لقاء محمد ولنين وماركس وإبراهيم/ ختام الختام/12
عبدالاميرالركابي
أعلنت دولة اللادولة الرافدينيه حضورها الحي، و “استقلالها” في 31 حزيران 1920، حضورها المستعصي على الإحاطة والاخضاع، اجبر المحتلين على التفكير بالانسحاب، وقد وضعوا خططهم لذلك لولا اقتراح اللحظة الأخيرة، والمراهنه على قرصة ال 50بالمئة بشرط “إقامة حكومة من اهل البلاد، “تكون واجهة وغطاء للنفوذ البريطاني”، بمعنى ماقد جرى من الذهاب الى فبركة “دولة” وكيان من خارج النصاب المجتمعي، وبخلاف مسار التشكل الحديث السابق على حضور الإنكليز. كل هذا قد عنى في حينه، سياقات ومسار تجدد اليات “الازدواج” الراسخة بنية، وفي حين ظن المستعمرون ـ انهم وكما العادة التاريخية في التعامل مع الكيانية العراقية قبلهم ـ ان مابفعلونه يمكن ان يستقيم مع الاشتراطات الظاهرة المعتمدة ضمن نموذجهم، وحزمة أفكارهم عن المجتمعية والدولة، كانت الكيانية والموجبات البنيوية التاريخيه تعمل من جهتها، وبحسب منطوبات ذاتيتها رافدينيا برغم ماحمله الطاريء الاستعماري، واجمالي الانقلابية الحديثة الاوربيه، ومقدمات انعكاسها، سواء في المنطقة، ومنها اكثرها حساسية واستجابه مطاوعة للطاريء الغربي، كما الحال بما خص مصر وساحل الشام، او بصورة مباشرة، الامر الذي انتهى لنوع من تجلي الحضور الغربي الاستعماري المحكوم لاشتراطات الازدواج التاريخي البنيوي، لتتكرس حالة وظاهرة الدولتين، او مركزي الفعل المجتمعيين المتعارضين كينونة، والموحدين كيانيا، ومقابل الدولة المفبركة من اعلى وجدت وراحت تتبلور ملامح”دولة من اسفل”، اضطرت في الجانب “الحديث” المقابل للحداثة الغربية، في مجال أسس بنية الدولة المقامة من اعلى، لان تنحو منحى ” الفبركة المقابلة” او مايمكن ان يطلق عليه توصيف “الفبركة من اسفل”.
الدولة من اعلى صارت لها ركيزة “حديثة”، طاقم وكيان، وسيادة مفترضة، ودستور وبرلمان، وحدود وحكومة، ولها مرتكز يقف خلفها، قوة عالمية جارفة مهيمنه و متقدمه على مستوى القوة المادية والنموذج، هدفها ومسعاها الأساس، ومحور فعلها، قلب علاقات الملكية في الريف المشاعي التاريخي العراقي، أي افقاد الدولة في الاسفل مبرر وجودها، وأسباب مقاومتها، وحضورها، الامر الذي يساوي قلب قوانين تاريخية على مستوى المعمورة، أسهم هذا المكان في بلورتها، ووضع القواعد ومرتكزات ديمومتها، واغراضها، بالمقابل نهضت الدولة من اسفل، لتجد مايتناسب واشتراطات المعركة والظرف التاريخي المصيري المستجد من زاويتها، فما وجدت في القبيله، ولا مدينة الدولة الانتظارية، التي هي تعبيرها عن ذاتها ابان فترة تشكلها الحديث حتى حينه، مايمكن ان يوفر أسباب المقاومة والصمود، وبالاصل درء خطر التصفية المسلط من الغرب واستعماره، فلم تجد امامها غير الأدوات نفسها والعصر الذي تعاني من وطاته نفسه بمفاهيميه ونظرياته، وقد نبهها حدث عرف في العالم على نطاق واسع على مستوى المعمورة، تلازم مع اعلان احتلال بغداد عام 1917 هو ثورة أكتوبر ( تشرين) الروسية ،التي بناء عليها سيصاب الغرب الاستعماري بالانشطا،ر وبالازدواد ككتله، وكعمل وحضور متناقض، ناف لبعضه من داخله، فكان ذلك مما سيشكل خلفية تعزز في الاشتراطات والظروف الداهمة الطارئة، وتتيح بلورة خاصية بنيويه تاريخية، أدت لاعادة انتاج الازدواجية الكيانية الموحدة في التصارع الثنائي، باسم الاشتراكية الأقرب والأكثر ملامسه لطبيعة البنية الجنوبية، وقربا منها كينونة، بغض النظر عن التفاصيل.
بهذا وهكذا، سيصبح العراق “عراقين”، عراق عاصمة المنتفك / الناصرية والبصرة، بمقابل عراق بغداد عاصمة الدورة الثانية المنهارة، المستعملة رمزيا خارج التاريخ الحديث و ومقتضيات التشكل التاريخي الراهن والعياسي معا، وبازاء كل ماتملكه وتحملة الدولة المفبركة المقامة في الأعلى خلافا لاشتراطات اكتمال التشكل التاريخي، ومن خارج النصاب المجتمعي، اعلي الصوت مدويا بشعارات الحرية والتحرر والمساواة / الاشتراكية / في العمق جنوبا، وحيثما سعت بالقوانين والفعل والتنظيم، الة الدولة من اعلى لقتل المشاعية وعالم اللادولة الجنوبي وسحقه، اخترقت دولة الجنوب المدى الأعلى، وكانها وجدت الفرصة سانحة لاكمال الطور الثاني من التشكل الوطني، الذاهب الى “عراق الجزيرة”، الذي كان مايزال غير متحقق بالوسائل والديناميات الذاتية البحته، السائرة تشكلا منذ القرن السادس عشربعد.
هكذا يكون قد تجدد ليتاسسس في العصور الحديثة، وعند العتبة الأخيرة من “نهاية الزمان” المجتمعي، ازدواج مابين النهرين التاريخي الابتدائي المجتمعي، المنطوي أصلا وبداية على المودع المكنون في الظاهرة المجتمعية ومآلاتها، ووظيفتها ضمن مجرى التصير الحياتي الوجودي للكائن الحي. وكما اعتمدت الدولة من اعلى، ارتكازا على “العصر” وسائل مستجدة استعملتها لقتل غريمها الذي هو مكمل ذاتها، باختلاق الاقطاع بداية 1921/1958، وبالريع النفطي، والحزب العقائدي المحور، والنواة القرابية، توسلت الدولة اللادولة من اسفل، شعارات ومطالب التحرر والديمقراطية في الفترة الأولى ، ومقاومة الدكتاتورية في الثانية، قبل ان يحل زمن الاحتدام الأقصى، والعيش على حافة الفناء ابتداء من عام 1980 ،مع الحرب العراقية الايرانيه، أطول حرب بين دولتين منذ الحرب العالمية الثانية، وسلسله الحروب الكبرى، والكوارث التي لانهاية لها والمتواصلة من دون توقف الى اليوم.
في الطور الثاني مع الدولة الريعية، فقدت الدولة من اسفل القدرة على تشيكل مقابل مناظر لدولة الأعلى، وعرف العراق وقتها ظاهرة المعارضة العقيمه/ الدولة المفبركة من اسفل المطروده/ التي لم يسبق ان عرفها تاريخيا منذ طرد النبي إبراهيم، فماكان المطرودون اليوم يحملون اية دالة على الحيوية والاتساق مع مايدل على تجدد النبض الكوني كما حدث بداية، مع تبلور الرؤية العليا لدولة اللادولة غير القابلة للتجسد ارضويا، الامر الذ سيضع الطرف الأسفل من الكيانية، ووحدة الازدواج التاريخي التصارعي امام لحظة هي الأقرب على مر التاريخ البشري من عتبة العقم والاستحالة التعبيرية، فلا الغرب وقتها، ولا انقسامه الذي أتاح في المرة او الفترة الاولى أساس الانشطار الداخلي الرافديني الازدواجي وجدده، يصير قابلا للاستعمال باي قدر كان، والا الماضي النبوي المنقضي مع نبوة النبي محمد، يكون ممكن البعث او التجديد، بما في ذلك امتداداته الرافدينية الامامية ووعدها المهدوي الانتظاري، الذي اعلن في قلب الدورة الثانية الإمبراطورية، الإحالة الى الدورة الثالثه، مابعد النبوية، الابراهيمه العلية.
لم يعد لاالنبي محمد، ولا لنين، ولا ماركس او إبراهيم، فاعلين واحياء اليوم، مع انهم سوف يلتقون على ارض الرافدين، ليواجهوا عقم حضورهم في الحاضر، والحاح مابعدهم، هنا سيكون ماركس تشوفا متاتيا من صفحة من الراسمالية المصنعية، مادون التكنولوجية، ومعه لنين ودولته الفكرة، وهنا يصير “ا لوعد خارج ارضه التي طرد منها” وبناء “مملكة الله” التي لاتتجسد ارضويا الابراهيمي، منتهيا بعد الف وخمسمائة عام على اخر ونهاية تجلياته الجزيرية، الاحيائية التحريرية، باعثة الدورة الامبراطورية الازدواجية الثانيه، وفي مقبرة الأفكار والمشاريع الكبرى، التي احتاجها تصيّر التاريخ، لابد ان تنبض الحياة تحت جلد الموت وسحنته المشكله من الياس والحنين، والرغبة المستحيله والامل الميت، والاماني المكبوته المبددة، كل ساعة تحت خيمه الادعاء، ومحاولة الاختلاق والفبركة العقيمه.
لم يجد العراقيون اليوم ماكان وجده اجدادهم الأول في ارض سومر وهم يفتحون اعينهم على التبديد، والحياة التي تقارب الموت وتصنعه في قلب الضرورات الحيوية، والتشوف الذاهب بالذات الى الاعلى خارج مدار الأرض، ويوم قامت ثورة 31 حزيرا 1920 ، ولدت ذاتا بلا رؤية هي من نسيج مابعد غرب في زمن صعود الغرب، وظلت من يومها تعتمل وتتكامل، فتجددت محققة انتصارها الكبير في 14 تموز 1958 ،لتسرق وتدمرهذه المرة من لدن تلك الأحزاب التي قبلتها هي استبدالا، واصطنعتها في الفترة الأولى من عملية تجدد الازدواج، وليحل بعدها زمن الريع النفطي والحزبية العقائدية المسروقة، والمحورة بعدما اقتلعت جذور الحزب الأكثر قربا من كينونتها من موضعة في دولة “جبهة الاتحاد الوطني”، ومحركاته الاصطراعية المصيرية، الى الأعلى، ليغدوا حزبا دوليا خاضعا لاشتراطات فرعية مادون ” وطنيه”، وصولا للاندراج ضمن عملية الغزو الأمريكي، ودولته المحاصصاتية الطائفية.
اليوم يحل على العراق زمن العقم المطلق على الصعد كافة، وإذ تبدا الجمرات الأولى بالاتقا،د فان ثقل العقم والخرس المتراكم، ووطاة ثوريي الفبركات، ووطنيه الافذاذ من كل لون، تصنع مسرحية مبكية على قارعة التاريخ، وتحت اقدام عظمته الكبرى المطوية في الأرض الأولى، لتلوح في الأفق وعلى المعمورة، تجددات أخرى هي “الابراهيمة العليه” بعد الابراهيمية النبوية المنقضية، وعليّه، والوضعية العلمية العقلانيه المؤقته الاوربيه الحديثة العابره اخر اشكال ولحظات العقلانية الأحادية قبل و”ضعية” وعلموية وسببية/ عليّه المجتمعية السماوية / الكونية، والصحائف الابراهيمة التي رفعت مرة، هاهي اليوم على وشك النزول في “اخر الازمان”، بينما شبيبه الحبوبي، وساحة التحرير، ينتظرون ” قران العراق” الغائب والمستبدل بالرؤى النبوية التوراتيه الكبرى الثلاث.
ثورة العشرين في القرن الواحد والعشرين، هي ثورة الانقلاب البشري التاريخي المنتظر منذ سبعة الاف عام، ثورة اللاثورة التي تذهب بالمجتمعات الى مابعدها، والى مابعد الكائن “الانسايوان”، الكائن الواصل بين “الحيوان” و “الانسان” بين “المجتمعية” و”اللامجتمعية” بين مايرى ويعتقد على انه وحدة كيانية، وهو ثنائية ( جسد / عقل)، مصيرهما الانفصال عن بعضهما، وانعتاق العقل عما ظل عالقا به من طور النشوئية الحيواني.