لماذا تتصاعد جرائم العنف ضد الرجال في كردستان العراق؟
صلاح حسن بابان
لم يدر كاكه جميل (38 عاما) وهو نجار أن تكون تلك الصرخات بوجه زوجته هي أنفاسه الأخيرة ليسقط بعدها صريعا غارقا في دمائه على يديها في مطبخ بيته بمحافظة السليمانية في إقليم كردستان العراق، بعد أن غرست سكينا في صدره، وذلك خلال مشاجرة نشبت بينهما، ليستقرّ هو تحت التراب، وهي إلى السجن بانتظار مُحاكمتها.
قتل وتعنيف
لم يكُ كاكه جميل (اسم مستعار) الوحيد الذي تعرّض للعنف أو القتل على يدّ الزوجة، فسبقه هوكر علي (اسم مستعار) الذي تعرّض لإطلاق نار كثيف من أشقاء طليقته أثناء عودته إلى البيت في منطقة تابعة لمحافظة أربيل، بالاضافة إلى 6 آخرين قتلوا خلال العام الجاري على يد زوجاتهم أو بمساعدة أقربائهن.
اتحاد الرجال في كردستان (منظمة غير حكومية) يؤكد -وفقا لبياناته- أن حالات العنف ضدّ الرجال بلغت ابتداء من عام 2014 حتى نهاية 2020، ما مجموعه 3797 حالة، وبلغت حالات الانتحار 568، فيما وصل عدد الرجال الذين قتلوا من قبل زوجاتهم نحو 42 رجلا.
تأتي الأزمتان الاقتصادية والسياسية بالإضافة إلى الدور السلبي للإعلام وغياب القانون في مقدّمة الأسباب التي أسهمت في زيادة حالات العنف الأسري بشكل عام، وضدّ الرجل بشكل خاص في كردستان، مع تخوّف بأن يتحوّل العنف من “حالة” إلى “ظاهرة” عامّة تُهدّد المجتمع والنسيج الأسري في الإقليم.
تنوّعت حالات العنف التي تعرّض لها الرجال، وتراوحت ما بين العنف الجسدي والنفسي والجنسي بالإضافة إلى الضرب والطرد من البيت والخيانة الزوجية مع تدخل أقرباء الزوجة في العلاقة الزوجية ومنع الزوج من رؤية الأطفال.
حالات العنف في 2021
رصد اتحاد رجال كردستان 463 شكوى وحالة من العنف ضدّ الرجال سُجلت في 2021 في عموم مناطق كردستان، وهذا ما يدفع رئيس الاتحاد برهان علي فرج إلى رفع سقف مخاوفه أكثر بالإشارة إلى تسجيل 54 حالة انتحار للرجال و6 حالات قتل على يد الزوجة أو بمساعدة آخرين سواء من ذويها أو “العشيق” في العام نفسه.
وجاء العنف الجسدي الذي يتراوح ما بين (10 -15 حالة) سنويا مع طرد رجال كبار السن من المنزل بنحو (35- 50 حالة) سنويا في مقدمة أنواع العنف التي مورست ضدّ الرجال، وعلى إثر ذلك يُحذر فرج في حديثه للجزيرة نت من أن استمرار حالات العنف قد يُفكك الأسرة الكردية ويُهدّد مستقبلها ويقلّل من رغبة الزواج بين الشباب ويزيد من حالات الطلاق.
وتقدّمت السليمانية عن مدن الإقليم الأخرى في تسجيل شكاوى العنف ضد الرجال، إلا أن مدينة أربيل وغيرها تصدّرت محافظات كردستان بحالات القتل والانتحار، ويرجح فرج ذلك إلى الطبيعة الثقافية المنفتحة أكثر في السليمانية عن المناطق الأخرى، وهذا ما يُساعد الرجال على تسجيل حالات العنف ضدّهم باستمرار.
وحمّل رئيس الاتحاد مواقع التواصل الاجتماعي -والإعلام بشكل عام- زيادة حالات العنف الأسري وتحديدا ضدّ الرجال، إذ تبثُ الكثير من الفضائيات مسلسلات مُدبلجة وبرامج خارجة عن سياق الذوق العام والعادات والتقاليد المعروفة في المجتمع الكردي.
ومن حالات العنف الغريبة التي رواها فرج، هو ذهاب أحد الأزواج لأخذ ابنته إلى المستشفى من داخل بيته بعد أن غادره بسبب مشكلة عائلية مع زوجته، إلا أن الزوجة قامت برفع دعوى قضائية ضدّه بـ”تهمة” أنه جاء لقتلها وأودع في السجن بسببها لكن تمّ الإفراج عنه بكفالة.
ويُشير رئيس الاتحاد إلى أن الأزمة السياسية في الإقليم وقفت عائقا أمام تطبيق القانون مع تراجعٍ في تنفيذه بشكله الصحيح، مُتهما الحكومة والبرلمان بالتقصير في معالجة المشاكل والقضايا الاجتماعية ومنها ظاهرة العنف الأسري.
عدم تنفيذ القانون
أمّا نائبة رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية وحقوق الإنسان في برلمان الإقليم كولستان سعيد فترى أن التقصير في تنفيذ بنود قانون رقم 8 لسنة 2021 الخاص بمكافحة العنف الأسري أدى لزيادة حالات العنف، معتبرة أن هذا القانون “يعد أحد أفضل القوانين على مستوى العراق والمنطقة”.
وتضربُ للجزيرة نت مثالاً على ذلك التقصير، بعدم تأسيس حكومة كردستان حتى الآن محكمة خاصّة لمعالجة هذه الظاهرة بالإضافة إلى عدم تفعيل اللجان الخاصة لمعالجة المشاكل الأسرية والاجتماعية، مُشيرة إلى أن البرلمان يعدّ حاليا مشروعا خاصا لمكافحة العنف بشتى أنواعه من أجل الحفاظ على الأفراد سواء كان على مستوى الأسرة أو المجتمع.
انفتاح غير مدروس
لكنّ الرأي المُغاير، يأتي من الباحث الاجتماعي فريق حمه صالح بإقراره أن الانفتاح الذي شهده المجتمع خلال السنوات الأخيرة وبطريقة غير مدروسة غيّر الكثير من المفاهيم التقليدية لدى المجتمع بدءا من التربية وصعودا إلى الأسس الأخرى مع تشويه الكثير من الحقائق، أسهم كثيرا في زيادة حالات العنف.
ويعزو صالح في رده على سؤالٍ للجزيرة نت أسباب زيادة حالات العنف ضدّ الرجال خلال السنوات الأخيرة، إلى رد الفعل أو الانتقام من النساء ردا على سنوات من العنف والاضطهاد عشنها سابقا على يد الرجال، ويقول إن النساء تعرضنّ إلى التعامل القاسي من الرجال في السابق، أبرزها القتل، لكنّ المعادلة تغيّرت الآن بزوال عوامل الخوف لدى النساء.
ويأسف الباحث الاجتماعي لغياب عامل الثقة داخل الأسرة الواحدة على عكس ما كان في السابق والذي أدى إلى تشويه التربية مع الانفتاح الحاصل. وينتقد في الوقت ذاته استنساخ بعض التجارب الاجتماعية من مجتمعات أخرى مختلفة عن المجتمع الكردي في الرؤية والعادات والتقاليد.
ولمعالجة ظاهرة العنف الأسري بشكل عام، يقترح الباحث الاجتماعي أن تكون هناك رؤية مشتركة للحياة من الزوج والزوجة بالدرجة الأساس، بالإضافة إلى أن تقوم المؤسسات الحكومية بواجباتها تجاه هذه الظواهر السلبية ومعالجتها دون تأخير.
دبلجة المسلسلات
من جانبه، يُشير الكاتب والصحفي الكردي محمد رؤوف بأصابع الاتهام إلى وسائل الإعلام بمختلف أنواعها ويُحمّلها المسؤولية الكبرى في تدهور المجتمع الكردي وتراجع أسسه الاجتماعية، ويؤكد أن قيام بعض المؤسسات الإعلامية وتحديدا الفضائيات ببث “بعض” البرامج بأساليب يصفها بـ”لا مهنية” تأتي في مقدمة تلك الأسباب.
ويضيف -في حديثه للجزيرة نت- أن بث ودبلجة الكثير من المسلسلات الأجنبية أسهم بشكل واسع في تغيير الكثير من المفاهيم الاجتماعية والأسرية داخل المجتمع الكردي، وجعل الأسرة الكردية تواجه خطر التفكك، وهو ما أسهم من ثَم في زيادة حالات الطلاق والعنف بالإضافة إلى القتل والانتحار.