(لا ترادف بين الحب والغباء)
حالةٌ….. شعورٌ….. مفهومٌ تكلّم به الأدباء والشعراء والمختصّون في علم النفس والإجتماع وعلماء الدين والفلسفة….. كل شعب، كل مجتمع لا بل كل فرد صاغ له تعريفاً مبنياً على متغيرات ذاتية وتجارب شخصية.
هو الحب…. الكل يتغنّى به، والبعض يتحسّر على أنّ العمر قد فات دون أن يختبر ماهيته أو حتى بعضاً من تجلياته…… فهل الحب صدفة جميلة تطرق بابنا ونحن في غفلة من أمرنا، أم أنّه قضية سامية تستلزم منّا العمل لأجل الوصول إليه أو ربما المحافظة عليه؟!!!
قد يجد البعض في السؤال أعلاه مجرد سخافة، فالحب في خطاباتهم أشبه بوحيّ يوحى!! هو سحر لقاء العيون التي لا تلبث أن ترديك قتيل الهوى!! هو الحالة التي لم ولن يخطط لها مسبقاً!! هو شعور يعتريك فلا ترى من الآخر سوى حسناته متغاضياً عن كل عيوبه!!!
لن أستعجل في إبداء رأيّ الذاتي في هذا الحب “المجنون”….. لكنّي سأتساءل: إذا كانت لحظة الإنبهار الأولى المبنية على الشكليات فقط هي من تقوم بدرء العيوب خلف ستار من الإنفعالات الغريزية الملتهبة….. فكم من الوقت سيستمر ذلك العمى؟؟ وما هو الثمن لإستمراره؟؟ وكيف يمكن إنقاذه وانتشاله من الظلمة الى النور؟!!!
يؤكد الكثيرون، وبشكل أدق الكثيرات، ممن عشن تجربة حب في مجتمعاتنا البطركية أنّ الرجل غالباً (ولا نقول دائماً، خوفاً من الوقوع في فخّ التعميم) ما يماهي بين الحب والتملّك، فتصبح الحبيبة لديه (كما الزوجة لاحقاً) ملكية خاصة يفترض أن تتبلور شخصيتها وحياتها وكافة معاشها اليومي بناء الى نظرة الرجل ورؤيته، فهو من يأذن بالخروج والدخول ويحدّد المسموح والممنوع من العلاقات والحركات واللباس….. الخ.
لا ننكر أنّ هناك بعض الحالات التي تكون فيها المرأة هي من يسيطر عليها حبّ التملّك، وهو ما يبرز لديها على شكل غيرة عمياء غير مبررة، لتتحوّل شيئا فشيئا من حبية وزوجة الى كابوس يكتم أنفاس الرجل.
وسواء كان الرجل متملّكاً (وهو في هذه الحالة لا ينظر الى المرأة سوى كجسد للمتعة) أو المرأة (التي تبتغي السيطرة كنزعة تعويضية في مجتمع بطركي) فإستمرار هكذا علاقة مع وعيها يعني مزيدا من التعقيد النفسي والإجتماعي الذي يحمل في ذاته بذور خيانة نفسية وروحية قبل أن تكون جسدية، لأنّ أحد الطرفين رافض وجود الآخر. ونرجح في هذا المجال أنّ المرأة التي طالما تعنونت حياتها بالتضحية هي من ستدفع الثمن أكثر. فالرجل في المجتمع البطركي ولأسباب ترتبط بأحكام قيمية هو أقل التزاماً بالآخر ما لم هناك حالة زواج موثّقة بالأبناء.
يبقى أن نقول أن الحب أو المحافظة على الحب هو برأينا قضية سامية بحجم العبادة والألوهية. قضية ليس من السهولة أن نصونها ما لم نؤسس لها بدعائم الإحترام والحرية والحوار والمشاركة والتفاهم الإيديولوجي…… الحب ليس ان يتماهى طرف بالآخر حدّ الذوبان بل التقارب حدّ التماهي.
قد يقول البعض أنّ ما أدعو إليه لم يعد حباً طالما استدعى وجود العقل والتفكير والمنطق…. وهذا الكلام في نظري هو نتيجة لما أسست له الفلسفة اليونانية من جعل الإنسان كائن قائم على الثنائيات: الجسد/ الروح، القلب/ العقل، المرأة/ الرجل….. وهو منطق مشوّه يهمل الهوية الشمولية للإنسان.
أن تعيش تجربة الحب بكلّ رقيها وجمالها وبكلّ فيها من أخطاء وهفوات تلك هي التجربة الأسمى في الحياة….. تلك هي التجربة التي تستدعي حضور قلبك وعقلك وروحك في الآن عينه.
(سوسان جرجس)
(لا ترادف بين الحب والغباء)
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا