جوتيار تمر / كوردستان
يثير مفهوم كل من الوطنية والقومية جدلاً واسعاً بين الاوساط الثقافية العامة، وعلى الرغم من الصعوبات التي تعتري طريق اي باحث للوصول الى مفهوم حتمي ومطلق لكل من الوطنية والقومية، الا ان السياقات العامة لشرح وتفسير وتوضيح معالم المفهومين تساهم ولو بشكل نسبي الى فرض ايديولوجية مقننة ومقنعة الى حد ما عنهما، مع الاعتراف بعدم التعميم والفرض القسري لذلك، لان حالة الاختلاف في الاراء وحتى الدراسات الاكاديمية لم تستطع ان تفرض ذلك اجمالاً.
تُقر الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية والاستراتيجية اثناء تعريفها لمفهوم القومية على تنوع واختلاف الاراء والدراسات والبحوث حول مفهوم القومية، الذي يعتبر من المفاهيم التي برزت الى الوجود مع عصر النهضة، بعد ان اضحت الدول القومية هي الوحدات السياسية الفاعلة مع المحيط الدولي، وعلاقاته المتصارعة، اذا لم تفلح جهود الباحثين التي بذلت خلال قرن كامل في دراسة القومية والتي هي حسب راي بويد شيفرد” نوع من الولاء للجماعة، يحرك الانسان ويحفزه الى ابعد حد ممكن”، في الوصول الى تعريف دقيق مقبول لها، فضلاً عن ذلك فقد ظهرت حول القومية العديد من النظريات التي اوضحت اراء مختلفة حول سبب الخلاف بشأنها وبذلك لا يوجد اتفاق قطعي مطلق ايضاً بشأن اسباب الاختلاف حول مفهوم القومية.
اما ما قد يتفق عليه بصورة عامة ، هو ما يمكن ان يكون حول شكل القومية النسقي تاريخياً باعتبارها تقدم اولوية لادعاءات الولاء الفردي والسيادة الكاملة كهدف دائم لبرنامجها السياسي، وعن ذلك يذهب ميستشافيك نيناد في نص له حول نظرية القومية وتعريفها وانواعها وعن الجدل الاخلاقي حولها، الى انه يستعمل لفظ القومية عموما لوصف ظاهرتين، الاولى: موقف اعضاء أمة ما حين يهتمون بهويتهم القومية، والثانية: الحراك الذي يتخذه اعضاء امة ما في السعي لتقرير المصير او الحفاظ عليها، تتجه الظاهرة الاولى الى مفهوم الهوية الوطنية والتي يقول عنها ميستشافيك بانها تعرف غالبا باعتبار الاصل المشترك او الاثنية او الروابط الثقافية، وخصوصا عما اذا يجب اعتبار عضوية الفرد في وطن ما ارادياً ام غير ارادي، اما الظاهرة الثانية فتثير اسئلة عما اذا يجب فهم تقرير المصير على انه يتضمن امتلاك دولة معترف بها مع سلطة كاملة على القضايا الداخلية والخارجية، ام ان المراد شيء اقل من هذا الاعتبار.
تلك الاشارات تحيلنا الى اهمية البحث عن تعاريف اخرى للقومية، لادراك مدى التفاوت والتعارض بين الرؤية المقدمة حولها من قبل الاكاديميين والمختصين، فالقومية عند البعض هي فكرة سياسية، وجهة نظر فلسفية ترى انه توجد لكل شعب قومية هوية مشتركة، ويوجد لها حق في ان تكون لها دولة خاصة بها، وبذلك فانها – القومية – مجموعة ذات خصائص متجانسة ومميزة، تتطلع الى تجسيد حقها في تقرير المصير ضمن دولة سيادية وفي رقعة ارض محددة، وذلك بخلاف بعض المجموعات الاثينة التي لاتتطلع الى اقامة دولة خاصة بها.
وهنا يتم اثارة العديد من التساؤلات التي يمكن استنباطئها من التعريف السابق لاسيما فيما يتعلق بالتقسيم الحاصل حول الجماعات الاثنية، الاولى الساعية لتحقيق حق المصير، والثانية التي لاتتطلع لتحقيق ذلك، حيث تفرض علينا البحث عن الرؤية الاجمالية التي تعطي الحق للبعض في المطالبة بحق تقرير المصير والبعض الاخر عدم الحق، وهذا ما يتوقف في الاصل على المجموعات الاثنية التي توجد لها اسس انتمائية فقط فان للقومية اسس انتمائية ومكتسبة ايضاً، يمكن للهوية المشتركة لابناء القومية الارتكاز الى اساسين: اثنية ثقافية وسياسية مدنية اي اسس اثنية واسس سياسية، وبذلك تشير احدى الدراسات ان القومية ترتكز على اساسين: الاول هو الاعتراف والرغبة في العيش المشترك لابناء القومية ” الاعتراف والوعي ” ، والثاني الرغبة في اقامة دولة ذات سيادة لابناء القومية، والاساسين في حالة الشرق تكاد تكون معدومة تماماً، لانه لايوجد في الاصل اية ادعاءات نابعة من القيم الاخلاقية البعيدة عن التسلط والقسرية حول امكانية العيش المشترك عبر الاعتراف بالاخر ووعي وجوده بعيداً عن الاستغلال والتهكم والسخرية والتنقيص من اهمية وجوده باعتباره كيان اثني تاريخي متزامن مع وجوده او في الاصل سابق لوجوده في منطقة استيطانه الاصلي غير المكتسب مثل المتسلط، وهذا ما يحيلنا بالتالي الى مفهوم اخر وهو ما يتعلق بالوطن الذي يتعلق بقضية القومية في شكلها العام وذلك عبر تحديد معالم الفضاء بين المجال الاثني – الثقافي ويشمل الجماعات الاثنية الثقافية او الامم، وبين مجال التنظيم السياسي،حيث تعتمد الاسس الاثنية- الثقافية على مقومات الاصل، اللغة، الثقافة والتاريخ واحيانا على الدين المشترك ايضاً، حيث ان هذه المقومات هي ما تميز قومية عن مجموعة اخرى.
وبالتالي فان ادراك معالم القومية ضمن الاطر المتاحة لاتتم عبر اثارة المفاهيم الوطنية واقعياً، انما عبر اشكاليات اخرى من وعي وتقبل حق الاخر في اقرار مصيره طبعاً وفق منطق الرغبة في تحقيق ذلك، وهذا ما يمنحنا فسحة للبحث عن مجموعة اطروحات نافذة تخدم الرؤية والمفهوم والتي تؤكد عليها الدراسات الاكاديمية حول القومية ومفاهيمها ، ومن تلك الاطروحات ماتذهب الى الطرح من منطلق القيمة الداخلية، اي اللغة والعادات والتقاليد والى غير ذلك، ومن ثم الطرح من منطلق الازدهار، وهذا يتوقف على المجتمع الاثنوغرافي ومدى قابليته للتطور والازدهار، ومن ثم الطرح من منطلق الهوية والفهم الاخلاقي لاسيما فيما يتعلق بقيم المساواة والعدالة وكذلك من منطلق التنوع اي الاندراج ضمن المساهمة الفعلية للثقافة العالمية، والى غير ذلك من الاطروحات التي تساهم بشكل واخر لفرض رؤية واضحة حول الاشكاليات التي تمنح كل من القومية والوطنية مسارات متباينة وفق تداعيات واضحة المعالم لاسيما فيما يتعلق بالمرتكز القائم على الاثنو-ثقافي، وليس القومي-السياسي.
لانه اذا ما ارتكزت هوية دولة ما بصورة رئيسية على اسس اثنية مشتركة مثل التاريخ والثقافة واللغة والاصل او حتى الدين احيانا فاننا نطلق عليه اسم دولة قومية اثنية ثقافية، في حين اذا ما ارتكزت على اسس سياسية مشتركة، مثل القيم، المبادئ والولاء للدولة القومية السياسية، فاننا نطلق عليها اسم دولة قومية سياسية.
وعلى هذا الاساس فان معرفة انواع القوميات التي يتفق عليها مجموعة من الاكاديميين والباحثين بشأن قضايا القومية والقوميات الاثنية، لربما تساهم في فتح اعين بعض الدول ذات السيادة القمعية للاثنيات المطالبة بحق تقرير المصير، ومن تلك الانواع ،القومية الكلاسيكية : وهي البرنامج السياسي الذي يرى بان الخلق والحفاظ على دولة ذات سيادة كاملة ملك لجماعة اثنية – شعب أو امة – كواجب أولي لكل اعضاء الجماعة، كما ان الالتزام بالثقافة الاثنو قومية المتعارف عليها في كل القضايا الثقافية هي من الواجبات الضرورية,والنوع الاخر القومية الكونية: وهي البرنامج السياسي الذي يدعي بأن على كل جماعة اثنية قومية ان تمتلك دولة شرعية وعليها تعزيز مصالح تلك الدولة، اما النوع الثالث القومية التخصيصية: هو البرنامج السياسي الذي يدعي بأن يجب على امة اثنية قومية ما ان تحصل على دولة خاصة بها، دون ان يشمل الادعاء نفس كل الامم الاثنية.
وعند النظر الى السياقات العامة لطرح انواع القوميات فاننا بصدد رؤية واضحة حول ما يحدث مثلاً للكورد ضمن الدول التي تسيطر اولاً على الموطن الاصلي “للقوم”، ومن ثم حول السياسة التي تمارسها هذه الدول تجاه رغبة الكورد كأنموذج عام للقوميات والاثنيات في الشرق الاوسط في تحقيق حق تقرير المصير، لاننا اعلامياً نجد بأن غالبية هذه الدول تؤمن بهذه المفاهيم وهذا التقسيم حول انواع القوميات وقد تفرض دراستها في مناهجها الاكاديمية، ولكنها في الحقيقة تمارس بحق الاثنيات – القوميات الاخرى التخصيص، حيث تعطي لنفسها حق الحذف او الازالة، وذلك بعدم السماح لها بالمطالبة بحق تقرير المصير، كما حدث مع الكورد في العراق بعد مطالبة الكورد بحق الاستقلال عبر اجراء استفتاء استقلال كوردستان في 25-9-2017، وبالطبع هذا الرفض نابع من اولويات مقننة سابقة تاريخياً حيث تعطي السلطات الحاكمة ” الدكتاتورية ” الحق لنفسها باستبعاد جماعة اثنية عن حق المطالبة بانشاء كيان مستقل، واعطاء جماعة اثنية اخرى الحق في انشاء كيان مستقل، كما حدث بعد مؤتمر سيفر ولوزان المعروفين للعالم، كسابقة تاريخية حيث اعطي للحجاز العربي وللارمن الحق واستبعد الكورد من المعادلة ” الحق ” في اقامة كيان مستقل والحقت الكورد بمنظومة القوميات الجائرة.
وفي السياق التاريخي الذي تتبناه السلطوية القومية العرقية القبلية الشرقية، فانها تستند في جملة اعمالها على تلميحات ومواقف وحوداث مكتسبة عبر تخالطها مع اوروبا، حيث قامت بانشاء رؤيتها على البقايا التي افرزتها التجارب الاوربية سابقاً فيما يخص اقامة دول قومية لقومية واحدة على ارض دولة قومية، فالشرقيون استفادوا من الممارسات الاوربية باعتبارهم اسياد الديمقراطية وقاموا باسقاط تلك الاحكام على الجماعات الاثنية التي تعيش وفق المنطق التاريخي في اماكنها الاصلية، ولكنها وفق منطق الدولة القومية السياسية خاضعة لسيطرة قوميات اخرى احتلت او استوطنت ارضها لاحقاً، وهذه القوميات الغالبة تقوم بفرض سلطتها وفق ما يتطلب حماية مصالحها ” القومية ” دون اية اعتبارات فعلية وليست قولية للاثنيات الاخرى صاحبة الحق ، ومن المصادر التي تستقي منها التشريعات الشرقية من الغربية ما يحدث للباسك والكتالون في اسبانيا حيث الاخيرة غير مستعدة لتتنازل عن ارض لها ليقوم الباسك باقامة دولة اثنية على تلك الارض، وكل من تركيا وايران وسوريا والعراق ايضاً لايتنازلون عن ارض الحقت بدولهم بعد تقسيمات مصلحوية اجريت دون اشراك اصحاب الحق ” الكورد ” فيها بعد الحرب العالمية الاولى بالذات وضمن اتفاقيات مسبقة، لايتنازلون للكورد باقامة دولة اثنية على تلك الاراضي.
اجمالاً لايمكن في الغالب والدائم احالة اسباب فشل تلك القوميات لتأسيس كيان مستقل الى ذلك السبب لوحده، الا انه لايمكن التغاضي عن كونه الاهم والابرز، لان هناك جملة اسباب اخرى تشير اليها الدراسات الاكاديمية، ساهمت في فشل تلك القوميات في اقامة دولة لهم، مثل الهجرة المتزايدة التي ادت الى دمج الشعوب، ومن ثم اهمية ادراك ماهية الفصل بين القومية والمواطنة، نظراً لان مواطني الدولة هم ابناء قوميات مختلفة او ابناء مجموعات اثنية مختلفة، حتى ان كانت هناك قومية مهيمنة واحدة.
وعلى ضوء ذلك تثير احدى الدراسات سؤالاً مهماً وهو، هل تتطلب السيادة السياسية داخل قُطر أو عليه اقامة دولة او شيئا اقل بأسا من الدولة، وتضيف بان الجواب التقليدي هو ان الدولة مطلوبة، اما الجواب الاكثر تحرراً فهو بأن شكلاً من اشكال الاستقلال السياسي يكفي، ولكن بالطبع يكون كافياً اذا ما كانت الدولة واعية للقيمة الفعلية للعنصر الاثني الاخرـ لاسيما في العدالة والمساواة والشراكة الفعلية الديمقراطية في الوطن، وكما يقول ” معقل زهور عدي ” يقدم المفهوم الديمقراطي حلا للعلاقة بين الوطنية القطرية والقومية، فالانتقال من الوطني نحو القومي على الصعيد السياسي لا يمكن ان يكون قسريا بل لا بد ان ينبع من ارادة شعبية ديمقراطية، والمؤسسات الديمقراطية التي تتيح ذلك الانتقال هي وحدها القادرة على حمايته وتصويبه،
وفي مقال منشور في مجلة ثوت كو الثقافية ترجمها أنس ابو عريش بعنوان لماذا يكون الانتماء للوطن اكثر اهمية وجدوى من الانتماء القومي قدم تعريفاً مقنعاً الى حد ما للوطنية : فعرفها على انها الشعور بحب الوطن، واعتبر اظهار الوطنية امراُ ضرورياً للمواطن الصالح من وجهة النظر النمطية وقد يعتبر الشعور المشترك بين المواطنين بالارتباط والوحدة هو عنصر اضافي، وهذا الارتباط يحدث عبر العِرق المشترك، او الثقافة المشتركة، او المعتقدات الدينية او التاريخ، وهذه التشخصيات الواضحة غائبة تماماً عن التشكيلات الاثنية والقومية في الشرق الاوسط بالذات، بل تكاد تكون معدومة اذا ما نظرنا اليها بعيداً عت الصيغة الشعاراتية للافكار التي تطرحها الجهات ذات السيادة السياسية المطلقة والتي تخشى انفلات الاثنيات الاخرى من تحت سلطتها، وفي السياق ذاته قدم رؤية واضحة حول الفرق بين الوطنية والقومية، واعتبر ان كل منهما يستند على قيم ومشاعر مختلفة، حيث الوطنية تستند الى قيم ايجابية حول حب الوطن مثل الحرية والعدالة والمساواة ويشعر الشخص الوطني بنظام التعاون المشترك بين المواطن والحكومة من اجل حياة افضل في دولتهم، ولااعتقد بان مثل هذا المفهوم يمكن ان يسود في اية دولة شرق اوسطية بالذات لاستنادها على القيم التي تذهب الى اثارة وادارك المخاطر التي تنجم عن استغلال مفهوم الوطنية، حين تصبح عقيدة سياسية الزامية، وعندما تستخدم من اجل اثارة مجموعات سكانية ضد مجموعات اخرى بما يقود الى تقويض القيم الاساسية للدولة، كما يحدث في السودان والجزائر والعراق وسوريا وتركيا وايران ، على النقيض من القومية التي تستند الى الشعور بالتفوق العرقي على الاخرين – النظرة القبلية والعصبية القومية للاتراك والاعراب والفرس – ، كما تستند على عدم الثقة بالامم الاخرى، وعدم الموافقة على الانضمام لها، بما يقود الى الافتراض بان الدول الاخرى او الاثنيات الثقافية الاخرى هي منافس لها، وهذا الى حد ما وصف دقيق للحالة العامة للاثنيات التي تعيش في الشرق الاوسط بصورة عامةـ حيث انها تعيش ضمن دائرة المخاطر الوطنية، والقومية، وليس ضمن دائرة المواطنة العادلة والمتساوية بالحقوق والواجبات، وذلك ما يفرض علينا الايمان بالتناقض والتعارض والاختلاف بين مفهومي الوطنية والقومية.
يشير كمال غبريال في مقال له بعنوان بين الوطنية والقومية الى الاختلاف الواضح بين المصطلحين الوطنية والقومية ويشير الى كيفية استغلال العروبيون -كانموذج لمقالنا هذا – لهذا المصطلح كما لو كان حد الوطنية مستغرقا في حد القومية بلغة المنطق، بمعنى اخر ان القومية العربية بنظرهم تشمل اوطاناً عدة، بما يؤدي بالتبعية الى انتفاء التعارض او التضاد بين المفهومين باعتبار ان الوطنية جزءاً من كل هو القومية، ولكن المتتبع للواقع العياني ضمن الاطار العام في العالم العربي سيدرك بان سعيهم لفرض الايديولوجية الوطنية هي ليس الا غطاء لفرض الهيمنة السياسية القومية على الاثنيات الاخرى داخل دولهم والتي وبحسب المفاهيم الدولية يحق لها المطالبة بحق تقرير المصير واقامة دول اثنية لها لما تملكه من مقومات اثنو-ثقافية من جهة، ومن رغبة في اقامة دولة مستقلة، كالامازيغ في الجزائر، والفور في السودان، والكورد في العراق وما حولها، وعلى الرغم من ان المفهومين يشتركان في كليهما عبارة عن شعور واعي لدى الفرد بالانتماء الى كيان اكبر من الذات، الا ان ذلك لاينفي الاختلاف الكبير بينهما، فالوطنية بحسب غبريال ، شعور متوهم ” واعي ” لدى الفرد بالانتماء الى امتداد جغرافي بكل ما يضمنه من معالم جغرافية وبشر، تربط بينهم منظومة من العلاقات على اساس الملكية المشتركة لهذا الكل المسمى وطن، وذلك عبر مفهوم المساواة في الحقوق والواجبات، ليس من قبيل المثل الاخلاقية العليا او التقوى، انما بتطبيق قاعدة المساواة واعتبار ان اي خلل في تطبيق تلك القاعدة هو خلل في ابناء الوطن. في حين ان القومية تعني انتساب الفرد الى كيان اكبر هو ” القوم ” اي الى مجموعة من البشر يربط بينهم رباط محدد، كالعِرق او الدين او امتلاك الموطن بالوراثة، او ما يمكن ان نقول عنه استيطان، وهي ليست علاقة مواطنة. في السياق ذاته يؤكد على الفرق بين مفهومي الوطن والمواطن، ففي حين يكون انتماء الفرد للحيز الجغرافي في حالة وطن، فان علاقة الفرد بالموطن تكون علاقة غير مباشرة، بل قابلة للتغير مادام سيظل برفقة القوم ومثال ذلك، ضمن الاطار التاريخي العالمي المهاجرين الى امريكا الذين تحولوا من بريطانيين كانموذج الى امريكيين وساهموا في حروب الاستقلال، وفي الاطار الشرقي الانتماءات المذهبية اقصد الولاء المذهبي، فعلاقة هولاء مرافقة لمصدر المذهب وليس للدولة.
وبذلك تكون القومية قائمة على مفهوم مغاير للوطن، ويستبدله بادعاء القوم امتلاك الموطن، ذلك المكان الجغرافي الذي يستوطنه دائما افراد او مجموعات لايندرجون تماما ضمن تعريف القوم المهيمن على الموطن، تماما كما يحدث في كل من السودان والجزائر والعراق وتركيا وسوريا، وهذا ما يؤكد نقص الوعي الشرقي – العربي – بما يخص الديمقراطية، بخلاف الوعي السياسي الاوربي وسويسرا كانموذج التي تجتمع اربع قوميات كبرى على الاقل يعيشون في اندماج وتوافق كامل، بينما في الشرق الاوسط ” القومية ” تتبع نهج التضييق على الجماعات الاثنية الاخرى ، بل ان محاولات اضطهادهم و ابادتهم عرقيا قائم ومستمر كما هو الحال الكورد في كل من العراق وتركيا وسوريا وايران، وفي من غير الكورد في جنوب السودان وغربه، ومن خلال طمس معالم هويتهم الاثنية والثقافية –الامازيغ – في الجزائر .