لو كان فـريـدرش نـيـتـشـه عـربـياً…
الدكـتـور عـبـد القـادر حسين ياسين
في الربع الأخير من القرن التاسع عشر ،
سخر الفيلسوف الألماني فريدريش نيتشه ،
من علاقة مواطنيه الألمان بالقراءة وبالكتابة. …
“قـرَّاء ألـمـان؟”،
هكذا هـتـف نيتشه بلغته الساخرة التي تميز فلسفته،
الباعثة على استفزاز ذهن من يقرأها.
كان هو نفسه من أطلق على فلسفته هذه “الـتـفـلـسـف بالـمـطـرقـة”،
أي طرق ما يركن إليه عـصره من أفكار واعتقادات،
وهي أصنام فارغة، على ما يرى،
وطرقها بالمطرقة يجعلها تحس فراغها وخواءها.
أراد نيتشه ، من خلال هذا الكلام ،
تقديم الصورة التي بدت له باعـثة على المفارقة والغرابة،
والتساؤل: كيف لألماني أن يـقـرأ كتباً؟
لم يسبق لي أن قرأت فيلسوفاً يسخر من أمته هذه السخرية المرَّة،
ولكنها سخرية مدروسة، تندرج في ذلك الطرق بالمطرقة على الرأس.
في عام 1904 كتب فرانزكافكا،
الكاتب التشيكي المثير للجدل،
إلى أحد أصدقائه قائلاً:
“على المرء ألا يقرأ إلا تلك الكتب التي توخزه.
إذا كان الكتاب الذي نقـرأه لا يوقظنا بخبطة على جمجمتنا،
فلماذا نقـرأه ؟”
ثم يضيف:
“يا إلهي،
كنا سنصبح سعـداء حتى لو لم تكن عـندنا كتب،
إننا نحتاج إلى الكتب التي تنزل علينا كالبلية التي تؤلمنا،
كموت من نحبه أكثر مما نحب أنفسنا،
الكتب التي تجعلنا نشعر كأننا قد طردنا إلى الغابات بعيداً من الناس،
على الكتاب أن يكون كالفأس التي تهشم البحر المتجمد في داخلنا،
هذا ما أظنه”.
أعـادت هـذه الفـقرة الى ذاكرتي عبارة نيتشه عن “الطرق بالمطرقة”.
الاثنان فعلا ذلك في مؤلفاتهما، نيتشه في الفـلسفة وكافكا في الأدب.
ولذا يبدو نيتشه منـسـجـمـاً مع نفسه وهو يثير سؤاله:
“مَن مِن بين القراء الألمان، يا ترى،
يملك حسن النية ما يفي بالإصغاء إلى كل ما في اللغة من فن وقصد”؟
أتساءل:
لو كان نيتشه عربياً، ماذا سيقول عن القـراء العرب؟
وأتساءل أيضاً :
أين الـفـلاسـفـة الـعـرب الذين يطرحون على العـقـل العربي،
أسئلة على شكل ضربات مطرقة،
أو على شكل فأس “تهشم البحر المتجمد” داخلنا…؟!