لماذا نجلد أنفسنا؟
بقلم محمد عبد الكريم يوسف
يميل الإنسان إلى جلد نفسه في حالات عديدة حث يتحرك النقد الداخلي لديه طوال الوقت فيقض مضجعه ويسرق من عينيه النوم . وأحيانا لا يدرك الإنسان أنه يجلد نفسه ويدمر حياته العاطفية والعقلية والإنسانية . التفاخر الدائم نوع من جلد الذات والكبت الدائم نوع آخر من جلد الذات والشعور الدائم بالخطيئة تجاه أي تصرف نوع من جلد الذات .
إن قلة الثقة بالنفس وتدني احترام الذات والحافز المنخفض للعمل لا ينتج بالضرورة عن تقييد المعتقدات أو عدم الثقة في قدرات الفرد . إن ما يعيق قدرات الإنسان ويمنعه من تأكيد ذاته هو حالة الجلد المستديمة ، وهو ذلك الجزء من الشخصية الذي يقيم كل خطوة يخطوها الإنسان وكل حركة من حركاته وينتقدها بطريقة مختلفة أو يشعر بنشوة الفوز التي تجعله يشعر مرضيا أنه فوق الناس في كل مجال من مجالات الحياة .
وحتى نفهم المشكلة وطريقة عملها وتطورها علينا أن نفهم كيف يعمل هذا الجزء من الشخصية .
يؤكد العلم أن كل جلاد لذاته يختلف عن الآخر بطريقة مختلفة عن الآخر وبدوافع وغرائز منفصلة . وقد أكد مرارا عالم النفس غاي إيرلي أن هناك أسباب متعددة تدفع الإنسان لجلد نفسه في معظم مواقف الحياة . كما اكتشف أن الشخص الواحد يمكن أن يكون بداخله عددا من الجلادين كل يتخصص بمجال ما من مجالات الحياة السلوكية في حين يمزج آخرون بين أنواع مختلفة من النقاد.
وقد حدد غاي إيرلي الدوافع التي تجعل المرء يجلد نفسه بصمت وأمام الناس وتؤمن الأجواء المناسبة لنمو الناقد الدائم داخل الرأس . كما صنف قائمة بالدافع التي تجعل الإنسان يميل إلى جلد نفسه طوال الوقت منها :
الشعور بالكمال
يطلب هذا الجلاد أن تفعل الأشياء بشكل مثالي وخالٍ من العيوب. وله معايير عالية جدًا في الأداء ، وعندما لا تتمكن من الوفاء بها ، فإنه يهاجم بأقصى قوته ويخبرك إن أفعالك ليست جيدة بما يكفي ولا تحقق أدنى المعايير . غالبًا ما يمنع هذا الجلاد الإنسان من بدء مشروع جديد ، ويدعي بأنك لن تكون قادرًا على القيام بذلك بالطريقة الصحيحة.
يرفع دعاة الكمال عادة الشعارات التالية :
- “ابذل جهدا أكبر!”
- “لن تفعل ذلك بالشكل الصحيح أبدًا “.
- “أنت لا تخطط لترك الأمر هكذا ، أليس كذلك؟”
- “عملك لا قيمة له!”
هذه الأفكار تؤثر على الإنسان سلبيا وتمنعه من التقدم .
وحدة التحكم الداخلية:
وتتمثل مهمته في السيطرة على السلوكيات الاندفاعية ، مثل الإفراط في تناول الحلويات ، والتحول إلى احتساء الكحول ، وتعاطي المخدرات والمنشطات المختلفة (القهوة ، والسجائر ، وما إلى ذلك). عندما تخطئ وتقوم بأحد هذه الأشياء ، سيبدأ جهاز التحكم هذا في إلقاء اللوم عليك وبدأ في انتقادك ومعاتبتك وجلدك .
يرفع المراقب الداخلي شعارات مثل :
- “لقد فعلتها مرة أخرى … عار عليك.”
- “ليس لديك إرادة.”
- “لن تتحرر من هذا أبدًا.”
تعمل وحدة التحكم الداخلي على مراقبة السلوك ومحاسبة الإنسان على أي سلوك يقوم به .
مدير المهام الداخلي:
يفعل ما يلزم ليجعلك حتى تعمل بجد قدر الإمكان. وحتى يقوم بدفعك للأمام وتحفيزك ، يمكن أن يخبرك دوما أنك كسول أو غير كفء ، وأنه لا يمكنك تحقيق أي شيء. وغالبًا ما يتقاطع مدير المهام الداخلي مع جزء آخر من شخصيتك و هو المماطل الذي يؤجل العمل لوقت لاحق.
يرفع مدير المهام عادة الشعارات التالية :
- “أنت كسول عظيم “.
- “انزل إلى العمل و لا تتأخر.”
- “الراحة للضعيف”.
- “لن تحقق أي شيء في الحياة ما لم تبدأ العمل الجاد.”
المقوض
وهو تلك الخصلة في الشخصية التي تعمل على تقويض الثقة بالنفس وتهدئة الأفعال والحماية من الخطر والفشل . يقلل المقوض من الثقة بالنفس واحترام الذات الأمر الذي يشل القدرات ويجعل الإنسان يشعر بأنه غير ذي قيمة وأنه لن ينجح في عمل ما مهما حاول.
يرفع المقوض في العادة شعارات مثل :
- “أنت لا قيمة لك.”
- “لا تحاول …لأنك ستفشل على أي حال.”
- “من غير المجدي الاستمرار في هذا العمل.”
- “أقلع عن هذا العمل ، لماذا تضيع الوقت في هذا؟”
يحاول المقوض تقليل العزيمة لدى الإنسان وزرع الهزيمة واليأس داخله ومنعه من التقدم وإتمام المهام .
المدمر
إنه يشن هجمات مباشرة على احترام الإنسان لذاته من خلال جعله يعتقد أنه لا يجب أن تكون موجودًا. ومع مرور الوقت يجعل المر يخجل من نفسه .
يرفع المدمر شعارات غريبة مثل:
- “ما كان يجب أن تولد”
- “أنت فاشل كبير”
- “أنت عديم القيمة.”
والمدمر ليس إلا وحشا غريبا قويا هداما يحطم ثقة الإنسان بنفسه وبالآخرين .
الملوم
تتجسد وظيفة الملوم في إلقاء اللوم على إجراءات وقرارات محددة يتخذها ( أو التي لم يتخذها ) في الماضي. وغالبًا ما يتعلق هذا السلوك الذي كان ضارًا للآخرين وخاصة الأشخاص المهمين ، بغض النظر عما إذا كان الفعل قد تم عمداً أم لا.
عادة ما يقول الملوم :
- “كيف يمكن أن تفعل هذا؟”
- “سوف تندم على هذا لبقية حياتك.”
- “لن يُغفر لك أبدا”.
- “لن تسامح نفسك أبدا“.
والملوم شخص لا يمكن إرضاؤه بسهولة لكنه يرشق بسهام لومه من يراه أمامه أو من يعمل معه بغض النظر إن كان مسؤولا عن العمل أم لا .
البالي
يحاول البالي أن يجعل الأفراد حوله مندمجين في إطار اجتماعي معين بحث لا يخرجون عن التقاليد والأعراف الاجتماعية بل يحافظون على كينونتهم سالمة معافاة ويحاول أن يدمج من حوله بقوانين الأسرة ومبادئ ثقافتها ويمدحك هذا الجلاد عندما تتصرف وفق قوانينه ورؤيته ويهاجمك عندما لا تفعل ذلك .
يرفع البالي الشعارات التالية :
- “لا تجعل من نفسك أحمقا.”
- “أبق رأسك منخفضة!”
- “افعل ما يقال لك.”
- “كيف سينظر لك الآخرون؟”
الشخصية البالية مدرسة في تخريج الملتزمين بالأعراف والتقاليد ولا يتورعون مهاجمة كل شخص يخرج عن ناموسهم في الحياة والسياسة والاقتصاد وقد مثّل رجال الدين والكهنة هذا النموذج خير تمثيل عبر التاريخ .
ومن المهم جدًا أن نفهم أن الجلاد الداخلي جزء من نفسيتنا وحياتنا وسلوكنا وعلينا أن نميز بينه وبين صوت الضمير ؟
علينا أن نتعلم أن التعامل مع كل شخصية من هذه الشخصيات أمر حيوي وضروري ويختلف باختلاف طبيعة الجلاد الداخلي ومظهره . يظهر لنا وكأنه خادم حقيقي ولكن يجب التخلص منه متى سنحت الفرصة . الجلاد الداخلي يوجد في حياتنا بطرقة أو بأخرى ويتولد ويزدهر نتيجة الظروف التي نعيشها في البيت والشارع والمدرسة والوظيفة العامة . فالبيت الذي يعاني من الخلافات الأسرية الشديدة يولد داخل أطفالهم نوعا خاصا من الجلادين الداخليين والذي يعاني من القمع في المدرسة يولد في داخله نوع آخر مختلف من الجلادين الداخليين والطريف والمؤلم في ذات الوقت أن الجلاد الداخلي هدفه نفعنا وخيرنا العام في حين نتيجة عمله قد تكون مدمرة للغاية .
هناك نوع من الجلادين الداخليين يدعي أن يعتني بسلامتنا ، وآخر يدعي أنه يحمينا من الرفض ، أو التقييم السلبي للأشخاص . في الحقيقة ، تختلف دوافع أفعال الجلاد الداخلي وتعتمد على نوعه وتصنيفه ومواصفاته ، وهذا يعني أن الإنسان سيعمل بشكل مختلف على تحويله إلى جزء بناء وداعم للشخصية متى اكتشف وجوده .
وعندما نبدأ في فهم كيفية عمل جلادنا الداخلي على مستوى أعمق ، ندرك بسرعة أن أفضل طريقة للتخلص منه لا تتمثل في المواجهة العدائية ، بل بالمحادثة وإقامة العلاقة الطيبة معه والتوافق معه . ثم يصير الجلاد مساندًا لنا بدل أن يكون مدمرا ، ثم نستعيد الثقة بالنفس ونستعيد طاقة الحياة وتجددها .
كيف نتعامل مع الجلاد الداخلي؟
هناك تجربة يمر بها الرسامون في العادة فهم يحبون الرسم ويحترفونه ولكنهم لا يمتلكون إلا تقنية الفرشاة واللون والذوق الفني ويعشقون الطريقة التي تنغمس فيها الفرشاة باللون وتتحرك جيئة وذهابا على طوق الورق أو القماش وعرضه . يعتقد بعضهم أن الرسم يمنحهم الحرية والمتعة والتسلية واللعب ، ويعلمهم الرسم كيف يتحكمون بأنفسهم وكيف يطورون مهاراتهم في الحياة ويعرفون فضاءاتهم وحدودهم وما يؤمنون به. ورغم كل تلك المتعة فإنهم يسمعون الجلاد الداخلي يقول دائما : “هذه الزهرة ليست جميلة بما يكفي ويجب أن يكون لونها أرجواني وليس أحمر .” أو “اجعل هذا الوجه أكثر نقاء واهتم بالتفاصيل الصغيرة حتى يتعرف الآخرون عليك كفنان جيد موهوب.” أو ” لا يمكن الرسم لمجرد المتعة ، وعليك أن تفعل أشياء أكثر فائدة وإنتاجية .” أو ” سيكتشف الناس عما قريب كم أنت غريب الأطوار.”
يحب الجلاد الداخلي أن يخبرنا عن مقدار سوئنا ويسخر منا ويضايقنا ويدفعنا ذات اليمين وذات الشمال . هذا الجلاد الداخلي لئيم جدا ومتحيز ضدنا وغير حساس ومصمم على إرجاعنا نحو الوراء .
عندما ندخل في مشروع ، سواء في البداية أو الوسط أو النهاية ، يحب هذا الجلاد المشاركة في العمل والحديث إلى كل واحد منا بالطريقة نفسها ، وتتخذ أحكامه مئات الأشكال وبآلاف الوسائل والطرق .
يمارس هذا الجلاد دور اللصوصية فيسرق منا الخير الفطري والقيمة والموهبة والقيم ويزرع فيا القدرة التي تجعلنا نؤمن بالأوهام ويحدث الخراب في أرواحنا ويسبب الفوضى في أذهاننا. إنه يحب كسر غرورنا ويخبرنا أننا لسنا كفء للعمل ولا نجيد الأداء ، و يحب أن يخبرنا أننا لسنا محبوبين ولا يهتم لنا أحد . ثم يضرب غرورنا وينفخنا ويخبرنا كم نحن جيدون ويشرح لنا مدى تميزنا:
“انظر كم هي جميلة تلك الزهرة الأرجوانية “.
“انظر كم أنت موهوب جدا. ”
“عندما يرى الناس هذا ، سيجدونك مميز جدًا “.
يحب أن يكسرنا ويضربنا. يحب أن يغرينا ويغرينا . يحب أن يجعلنا نشك في أنفسنا .
فكيف نسكت هذا الجلاد الداخلي ونضع له حدا ليبقى في مكانه؟
الخطوة الأولى والأكثر أهمية هي تحديد الجلاد الداخلي. لقد اعتدنا كثيرًا في أذهاننا على شبكته المنسوجة ، حتى أننا لا نعي ذواتنا عندما يتحدث.
إذا كنت تعمل على شيء ما ، وفجأة بدأت في استجواب نفسك ، وإذا شعرت أن طاقتك تتناقص ، أو شعرت بالتعثر أو الملل أو التعب ، عليك أن تعلم أن الجلاد الداخلي يتحدث إليك.
اسمعه جدا ، لكن لا تأخذ كلماته على محمل الجد . شاهده حتى لا يتسكع في زاوية بعيدة عنك يراقب حركاتك ويتلاعب بك وهو ف برجه العاجي.
حدده ، جده لكن لا تقاومه لأن ما نقاومه سيستمر!
وبمجرد رؤيته وتحديده ، إليك خمسة أساليب فورية وسهلة للرد على الجلاد الداخلي. إنها بسيطة لدرجة أنها قد تبدو غير واقعية ، لكنها تعمل . احفظها جيدا وأبقها قريبة منك تماما مثل تعاليم المانترا.
عندما يبرز الجلاد الداخلي للواجهة ، فكر بالأمور التالية :
وماذا في ذلك؟
إذن ماذا لو كنت تعتقد ذلك؟ هذا لا يعني أنه صحيح.
من يهتم؟
هل تعتقد أن أحكامك تعني لي شيئًا؟ ليس لها قيمة !
صفقة كبيرة!
أوه هل هذا واقع ، صفقة كبيرة! حقا، صفقة كبيرة !
لماذا لا؟
لماذا لا أفعل هذا؟ أنت تقول لي لا أستطيع؟ لن أفعل؟ أنا لا أستحق ذلك؟ لما لا؟ أنا سأواصل القيام بذلك على أي حال، لأنني يمكن ! بغض النظر عما تقوله ، أن أستمر في الغوص عميقا في هذا العمل.
ماذا لو كان لا يهم إذا كنت ________ أم لا؟
اكتب حكم الجلاد الداخلي هنا. على سبيل المثال ، ماذا لو كان الأمر لا يهم إذا كان جيدًا بما يكفي أم لا؟ كأن يكون الأمر غريبًا وقد يجدني الناس غريباً؟
ماذا لو كان لا يهم إذا ظهرت موهبتي وعرفني الآخرون أم لا؟
و “ماذا لو لم يكن الأمر مهمًا إن كان جميلًا أم لا ، لأنني سأستمر في منح نفسي الإذن لمواصلة الرسم على أي حال بغض النظر عما يقوله الآخرون !”
ستلاحظ كيف تمكّنك هذه الأسئلة من الاستمرار ، وأيًا كان ما تفعله ، استمر في القيام به على أي حال . استمر في تحقق حلمك ومشروعك ونشاطك الإبداعي .
استمر في المضي قدمًا في بناء قيمة واحدة متكاملة في كل مرة.
ونادرا ما يذهب الجلاد الداخلي بعيدا.
ما دام لدينا عقول نفكر بها وما دام هناك خيارات كثرة بين الخير والشر ومادام هناك شرخ كبير بن رغباتنا وعاداتنا وتقاليدنا ، سوف يستمر الجلاد الداخلي في البحث عن طرق لتعذيبنا. لكن يمكننا التعرف عليه ونقول: ” احكم بما ترى !”
وعندما نحدد الجلاد الداخلي على هذا النحو ، فإننا نأخذ قوته ونستعيد قوتنا.