لماذا اختار البارتي مرشحين في المحافظات العربية؟
جواد ملكشاهي
منذ تأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني،حمل شعاراً وطنياً لتحقيق هدفين رئيسيين مكملين احدهما للآخر، رؤية الحزب منذ نشوئه كان يرتكز على تطبيق الديمقراطية للعراق وتداول السلطة عبر الوسائل السلمية من دون اراقة الدماء كما حدث في الانقلابات العسكرية في تأريخ العراق المعاصر،ويؤمن الحزب ايماناً راسخاً بأن من دون بناء نظام حكم ديمقراطي تعددي في العراق لايمكن ضمان الامن والاستقرار في البلاد وبالتالي لايمكن للشعب الكوردي والاقليات القومية والعرقية والدينية الاخرى ان تنال حقوق المواطنة الحقيقية.
بعد عقود من النضال والكفاح المسلح ضد الحكومات التي توالت على حكم العراق والتي كانت ترفض منح ابسط الحقوق القومية للشعب الكوردي، اصر الحزب على مواصلة النهج الديمقراطي داخل الاجهزة الحزبية والسعي لتطبيقه في العراق بشكل عام لخلق بيئة سياسية صحية يحفظ حقوق جميع المواطنين من دون تمييز،لكن تلك المساعي كانت تواجه بقوة من قبل الانظمة الشوفينية والقمعية واخرها نظام البعث الدكتاتوري كون تلك الانظمة لاتؤمن بالخيار الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة.
بعد انتفاضة شعب كوردستان في ربيع 1991 ضد النظام البعثي القمعي والهجرة المليونية الى دول الجوار وصدور قرار مجلس الامن الدولي المرقم (688) لتحديد مناطق امنة للشعب الكوردي، وانسحاب القوات العسكرية والاجهزة الادارية للنظام من المناطق التي حددها مجلس الامن الدولي اكد رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني ورئيس الجبهة الكوردستانية آنذاك مسعود بارزاني في خطاب جماهيري في عام 1992 على ضرورة تشكيل برلمان وحكومة اقليم عبر الانتخابات الحرة بمشاركة جميع ابناء كوردستان بمختلف قومياتهم واديانهم وانتماءاتهم.
لقد كانت دعوة السيد البارزاني تجسيدا حياً وعملياً للشعار الذي رفعه الحزب منذ نشوئه وهوتطبيق الديمقراطية كوسيلة حضارية للتعبير عن الرأي واختيار برلمان وحكومة اقليم بتفويض شعبي ولاقت الدعوة استقبالا شعبيا وسياسيا من قبل القوى
السياسية الكوردستانية بأعتبار انه لاخيار اخر امام الجميع سوى اللجوء الى صناديق الاقتراع وهوالسبيل الانجع لترسيخ الامن والاستقرار واالازدهار في المحافظات الكوردستانية.
ورغم التحديات الكبيرة والتدخلات الاقليمية والمخابراتية في شؤون اقليم كوردستان والصراعات السياسية بين الاحزاب والقوى السياسية الكوردستانية التي هي طبيعية بسبب تعدد الاحزاب والتنظيمات والتوجهات السياسية فضلا على تحزب المجتمع الكوردستاني والانتماءات والولاءات المتعددة، لم يكن تطبيق النظام الديمقراطي امرا سهلا وهيناً ، بل رافقه مشاكل وازمات عديدة ،حتى احيانا وصل الى استخدام السلاح والعنف بين الحزبين الرئيسية الكورديين، لكن كل تلك المشاكل والازمات لم يكن بأستطاعتها ان تخلق حالة من الاحباط في نفوس الشعب الكوردي وقواه السياسية والتراجع عن النهج الديمقراطي وديمومة العمل به وتداول السلطة كل اربع سنوات عبر صناديق الاقتراع الحر.
وضمن استعدادات الحزب الديمقراطي الكوردستاني للأنتخابات المبكرة التي اجريت في العاشر من الشهر الجاري،فاجئ الحزب،القوى السياسية الكوردستانية والعراقية بقراره بأختيار مرشحين ضمن المحافظات العربية كالانبار وكربلاء فضلا على محافظة واسط والاقضية والنواحي التابعة لها التي يسكنها شريحة كبيرة من الكورد الفيليين وذلك لتحقيق هدفين اساسيين ضمن رؤيته للأوضاع.
الهدف الاول
التجسيد العملي والفعلي للنهج الديمقراطي الحقيقي الذي يؤمن به الحزب منذ تأسيسه والعمل على ترويج وترسيخ الديمقراطية الحقيقية في المحافظات العربية وكسر حاجز التناحر والتعصب القومي والطائفي المصطنع لخلق بيئة صحية جديدة في الشارع العراقي وبناء دولة حضارية ترتكز على حقوق المواطنة وتعمل على تطبيق الدستور والقانون بحق الجميع من دون تمييز.
الهدف الثاني
كان الغاية من ترشيح شخصية كوردية في محافظة واسط من قبل الحزب الديمقراطي الكوردستاني هو اثبات وجود لشريحة كوردية مهمة وفاعلة في واسط والمحافظات المجاورة لها يمكنها ان تلعب دورا مهما في تعزيز الاخوة والعمل
المشترك بين المكونين الرئيسين الكوردي والعربي، لخلق مناخات سياسية جديدة للتفاهم والتحاور بغية الوصول الى نقطة مهمة وقناعة تامة بأن الحوار وتقبل الاخر هو الخيار الامثل و الوحيد لديمومة التعايش في العراق ووضع حد للاحتقان القومي والطائفي الذي خيم على العراق منذ تأسيسه والذي اشتد بعد سقوط نظام البعث في 2003 .
ربما هناك من يتسائل ان كان المكون الكوردي يرغب في العيش ضمن العراق مع المكونات الاخرى، اذن لماذا اجرى استفتاء الانفصال والغالبية العظمى من الشعب الكوردي صوت له ايجاباً؟
برأيي المتواضع هذا التساؤل مشروع ومنطقي، وينبغي الاجابة عليه بكل وضوح وشفافية وهو ان الشعب الكوردي ليست لديه مشكلة او حقد على اي من شعوب المنطقة التي يتعايش معها منذ الاف السنين،وعبر التأريخ لم يتجاوز على شبر من اراض الاخرين ولا على حقوقهم بل حاول دوما ان يكون عامل استقرار وثبات في المنطقة خدمة للصالح العام.
لكن الانظمة العربية والفارسية والتركية التي كانت وماتزال لها السلطة على اجزاء من كوردستان،ارادت وتريد ان تستعبد الانسان الكوردي كفرد والشعب الكوردي كمكون وحرمانه من ابسط حقوقه القومية والانسانية لمجرد انه ينتمي لعرق اخر وارتكبت مجازر دموية واستخدمت جميع الوسائل المتاحة والاسلحة الفتاكة لتركيع ابناء الامة الكوردية ما ادى الى وقوع مئات الالاف من الضحايا سواء من بين المقاتلين البيشمركة او المدنيين العزل، لهذا وصل الكورد الى هذه القناعة انه لايمكن العيش في ظل تلك الانظمة الشوفينية والعنصرية واختار الانفصال السلمي كحل جذري لايقاف نزيف الدم الذي مضى عليه اكثر من قرن.
اذن اجراء الاستفتاء وتصويت اكثر من 93% من الشعب الكوردي لصالح الانفصال لم يأتي اعتباطا او من فراع بل جاء نتيجة للسياسات القمعية والظلم والاضطهاد وعمليات الابادة الجماعية التي تعرض لها على مدى مئة عام من دون بصيص امل لنيل حقوقه القومية والانسانية العادلة.
هنا لابد من التأكيد بأن هدف الحزب الديمقراطي الكوردستاني الاساس لترشيح شخصيات عربية في محافظات عربية ليس من اجل زيادة مقعد نيابي بقدر ماهو
تأكيد على ترسيخ النهج الديمقراطي السلمي الذي تمسك به الحزب خلال مسيرته النضالية سواء في زمن المعارضة او اثناء وصوله للسلطة،كونه يعلم قبل غيره ان ليس لديه جمهور في تلك المحافظات بحيث يمكنه من الفوز بمقعد نيابي.
نستنتج من كل ماورد بأن تطبيق الديمقراطية الحقيقية والتداول السلمي للسلطة والسعي لبناء دولة عراقية حضارية تحتكم للقانون والدستورفي حل المشاكل والازمات هو السبيل الوحيد لارساء دعائم السلام والوئام والخيار الاخر هو التناحر والدمار واستمرار نزيف دم وهذا مالا يرجوه ويتمناه كل من يحتكم للعقل والمنطق السليم.