لم يخبرهُ أحدٌ
إن الحياةَ، وجدت لتحيي قصص الحب ليس إلا٠٠٠
وهكذا قبل أن تسدل الشيخوخةُ
سِتارَها على آخرِ ما تمتلكه من ذاكرةٍ
حولَ سرٍّ يلفهُ الفضولُ
أعيدُ أستذكارهُ كلما أستطابتْ له الروحُ
وكأنَّني ٠٠٠
أتجددُ في هيأةٍ واحدةٍ
أحملُ نفسي في أشباهي الأربعين
أرصفُ ملامحي إلى بعضها
والبدايات٠٠٠٠
محالٌ على المرءِ أن يدخَلها، ويخرجَ منها بنهاية
كأنها نقشُ شتاءٍ بسنارةِ الأمهاتِ
طوقتْ سابقاتُ القصص هالاتِها
كصبغة البُنِّ النيجيري حول مقلتيّ
لتحملَ شرودَ السؤالِ بفمٍ أبكم
وتصبحُ صورتي مثل لحاء كرمةٍ
محشوة جوانبي بأصوات كل الذين عرفتُ
وأحبّوني …
قضيتُ سنواتي المتعافيةَ أحاكي ذاتي
كمريضٍ نفسي أحاولُ رجمَ أبليس الذكريات دون جدوى
و المحنُ ترصُّ عظامي
ليفلتَ منها وخزُ الماضي
في صورةِ ذاك (الشيوعيّ) الذي عرفته أول أيام اكتمالي
مع تفتحِ براعمِ النارنج
أحاول أستردادهُ بسكونِ اليوغا
وأغنياتِ الغجرِ بصوتِ (هاريس الإگريتية)
والخطى التي أخذني بها إليهِ
لأمكنةٍ، لا يُسمع فيها إلا همسُنا
والفضولُ المحمومُ، والقشعريرة
الخفقةُ تحاولُ خرقَ تفاصيلِه السرياليةِ
وحنينٌ غريبٌ يجذبني إليهِ
لم يكن أكثر من عامٍ
أنتهى فيه كلُّ شيء
ولا أعرفُ كيف أنتهى
٠٠٠٠
لوحةٌ تشبه أنبياءَ العهد القديم
في ضفائرِ أحاديثِهِ فلسفةٌ تذوبُ في روحي
كالحديدِ المنصهرِ في صلابةِ وقْعها٠
لم يطمح بأكثر مما ….
يسند قناعتَه بحصان ٍ جامحٍ
لا يعرفُ كيفَ يمتطي صهوتهُ
لم يكن يعنيني من خيالاتِ بطولاتهِ الروائيةِ
سوى دخانِ سيجارتِهِ، وهو يحلق بي
إلى حيث أنتشي بعينيه، ومن ثم يختفي
لطالما احتفظتُ بـ(نوستالجيا) تلك الحقبة
ولا أريد أن أخسرها،
ولست ممن يهدرون حياتهم في وهم الشعارات
كنت أَجِده يسحبني إليه بحنين فاتر
كان نضاله لتجنيد أفكاري
أكثر شراسة من نضاله لانتمائه
كنت مأخوذة بصدق كذبه المسرحي
ما جعلني أشعرُ بأنني مختلفة
لمجرد أنني أعرفُ ماركس
وأحمل سراً خطيرا في زمن المحظور
صديقي الشيوعي جعلني كالطفل الذي يتهجى أولى الكلمات٠٠٠
مرة اعترف لي بأنني البطولة الوحيدة التي كسب رهانها
بعد كل هزائمِه !!!!
كوني أمتلكُ فرادة مختلفة عن كلِّ النساءِ
ووجهاَ طرياً أحيا يباسَ أطرافهِ
وفقأ عين واقعه البائس بي٠٠٠
صديقي الشيوعي الذي لطالما أفتخر
بغنى فقرهِ، وأنتمائهِ لفصيلٍ من الصعاليكِ
وروادِ الأرصفةِ، والأزقةِ المعدمةِ …
جعلني أستدينُ حواسَّ أخرى فوق حواسيَ الخمس
لأستوعب زمهريرَ ضياعهِ
وهو يقطعُ كلَّ يومٍ قطعةً من جسدهِ
يلوكها بمرارةِ الخوف٠
أصرارهُ على التفاخرِ بالعدميةِ جعلني أفرُّ منهُ
حتى أنتزعتُ منه عقلي٠٠٠
كم كانَ لنا من قصائد وأم لخواتيم كثيرة
لم أندم على ليالٍ صرفتها باحثة في كتبِ (كارل ماركس)
وبعد أن كبرت عاد بي الزمان ليجعلني أعاصر
وأعيش بين زمرةٍ من الشيوعيين (….)
المفارقة أنهم يحملون نفس السمات
هي التباهي بالعدمِ، والشَعر الأشعثِ
الذي أبيضَّ من دخانِ سجائرِهم الرخيصةِ
أكثرهم (فطاحل) بالشعر المغموسِ بفطرةِ الأرضِ٠
لكنهم معتلون بالـ ( أنا )
كأنهم الديكة التي يضعونها مع قطيعِ الدجاجِ
فهم الأوفر حظاً في فهمِ الكونِ والطبيعةِ
حقيقة أنني لن أتفق على خيانتهم للشيوعي الأخير
الذي لبسوا جلدته حتى هذه اللحظة رغم فشلهم٠
تلك الحقبة التي غدرت بالحياة، وخدعت الموت
باغتصاب عذرية المفاهيم الحق التي انتهت حيث بدأت
وتركت أسمالها لكلِّ دعي أشعث٠
اليوم وبعد كل هذه المراحل التي سحقتها السنوات
أشعر برغبةٍ عارمةٍ في تقليب صفحاتها على عجَلٍ
كمن يلقي التحية على شواهد القبور
التي هدرتُها في مصطلحاتٍ ضخمة،
نسيت معظمها لكنني لم أنسَ
أنني كنت أريد الانعتاق من كل شيء، لا أكثر.
أحبّ الشيوعيين أحبّهم كما أحببت مراهقتي تماماً.
كما أحببت الـ(نزق) الثوريّ الذي مسّني وقتذاك.
لقد ضاق قلبي ولَم أعد أسمع نبضه
أصبح كزهرة متجمدة أخرس ذبولها البرد
كان هذا أول عقد قران مدني بين الحرية والسجين
لا شاهد عليه سوانا …
وعلى كثرة الرسائل وتعدد الشخوص،
إلا أنَّ رسالته كانت لها لذة كلسعةِ الثلج
هكذا يأخذنا العُمر إلى محطّاتٍ مُغلقةٍ
وأسئلةٍ خائبةٍ
علام يبكينا الليلُ؟.
لهذا تركنا على المقاعد تذاكرنا
بلا ختم كي لا نُتهم بسرقة هذا العُمر.
الذي لم يكنْ يوماً صديقنا
نيسان سليم رأفت