محمد محسن أبو النور
الحكاية من البداية
سوف أبدأ هذه المرة من حيث انتهى الآخرون فيما يتعلق بالحديث عن مسألة كون عمرو موسى رئيسا محتملا للبلاد في تلك الفترة شديدة الحساسية
بعد الثورة المجيدة التي حققت أكبر نصر سياسي وحضاري في تاريخ الأمم قاطبة.
ليس المهم في تصوري ونحن نتحدث عن رئيس مصر في تلك المرحلة أن نتحدث عن الكاريزما أو ما شابه من الصفات الشخصية لكن المهم – على ما أذهب – هو الحديث عن الصفات السياسية والديمقراطية وهو ما أرى لأنه لا يتوافر عند المرشح عمرو موسى ، حيث أعتقد أن مصر في حاجة لكاريزما الأفكار والمشروعات وليست في حاجة بالمرة لكاريزما الكاميرات والجماهير، ولذلك سوف أشرع فورا في الحديث عن عدم صلاحية موسى للرئاسة في نقاط محددة.
أولا : موسى مولود في شهر أكتوبر من عام 1936 أي أنه يبلغ عند فتح باب الترشح للرئاسة زهاء 75 عاما وهو ما ينافي المبدأ الرئيسي الذي طالب به الثوار الأحرار في ميدان التحرير حيث كانوا ينفرون من مبارك بحكم كبر سنه وقد قالوا ذلك صراحة ودون مواربة أن الرجل الي يحكمهم لا ينبغي أن يكون الفارق الزمني بينه وبينهم ما يزيد على خمسين عاما. ومن المعروف أن الذين أشعلوا جذوة الثورة يبلغ متوسط عمرهم الزمني 25 سنة وهو ما يعد قفزا على أكتاف الثوار دون حياء في وضح النهار.
ثانيا : أن المرشح سالف الذكر عمل في نظام مبارك ، المخلوع ، 30 عاما كسفير 10 سنوات ووزير خارجية 10 سنوات ثم مرشح مصري بجدارة للأمانة الجامعة العربية 10 سنوات إضافية بتأييد من مبارك نفسه وهو الرجل الذي تكبد عناء جولات مكوكية في العديد من العواصم الخليجية لكسب تأييد عربي لمرشحه وصديقه الشخصي عمرو موسى وقد عرفت بحكم عملي بالقرب من موسى أن مبارك كان يستدعيه للعب الطاولة في منتجعه الشخصي بالساحل الشمالي ما يدلل على أن موسى كان رجل مبارك وأحد أهم مستشاريه. والغريب والطريف في ذات الوقت أن موسى والذي – ياللعجب – ينتقد سياسات قديمة لمبارك لم يحرك ساكنا طوال عهده – الذي دام ما يقارب 30 عاما – ولم يقف ولو لمرة واحدة في صف الجماهير بل كان وكما أراد دائما أن يمسك بالعصى من المنتصف وهي سياسة أعتبره المختصون رائدا فيها.
ثالثا : أنه يعمل بسياسة قديمة للغاية لا تتناسب مع روح العصر وشبابية وحيوية المشهد السياسي والذي رآه الكثيرون أنه شديد الخصوصية في العصر الحديث ورغم ذلك ظل يعتمد على أسايب قديمة استهلكت منذ سنوات عديدة في ناحية أنه يعمل على حشد الأصوات المعارضة للمنافسين الآخرين ويجمعها باعتبارها مفتتات جديرة بالاستفادة. أضف إلى ذلك أنه إتهم الشبان – الأحرار الذي واجهوه بالحقيقة في ساقية الصاوي – بأنهم مأجورين وليسوا من الذين قاموا بالثورة أي أن المعادلة في إدراك موسى هي إما أن تكون مؤيدا له أو دخيلا على الثورة وهو ذات الأسلوب الفاشل الذي اتبعته الآلة الإعلامية لمبارك في واحدة من الحماقات الكبرى التي أججت مشاعر السخط عند غالبية المصريين الشرفاء.
رابعا : أن تاريخه الإداري واضح للعامة قبل الخاصة وقد حدثني أحد الأصدقاء المقربين من الدوائر القضائية أن ما يزيد عن 200 دعوى قضائية في مجلس الدولة قد تقدم بها عشرات الدبلوماسيين والعاملين بوزارة الخارجية ضده نظرا لمخالفات إدارية ووسياسية إقصائية.
خامسا : الملفات الحساسة التي منيت بالخسائر والهزيمة السياسية والدبلوماسية إزاء إدارته للخارجية المصرية 1991-2001 والجامعة العربية 2001 حتى لحظات كتابة هذه المقالة ، وحدثني ولا حرج عن تجاهل ملفات الدول الإفريقية وأزمة الصومال والسودان ولبنان وحزب الله والمسألة الفلسطينية والعلاقات العربية العربية والأزمة الليبية الدائرة والعراق حيث شهد الإقليم في إدارته أسوأ مراحله على الإطلاق ما بين حروب أهلية وتقسم وتشتت وتباعد وتنافر للدول العربية الأعضاء في جامعته العربية.
أستطيع أن أفند عشرات وعشرات الأسباب التي تدعوني إلى القول الفصل – وقلبي مفعم بالإيمان بما أقول – أن موسى دونا عن غيره من السادة المطروحة أسماؤهم للرئاسة لا يصلح رئيسا لمصر غير أن المجال لا يتسع لحصر الأسباب التي تدعوا إلى ما ذكرت دون خجل منه ، أو من المنتفعين بترشحه ، أو من المرتزقة الذين يبتهلون إلى الله أن يصعد بموسى إلى قصر العروبة حتى يعيدوا السير الذاتية حرفيا لكهنة الحزب الوطني ولكن تحت رداء ناصري عروبي مزيف.
والله – تعالى – لا يستحي من الحق .. عاشت مصر.
محمد محسن أبو النور
كاتب وأكاديمي مصري