، إنه كذبة تجعلنا ندرك الحقيقة” كما قال بابلو بيكاسو
و”الفن شكل من أشكال العلاج” حسب أرسطو، فهل سنستطيع أن نعالج أنفسنا من الشجع والطمع والتعصّب، وهل سنستطيع أن نعالج الأوطان من سطوتنا وهيمتنتا، من الوحشية الرابضة داخل كل واحد منا؟
والسؤال الأخيرالذي يفرض نفسه هنا هو: متى سنتخطى عتبة الألم؟ أو بالأحرى هل يطرق التخطي سؤاله على أبواب عقولنا وقلوبنا، أم أننا نحن العرب ككل سنبقى مكانك راوح؟
الندم مسلسل سوري تأليف الكاتب: حسن سامي يوسف
إخراج: الليث حجو
م.ب