الدكتور زاحم محمد الشهيلي
تثبت الواقع والوثائق التاريخية بان الولايات المتحدة الامريكية لم تكن يوما ما صديقا او حليفا حقيقيا للعرب منذ ان تغييرت موازين القوى الدولية بعد الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥، وانما كانت ولا تزال الحليف الوفي والداعم القوي للكيان الاسرائيلي في المنطقة العربية وعلى حساب العرب الاصدقاء الاعداء، ولذلك عملت اميركا على تطبيع العلاقات بين العرب والكيان الصهيوني لكن العرب كانوا يرفضون فكرة التطبيع ولم يتفقوا على حل لقضيتهم المصيرية “فلسطين” التي اضحت تباع وتشترى في سوق النخاسة من قبل بعض الحكام العرب والمسلمين. ومن اجل معرفة اسرار وخفايا لعبة القرن التي تعد مرحلة من مراحل (صفقة القرن) التي تحدثت عنها واشنطن، والتي من صفحاتها الاعتداءات الاخيرة على المنشآت النفطية السعودية (ارامكو)، لابد من اجراء متابعة تحليلية لواقع الاحداث السياسية الماساوية التي مرت وتمر بها المنطقة العربية:
ايقن الامريكان، وبتخطيط اسرائيلي معروف وواضح للجميع وتواطيء بعض الحكام العرب، بضرورة مواجهة فكرة رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني ومسالة التذبذب في المواقف العربية بهذا الاتجاه، وذلك بايجاد حل قهري كواقع حال يقبل به الجميع صاغرين يبدا بالاطاحة باقوى الدول العربية وانهاك مواردها الاقتصادية والبشرية واطلاق يد دول الجوار في المنطقة العربية، يصاحب ذلك تذبذب في المواقف الامريكية وعدم وضوح تجاه التهديدات التي تتعرض لها الدول العربية الحليفة لها، وشروع اسرائيل بالتدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية وقصف بعض المواقع الاستراتيجية بحجة حماية الامن القومي الاسرائيلي من ناحية، وبدء سياسة التقارب مع دول الخليج من ناحية اخرى لملىء الفراغ الامريكي المتفق عليه لتكون اسرائيل قوة داعمة لهذه الدول المستضعفة عديمة الثقة حاليا بالداعم الامريكي الذي اخذ يتخلى عن التزاماته تجاه حلفاءه في الخليج الذين دق لديهم ناقوس الخطر الخارجي الذي يحتم عليهم ضرورة تجاوز الازمة وعدم اشعال المنطقة، لان دول الخليج ومنها السعودية ستكون الخاسر الاكبر حسب المحللين، ولكن هل ستاخذ الانظمة العربية المتفقة تحت الطاولة مع امريكا واسرائيل على صفقة القرن واقامة مملكة الجبل الاصفر هذه اللعبة وما يهدد امنها القومي بعين الاعتبار؟
ومن اجل اعطاء مصداقية اكبر للعبة القرن القذرة امام الرأي العام المحلي العربي والدولي يتم قصف المنشآت النفطية السعودية- الامريكية- الاسرائيلية (ارامكو) بطائرات مسيرة وصواريخ غير معروف المصدر، وبالطريقة التي تم فيها قصف مواقع الحشد في العراق، رغم ان الاجواء مراقبة من قبل امريكا واسرائيل على مدار الساعة ويتم رصد حتى الطيور المهاجرة في السماء ليلا ونهارا، ورغم ذلك يصر الرئيس الامريكي ترامب على عدم قدرة امريكا في تحديد المصدر وعدم ايفاء امريكا بالتزاماتها تجاه تهديد امن الخليج في الرد على الاعتداءات او تحديد مصدرها، لان من الواضح ان تطورات الازمة تصب في مصلحة مشروع التمدد الاسرائيلي المرتقب الذي وصل الى مياه النيل الباردة ومياه الخليج الدافئة وتطبيع العلاقات التدريجي مع الحكام العرب على حساب مصالح الشعب العربي.
تمر الايام بازدياد الضغط والتهديد بالضربات بعيدة المدى على دول الخليج وخاصة السعودية من جهات مجهولة المصدر!! يقابله تهديد سعودي بالرد من خلال المارد الامريكي، لكن الموقف الامريكي بين المد والجزر ولم يحدد مصدر العدوان على المنشآت النفطية السعودية بشكل دقيق رغم ان اجواء منطقة الشرق الاوسط في الخليج والعراق وسوريا وايران وافغانستان تحت المراقبة الامريكية والاسرائيلية على مدار الساعة كما اسلفنا، وهذا دليل على ان هناك اسرار وخفايا لم تكشف لحد الان تعرفها جيدا السلطة السياسية السعودية كما يعرفها الامريكان والاسرائيليون، وبعض دول الخليج تعرف كذلك ما يدور في فلك هذه اللعبة، لكنه لا احد يريد او يستطيع ان يصرح بذلك حتى لا تكشف النوايا الامريكية – الاسرائيلية، الامر الذي دفع بعض المحللين السياسيين السعودين وغيرهم في دول الخليج اتهام الامريكا بالتامر عليهم، واخذت تتعالى الاصوات الخليجية بضرورة التطبيع مع اسرائيل وانهاء الازمة مع ايران حتى لو كان ذلك على مضض. وبهذه الطريقة ستدخل اسرائيل، حسب المخطط المرسوم، رويدا رويدا كقوة نووية وعسكرية اقرب الى دول الخليج من امريكا وايران بعد افول نجم العراق وتحييد المؤسسة العسكرية المصرية وتدمير الجيش السوري وافتعال الازمات في ليبيا والسودان واليمن والجزائر وتونس، وبذلك تقوم امريكا بفرض سياسة الامر الواقع على الحكام العرب والدفع باتجاه التحالف مع اسرائيل بمباركة امريكية بعد ايجاد الحلول الناجعة للملفات العالقة مع العرب وخاصة انهاء القضية الفلسطينية ومسألة الصراع العربي – الصهيوني بعد اختفاء الصوت الايراني.
وبذلك تتسلم اسرائيل تدريجيا زمام القيادة من امريكا في المنطقة العربية وتتمدد على حساب الدول العربية الضعيفة والمستضعفة بحجة المساعدة في حماية الامن القومي الاسرائيلي والعربي معا وتامين مصادر الطاقة في الشرق الاوسط للغرب بدعم ومؤازرة امريكية، وبذلك تهيمن اسرائيل على المنطقة العربية وتقبل عضوا في الجامعة العربية، وتكون لها حضوة وسطوة على الجميع وتفعل ما تشاء باعتبارها القوة النووية الاعظم في المنطقة، يقابل ذلك خنوع وخضوع العرب للارادة الاسرائيلية الاقوى في منطقة الشرق الاوسط المدعومة امريكيا بحجة حمايتهم من التهديدات الخارجية وهم صاغرون فاقدي الارادة، وبذلك تكون اللعبة القذرة قد نفذت بحرفنة وشيطنة عالية المستوى يقابلها سذاجة بعض الملوك والرؤساء العرب الطامعين بامتيازات السلطة على حساب مصالح الشعب العربي الذي اعيته المشاكل والازمات وبات بين مهاجر ولاجىء وفقير يفترش الارض ويلتحف السماء، لتدخل المنطقة العربية في مرحلة ضياع جديدة مظلمة واكثر ماساوية.