منذ العام 2003 وإلى الآن يدفع العراقيون ثمن الحرية والتحرر من السيطرة البوليسية التي كبلت العباد والبلاد لأكثر من خمس وثلاثين سنة ، فضلاً عن الفوضى الخلاقة التي أراد الأمريكيون زج البلاد بها وما نتج عنها من احتقان طائفي لم نتعاف منه تماماً؛ إذ مازال بعضهم يصب الزيت على النار بمناسبة وبدون مناسبة وليس آخرها حادثة النخيب.
أقول إن العراق دفع ثمن الإحتلال باهظاً وليس من الإنصاف أن يطلب منه أحد أن يدفع ثمن الإحتلال منذ عام 2003 وإلى الآن، وهذا الكلام هو استهلال لما جاء على لسان النائبة الأميركية (بكمن) بحسب ما نقلته اذاعة محلية التي طالبت الحكومة العراقية بدفع تعويضات الإحتلال التي قد تصل إلى ( 800) مليار دولار ودفع تعويضات مجزية للقتلى الأميركان وجرحاهم وهو ما يعني عملياً إن العراقيين سوف يبقون يدفعون من تعبهم وكدهم اليومي فضلاً عما يأتيهم من واردات النفط الى ما بعد 2020 وهو أمر يدعوإلى الاستغراب والريبة.
والاستغراب لم يكن مرده إلى تصريح بكمن وأنما الى الصمت البرلماني والحكومي تجاه هكذا دعوات تحاول أن تستشرق الآفاق لتمرير قوانين في الكونغرس الأميركي.. لذلك نجد من غير الصحيح أن تقابل هذه الدعوة بصمت مطبق؛ بل من المطلوب أن يغادر البرلمانيون اختلافاتهم ويتوحدون تحت خيمة المطالبة بتعويضات مجزية عن حجم الدمار الذي طال مؤسسات العراق وتاريخه وارثه الحضاري ولايمكن المرء أن يلتمس العذر لقوات الإحتلال وهي تفتح أبواب المتحف العراقي للسراق وتجار الأزمات الذي عاثوا بهذا التاريخ فسادا ما بعده فساد لا يمكن تعويضه بإي ثمن.
ولابد ان دعواتهم تلقى صدى عند كثير من المنصفين في داخل العراق وخارجه، وربما حتى عند الرأي العام الاميركي نفسه لأنها دعوة عادلة وتنسجم مع المعايير الدولية والمواثيق الإنسانية وتعطي تصورا للعراقيين بان ممثليهم في البرلمان وحتى المسؤولين الحكوميين الذي خرجوا من معطف البرلمان هم حريصون على المال العراقي وإلارث العراقي وحريصون على تطبيق برامجهم الإنتخابية التي كثيراً ما كانت توسم بالوطنية.
نعم إن تغيير النظام كان مطلباً جماهيريا، وغاية ما كان يتمناه العراق الذي حاول عبر محاولات تكللت بالانتفاضة الشعبانية التي كان يمكن أن يكتب لها النجاح لولا الإرادة الإقليمية التي وقفت الى جانب الجلاد على حساب الضحية وأعطت الضوء الأخضر له للقضاء عليها، وما إعتذار السفير الأميركي الحالي في العراق الا دليل على هذا التهاون؛ لذلك أن دورالأمريكان لم يكن هو وحده وراء اسقاط النظام؛ اذ اقترن برغبة ملحة تترقب نسيم الحرية بشغف وحب، الامر الذي سهل من انهياره وهروبه في زمن لم يكن الاميركان انفسهم يتوقعونه، وهو شبيه بسيناريو 1991 ولكن مع فارق وحيد هو تغيرالإرادة الأميركية التي أرادت الخلاص من النظام هذه المرة.
ان دعوة ( بكمن ) مردودة جملة وتفصيلا ،ً فإذا كان هناك من يطالب بخسائر عن الحرب والإحتلال، فهو العراق الذي دفع الثمن مرات عديدة.