لا تَلُومُوا النَّتائِجَ
نـــــــــزار حيدر
ما تراهُ الْيَوْمَ من نجاحٍ او فشلٍ هو نتيجة لمقدّمات طويلة وعريضة، فلا الفشل يتحقّق على قاعدة (كُن فَيَكُونُ) ولا النجاح يتحقق بها.
هذه المعادلة تنطبق على الانسان الفرد والإنسان المجتمع.
فاذا استلم التلميذ النتيجة النهائية في المدرسة وكان مكتوب فيها (راسب) فلا ينبغي ان يتصوّر الأبوين انّ ذلك نتيجة اللّحظة او اليومَين الاخيرَين ابداً، وانّما هي نتيجة لمقدّمات طويلة مثل عدم تحضيرهِ الواجب اليومي او التسيّب في الحضور او عدم انتباههِ في الصف عندما يشرح المعلّم الدّرس، وربما كل ذلك.
هذا من جانب، ومن جانبٍ آخر، لا يمكن للأبوَين تدارُك حال التّلميذ في الرّبع ساعة الاخيرة التي تسبق الامتحانات النهائيّة اذا كان التّلميذ طوال العام الدّراسي كسولاً او غير منضبطاً او ما أشبه، فلكلّ حالةٍ من الحالات مدىً زمنيّاً معيّناً لا يمكن استدراكها ابداً الا بمعجزة! او بفسادٍ ماليٍّ كبيرٍ جداً.
مشكلتُنا انّنا؛
تارةً ننظر الى النّتائج من دون ان نبحث في المقدّمات، ولذلك نستغرب النّتيجة التي لم يتوقّعها كثيرون، او لم يشأ كثيرون تصديقها او حتّى تخيّلها! وتارةً أُخرى نريدُ ان نستدرك النّتيجة في اللّحظة الاخيرة بعد سنوات من الاسترسال او التغافل عن كلّ أسباب الفشل، ثم نتساءل؛ لماذا فشِلنا؟!.
ان الذي ينشغل بالنّتائج ويرفض البحث في المقدّمات، يظلّ في ورطة متجدّدة طوال حياتهِ من دونِ ان يصلَ الى نتيجةٍ ابداً.
فمثلاً؛ انّ تمدّد (الفُقاعة) التي حدّثنا عنها السيد رئيس مجلس الوزراء السّابق هو النّتيجة التي رأيناها بأُمّ أَعيُننا، ربّما فجاة وعن غير سابق إنذار بالنسبة لمن كان غافلاً او في حالة سباتٍ او لمن كان مشغولاً بالتّغزل بالمختار وحاشيتهِ ومنجزاتهِ التّاريخيّة!.
كذلك فانّ سقوط الموصل واحتلال الارهابيّين لنصف العراق هو نتيجة، ربما فوجئ بها كثيرون، امّا المقدّمات فكثيرة.
المشكلة تكمُن في انّ الجميع يبحثون في النّتيجة او يفكرون بها ويناقشونَها ويتداولونَها، ولكن لا أحدَ يسأل عن المقدّمات ابداً، ربّما للاسباب التالية؛
أولاً؛ (عَبَدَةُ العِجْلِ) عادةً لا يتحدثون في المقدّمات أبداً، لانّ مثل هذا الحديث يفتح ملفّات قديمة قد تجرُّ قدم (العِجلِ) الى المقصَلة! ولذلك تراهم مستنفَرون ليلَ نهارٍ للهجومِ على من يدوسُ على ذيلِ (العِجلِ) .
ثانياً؛ الجهَلة والأميّون كذلك لا يتحدّثون في المُقدّمات لأنّ طريقة تفكيرهم قائمة على أساس النّظر الى أرنبةِ أُنوفِهم فقط!.
لقد سألني معدّ برنامجٍ إذاعيٍّ عن سبب الصّدمة التي اصابت شعوبنا جرّاء هبوط أسعار البترول المفاجئ؟ فأجبتهُ؛ المغفّلون وحدهم هُم الذين يُفاجؤون بالمتغيّرات، وانّ هبوط الأسعار نتيجة سبقتها مقدّمات تعود الى عقدٍ كاملٍ من الزّمن، والمغفّلون لا يُعيروا اهمّيةً لها ولذلك صدمتهم النّتيجة! ولذلك وردَ عن الامام جَعفر بنْ محمّد الصّادق عليه السلام قوله {العارِفُ بِزَمانِهِ لا تَهْجُمُ عَليهِ اللّوابِسُ} والعارفُ هنا هو الذي يُتابع ويربط المقدّمات ببعضِها ليحصل على النتائج المتوقعة، فهو لا ينتظر النّتائج من دونِ ان يُتابع المقدّمات، ولذلك لا يُفاجَأ بشيء.
اذا أردنا ان نعرف ما الذي يجري الان، علينا ان نعرف ما الذي حصَل بالامس، فما يجري اليوم هو نتيجة لما جرى بالأمس، وما لم نعرف ما الذي جرى بالامسِ لا يُمكن ان نستوعبَ المتغيّرات الحاليّة ابداً، وإذا مُنعنا من معرفة المقدّمات في وقتها، لأيّ سببٍ من الاسبابِ، فلا ينبغي ان يمنعنا احدٌ عنها اليوم.
هي ليست دعوةٌ للانشغالِ بالماضي، كلّا، وانّما هي دعوةٌ لنكون جميعاً عارفينَ بزمانِنا، فلا نجترّ الفشل.
هذا من جانب، ومن جانبٍ آخر، فسنظلّ نستعجل الحلول بلا ثمارٍ ملموسةٍ، ونظلّ نظلم مَن لم يكن له ايّ دورٍ في صناعة المقدّمات ويفلت من العِقاب، او اللّوم على الأقل، من كان أساس البلاء وهذه النتائج.
فمثلاً أزمة الارهاب، والتي هي نتيجة للمقدّمات التّالية:
الف؛ هُروب عتات الارهابيّين من السّجون على شكل دفعاتٍ متكرّرة دامت طول (٨) سّنوات من حكم رئيس الحكومة السّابق، ولم نعرف لحدّ الان كيف؟ ولماذا؟ ومن المسؤول؟ على الرّغم من انّ كل المؤشّرات تَقُولُ ان (الفارّين) لعبوا دوراً مفصليّاً في التّخطيط لاحتلال نصف العراق من قبل التّنظيمات الارهابيّة.
باء؛ أحكام العفو الخاصّة عن عتات الارهابيّين (السّعوديّين) والتي تورّط بها أربعة مسؤولين في الحكومة السّابقة بعد مفاوضات (سرّية) مع الرّياض دامت (٤) سنوات أَفضت الى العفو عنهم وإطلاق سراحهِم وتسليمهِم الى الرّياض ليعودوا قادةً للارهاب لعبوا كذلك دوراً محوريّاً في احتلال نصف العراق.
مَن المسؤول؟ ولماذا؟ وكيف؟ لا أَحدَ يجرُؤ على السّؤال، فضلاً عن الدّعوة لمحاكمة المسؤولين الرئيسييّن عن هذه الخيانةِ!.
جيم؛ صفقات السّلاح الوهميّة او الفاسدة او المشبوهة، وتقدّر بالمليارات! كيف؟ ولماذا؟ ومن المسؤول؟! لا جواب!.
امّا الأزمة الماليّة الخانقة، فهي نتيجة المُقدّمات التّالية؛
الف؛ ضياع (٤٠٠) مليار دولار خلال فترة الحكومتَين السّابقتَين، فمَن المسؤول؟ وكيف؟ ولماذا؟ لا أحدَ يعرف!.
باء؛ الفساد المالي والاداري الذي استشرى في عهد الحكومة السّابقة، كيف؟ ولماذا حصل كلّ ذلك؟ لا أحد يدري! لأنّنا للان لم نرَ (عِجْلاً سَميناً) واحداً على الأقل خلفَ القُضبان ليحدّثنا عن كل ذلك!.
جيم؛ تستّر السيد رئيس مجلس الوزراء السّابق على كلّ ملفّات الفساد، كيف؟ ولماذا؟ ولمصلحة مَن؟ لا أحد يعرف لانّهُ لا احد يجرُؤ على السّؤال! على الرّغم من انّ الموما اليه ظلّ يعدُنا بفتحِها مدّة (٨) سنوات ولكن طال الانتظار!.
ثمّ نتساءل؛ لماذا كلّ هذا الذي نراهُ اليوم يعصف بالعراق والعراقيين؟!.
ان عدم الاهتمام بالمقدّمات لكلّ حالةٍ من حالات الفشل، دليلٌ على عدم الاكتراث بِما يجري، وهو دليل غياب روح المسؤولية التي اذا كانت حاضرةً لعرفنا السّبب ليبطُلَ العجب!.
لذلك فليس عبثاً ان نُكرّر في نصِّ الزيارة الواردة عن المعصوم (ع) القول؛ {اللهُمَّ الْعَنْ أوّلَ ظالِم ظَلَمَ حَقَّ مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد} وهي إشارة رائعة وواضحة لتحديد تلك المقدّمات لهذه النتيجة، قتلُ سِبْطِ الرسول الكريم (ص) فلولا تلك المقدِّمات لما شهدنا النتيجة المأساويّة (عاشوراء).
انّ التّغافلَ عن البحث في المقدّمات بمثابةِ الخيانة العُظمى، لا يتورّط بها الا الفاسِدون والمستفيدون والخائِفون وأبواق (القائد الضّرورة) فلْنحذر ان نكونَ منهم.