سداد جواد التميمي
في جميع الحضارات هناك اسالة يتكرر طرحها بين الحين و الاخر و لكن الاجابة عليها تتميز بصيغة واحدة و هي اختلاف الجواب، و يجب علينا القبول بان ليس هناك حرج في عدم اتفاق الآراء. على العكس من ذلك ان الاختلاف في الرأي هو السبب الاول و الاخير في تحفيز المجتمع لمناقشة مشاكله الاخلاقية و الاجتماعية و الاقتصادية و دفع الانسان الى اعتماد العقل و المنطق لوضع الخطوط العريضة لقيمه الانسانية بدلاً من الرجوع فقط الى التوصية و الموعظة الدينية . من هذا المنطلق سأتطرق بإيجاز الى مسألة التجاوزات الجنسية بين الرجال و النساء اجتماعيا.
هناك العديد من المصطلحات التي يستعملها البشر عند التطرق الى التجاوزات بين الجنسين او حتى بين افراد من الجنس الواحد و ربما يمكن جمعها تحت مظلة و احدة و هي التجاوزات الجنسية. هذه المشكلة الاجتماعية يمكن تعريفها بمرض اجتماعي و علاجه هو مسؤولية العديد من مؤسسات الدولة و المجتمع. كذلك يجب التأكيد على ان التجاوزات الجنسية شائعة في جميع انحاء العالم، لكن الحقيقة المؤلمة انها أكثر شيوعاً في العالم العربي الاسلامي و اكثر مرارة من ذلك و من ابشع ما يسمع الانسان هو القاء المسؤولية من بعض السفهاء عل ضحايا التحرش الجنسي بدلاً من الجناة. ليس النساء وحدهم
عرضة لهذا الاعتداء و انما يد الجناة تتمدد الى الذكور و الاطفال أحياناً. من جراء هذا الفعل هناك وجهة نظر عامة حول الرجال في العالم العربي تكاد تكون سلبية من جراء تكرار عملية التجاوزات الجنسية، و هي ان الرجال العرب غاية سلوكهم اجتماعياً هي الجنس فقط. هذا المعتقد خالياً من الصحة و الغالبية العظمى منهم لهم مشاعر عاطفية و انسانية نبيلة لا تختلف في أطارها و محتواها عن الرجال في العالم الغربي، و لكن ذلك لا ينفي ان هناك مشكلة لا بد من التطرق اليها.
هذا المقال يعني فقط بالتجاوزات الجنسية للرجال نحو النساء، فهي أكثر التجاوزات شيوعاً. لست هنا بصدد مراجعة الاحكام و الشرائع الدينية او انتقادها فهذه خارج اختصاصي، و لكن هذا المر لا بد من مناقشته في مجال الصحة النفسية.
مشكلة المصطلحات:
هناك ثلاث مصطلحات يتم تداولها في هذا المجال و هي:
1 سوء المعاملة الجنسي Sexual Abuse.
2 التحرش الجنسي Sexual Harassment .
3 الاعتداء الجنسي Sexual Assault.
المصطلح الاول شائع الاستعمال في العالم الغربي على المستوى الاجتماعي و الاعلامي غير ان هذا المصطلح لا يعرف الفعل بصورة دقيقة. ان البعد اللغوي و النفسي لكلمة سوء المعاملة يحتوي على راي ذاتي و ربما يكاد يكون خالياً من الموضوعية، و خاصة عند استرجاع البعض لذكريات و الحديث عن لمس الم او الاب لمناطق معينة من جسد الطفل. هذا الامر شائع و يحدث أحياناً عند خضوع بعض الافراد للعلاج النفسي و سعيهم للبحث عن تفسير لحالتهم النفسية و انهيارهم المعنوي.
أما مصطلح التحرش الجنسي Sexual harassment فهو شائع الاستعمال في العالم العربي غير انه ملئ بالتناقضات عند التطرق الى التعامل القانوني و المهني و الاجتماعي. يضاف الى ذلك ان هذه الكلمة تشير الى القاء بعض المسؤولية على ضحايا التجاوزات الجنسية و خاصة في مجال زينة المرأة و ملبسها. يكثر استعمال المصطلح الاخير في مجالات العمل و يمكن التحري عنه عبر لوائح مهنية و التحقيق فيه قد يتم داخلياً او من قبل لجنة حيادية خارجية. اما استعمال هذا المصطلح لوصف تجاوزات الرجال على النساء من مختلف الاعمار و في شتى المجالات ان كان ذلك في الشارع او المدرسة، فان مسالة التناقضات
فيه تكون واضحة جداً و ربما استعمال المصطلح الثالث و هو الاعتداء الجنسي يكون أكثر دقة.
متى ما استعمل المجتمع هذا المصطلح الاكثر دقة من التحرش فلا تقع المسؤولية الا على عاتق الجاني وحده، و يتجاوز المجتمع العصاب المزمن الذي يلازمه بشان طبيعة المرأة و دورها في التجاوزات او المضايقات الجنسية التي تتعرض لها. اصبحت هذه المضايقات اشبه بالوباء المتفشي في انحاء العالم العربي و لكن طريقة علاجه تكمن في تناقض واحد و هو وضع الحدود على المرأة بدلاً من الرجل فيما يخص الملبس و الزينة. يمر العالم العربي هذه الايام بثورات تنادي بحقوق بشرية و انسانية و لا بد من اضافة حقوق نسائية تضمن للمرأة حقها المشروع في ان لا تكون هدفاً لنزوات و تهور الرجال و
رفع او بل التحريم بألقاء اللوم عليها مهما كانت زينتها و ملابسها.
لباس المرأة و زينتها:
لا يخلوا التطرق الى هذا الامر من حرج لمن يتكلم فيه و الى من يتم توجيه الحديث له. لكل انسان الحق في اختيار ملبسه و زينته، و لا جدال في ان هذا الامر يقع ضمن دائرة الحرية الشخصية . ان اختيار المرأة للباسها و زينتها ربما له اسبابه الروحية و الدينية، و لكن ان يحدد المجتمع و يضع الشروط على لباس المرأة اعتماداً على نصوص دينية قابلة للتأويل اعتمادا على استعمال الانسان لقشرته المخية فهذا بحث آخر.
هناك حقيقة لا تقبل الجدل بان الحجاب و لباس المرأة يكاد يكون حصراً على المجتمع الاسلامي و خاصة العربي و الغلاة من معتنقي الديانة اليهودية. ترى الطائفة الاخيرة تحدد لباس المرأة بصورة تشابه ما تلبسه المرأة في المجتمع العربي و الاسلامي و على ضوء ذلك يتم تعريفهم بنساء طالبان. اما في العالم الاسلامي فترى الزي الموحد الايراني تحرص الجهات المختصة على مراقبة النساء و تمسكهم به و كذلك الامر في المملكة العربية السعودية و بصورة ربما أكثر غلواً من الاولى. اما على صعيد الاقطار الاخرى من العالم العربي الاسلامي، فان رجال الدين لا يكفون عن الحديث في هذا الامر
، و يحرص الغلاة من الرجال و النساء على فرضه اجتماعياً و دينياً رغم غياب اللوائح القانونية و الدستورية.
احد الخرافات التي يكثر تداولها بان لباس المرأة و زينتها يجب ان لا تتجاوز عتبة معينة للوقاية من تجاوزات الرجال عليهم. هذه القاعدة اللاأخلاقية كانت سائدة قبل القرن الثامن العشر في الحضارة الغربية و يمكن تلخيصها بان النساء اكثر شهوانية للجنس. لا يتوقف الرجال عند هذا الحد بل و يصورون المرأة بانها اقل عقلانية، غير قادرة على احكام السيطرة على عواطفها و تميل الى عدم الالتزام. ربما يكون مرجع هذا المعتقد الى التفسير الخاطئ الغير موضوعي لضعف حواء و دورها في قصة الخليقة و الخروج من الجنة.
تغيرت هذه المعتقدات تدريجياً و في القرن التاسع عشر و اصبح الرأي السائد بان الرجال هم الاكثر اندفاعاً من ناحية الغريزة الجنسية و هم الاكثر ميلاً لأغراء النساء و ان دور المرأة اكثر سلبية. على ضوء ذلك بدأ المجتمع يضع المرأة في اطار جديد محتواه انها مخلوق ناعم، رقيق، خالي من التهور الجنسي و في حاجة مستمرة الى استعمال دفاعاتها ضد ضراوة الرجال الجنسية. لا يزال هذا الرأي سائداً الى يومنا هذا في جميع انحاء العالم، و هنا علينا ان نسأل:
ما هو موقع الحجاب و الرأي الديني في هذا البعد من دور المرأة في العلاقة مع الرجل بين المعتقدات القديمة و الحديثة؟.
ما هو موقع الحجاب بين ما يتصوره الرجال بان لهم حقوقهم من عدم تحفيز غريزتهم الجنسية من قبل النساء بسبب ملبسهن و زينتهن خوفاً من يمس ذلك بطهارتهم ؟.
هل سيمنع الحجاب حقاً التجاوزات الجنسية ام سيضع المرأة في موقف ضعف دائم بان الشكوى يمكن ان تعرض سمعتها للخطر في مجتمع يسيطر عليه الرجال ؟.
يجب على المجتمع الاجابة على هذه الأسالة دون الرجوع الى الوصاية الدينية و عليه التفكير ملياً بظروف المجتمع الاقتصادية و الثقافية و حقوق المواطنين انفسهم الانسانية. فوق كل ذلك هو ضمان و صيانة الحرية الشخصية لكل انسان.
المستقبل:
اهم من وضع التشريع بعد على الاخر على ملبس و زينة المرأة هنالك حاجة ماسة الى ثقافة جنسية تتناول السلوك الجنسي و الهوية الجنسية و يجب كذلك بداية هذا التعليم من عمر مبكر و قبل سن العاشرة. السبب في ذلك ان أطفال اليوم يدخلون مرحلة البلوغ الجسدي Physical Maturityمنذ عمر مبكر، و لكن هذا البلوغ لا يصاحبه بلوغ عاطفي Emotional Maturity الذي لا يدق على ابواب الانسان حتى منتصف سنوات المراهقة.
ان التوعية في هذا الامر يجب ان تمتد الى العائلة و ضرورة كلامهم الصريح مع الاطفال عن الثقافة الجنسية و تنبيهم الى ظاهرة الاعتداء الجنسي. الاهم من ذلك كله يجب على الاب و الام مساندة الطفل و الوقوف بجانبه دون تردد و شروط مسبقة.
اما على مستوى المجتمع فهناك حاجة ماسة الى توعية ثقافية من جميع الجهات المدنية و الدينية، حكومية كانت ام لا، لمكافحة هذا الوباء. ان لبس الحجاب لم و لن يمنع الجناة من الاعتداء على النساء و قد يضع المرأة في موقع ضعف.
ان مسألة لبس و زينة المرأة لا تخلو من الاشكال و رد فعل الجمهور احياناً يعكس لنا بان الجمهور ذاته هو العلة ويحمل جرثومة يرفض القضاء عليها بلقاح متوفر في كل بيت و عقل انسان.
قال المصطفى صلاة الله عليه و سلم: أوصيكم بالنساء ، فأنهن عندكم عوان. ما كان يقصده الرسول الكريم ان النساء عند الرجال اسيرات، و ان نظرنا اليوم حولنا لتأكد لنا صدق حديثه، و لو بُعت في الناس لنادى بفك قيود الاسر.