لا تثقوا بالولايات المتحدة :
(33) مذبحة أندونيسيا وتيمور الشرقية :
أمريكا قتلت مليون أندونيسي وذبحت ربع سكّان تيمور الشرقية من أجل الديمقراطية
—————————————————————
ترجمة واعداد : حسين سرمك حسن
قال “ريشارد نيكسون” في عام 1967 يصف ظفر الولايات المتحدة بالسيطرة على مقدّرات إندونيسيا :
“بالمائة مليون من سكانها ، وبجزرها المتقوّسة على امتداد ثلثمائة ميل محتويةً على أغنى مخزون من الموارد الطبيعية ، فإن إندونيسيا هي الجائزة الكبرى لأميركا في جنوب شرق آسيا”
(تمهيد- لمحة عن إندونيسيا- أمريكا ناصبت سوكارنو العداء منذ البداية – أمريكا تبدأ حمّام الدم الإندونيسي- جنين العولمة في آسيا قد بدأ حياته في رحم حمّام الدم الإندونيسي- قتل مليون إنسان يعني علامة تحوّل إيجابي- صحافة أمريكا للديمقراطية تهلّل للمذبحة- مذبحة تيمور الشرقية- الصحفية آمي غودمان تصف المجازر- تسلسل حوادث مذبحة تيمور الشرقية- تغطية أمريكا المذبحة سياسيّاً- الرئيس المؤمن يدعم مرتكبي المذبحة- الصحافة الأمريكية الديمقراطية رحّبت بمجزرة تيمور أيضاً- هذا هو ثمن المذبحة : النفط الممزوج بالدم- سفالة توني بلير- البنك الدولي وتدمير اقتصاد إندونيسيا وإبادة شعبها: إندونيسيا هي التلميذ النموذج للعولمة، البنك الدولي يدمّر زراعة إندونيسيا، مؤتمر الفرهود الدولي، عودة إلى اعترافات القاتل الإقتصادي، شبكة الفساد الرهيبة، لمحة عن دور والدة الرئيس أوباما في تدمير إندونيسيا- دور المحتال اليهودي بول ولفويتز منظّر حرب احتلال العراق في خراب إندونيسيا ومذابح تيمور الشرقية- أخيرا سقط المحتال اليهودي بسبب زيادة راتب عشيقته دون وجه حق- السفّأح سوهارتو هو محبوب الولايات المتحدة وبريطانيا المدافعتين عن الديمقراطية وحقوق الإنسان- وتحقّقت خطة الخراب- فأبلغت وزيرة خارجية أمريكا العميل سوهارتو بنهاية دوره- ملاحظة عن هذه الحلقات).
# تمهيد :
———
لا تنتهي سلسلة الجرائم التي اقترفتها الولايات المتحدة الأمريكية بحق شعوب العالم . ولكن مذبحة إندونيسيا التي قام بها الجنرالات الذين دعمتهم أمريكا وبالسلاح الأمريكي ثم ما ارتبط بها من مجزرة في جزيرة تيمور الشرقية على أيدي الجنرالات أنفسهم هو حدث مروّع ينبغي الإستمرار في التذكير به ولا يجوز نسيانه أو طي صفحاته من السجل التاريخي لجرائم الولايات المتحدة التي تكشف زيف ما تدّعيه من مزاعم كاذبة عن نصرة الديمقراطية والدفاع عن الحرية وحمل لوائها المقدّس . تكشف هذه المذبحة الروح الوحشية السادية التي حكمت البنية النفسية للولايات المتحدة من جانب وسفالة وانحطاط الساسة الأمريكيين من جانب آخر . هؤلاء الساسة هم عبيد عجل الذهب الدولار وخدم شركات السلاح والبترول الذين يضمنون حاضرهم السياسي ومستقبلهم المالي والمهني من خلال ذبح الشعوب المسكينة تحت أغطية تلك الشعارات البرّاقة ، ولا يختلف في ذلك الرئيس المؤمن عن الرئيس الشاذ ، والعلماني عن الأصولي .
# لمحة عن إندونيسيا :
———————
إندونيسيا، رسمياً جمهورية إندونيسيا ؛ هي دولة تقع في جنوب شرق آسيا، وتضم 17508 جزيرة. ويبلغ عدد سكانها حوالي 238 مليون شخص حسب إحصاء عام 2010، وهي رابع دولة من حيث عدد السكان، وأكبر عدد سكان في العالم من المسلمين. عاصمة البلاد جاكرتا. يشترك البلد بحدود برية مع بابوا غينيا الجديدة وتيمور الشرقية وماليزيا. وتشمل الدول القريبة الأخرى سنغافورة والفلبين وأستراليا والأراضي الهندية من جزر أندامان ونيكوبار. استقلت إندونيسيا من الاستعمار الهولندي بقيادة سوكارنو في 27 ديسمبر 1949. تعتبر من مؤسسي حركة عدم الإنحياز ، واتبعت نظاماً رئاسياً يقوم على التمثيل الديمقراطي أيضا ، وكان الحزب صاحب القاعدة الشعبية الأكبر في البلاد هو الحزب الشيوعي الإندونيسي (PKI) (ويكيبيديا) ، حيث أشارت بعض الاحصائيات إلى أنه كان أكبر حزب شيوعي في العالم خارج الاتحاد السوفيتي وأن عدد أنصاره كان يتراوح بين 2 – 4 ملايين خصوصا بين الفلاحين.
# أمريكا ناصبت سوكارنو العداء منذ البداية :
——————————————-
إندونيسيا بعد تحرّرها من الهولنديين حكمها القائد القومي سوكارنو . تحمّلت الولايات المتحدة الوضع الاستقلالي الجديد لهذا البلد على مضض خصوصا بعد أن قمع سوكارنو والجيش انتفاضة فلاحية قام بها الحزب الشيوعي الأندونيسي عام 1948 وسجن 36000 إنسان . ولكن سرعان ما ثبت أن الإلتزام القومي والطريق المستقل لسوكارنو لا تقبله الولايات المتحدة . كان الجيش والحزب الشيوعي متقابلان وسوكارنو بينهما . اختارت الولايات المتحدة الجيش بطبيعة الحال وصمّمت على القضاء على الحزب الشيوعي . وعندما فشلت تلك الوسائل اختارت الإبادة الجماعية . في 1957 – 1958 ساندت واشنطن محاولة انقلابية ضد سوكارنو تضمّنت محاولة لاغتياله ، ثم محاولة ابتزازه بفيلم جنسي زائف ، ثم محاولة انقلابية شارك فيها طيارون أمريكيون بإلقاء قنابل على القصر الرئاسي لكن سوكارنو نجا . بعد إخماد الإنتفاضة تحوّلت الولايات المتحدة إلى المساعدة العسكرية والتدريب وخفض المعونة الاقتصادية وهو النموذج الكلاسيكي للتحضير للإنقلابات كما حصل في تشيلي . بدأت الولايات المتحدة تخيف العسكريين من قرب سيطرة الحزب الشيوعي – ومن ورائه الإتحاد السوفيتي – على الحكم .
# أمريكا تبدأ حمّام الدم الإندونيسي :
———————————-
بعد الإدعاء بوجود محاولة انقلابية أعدّها الشيوعيون في 30 أيلول 1965 ، وقَتْل ستة جنرالات أندونيسيين ، تولى الجنرال سوهارتو الموالي لأمريكا السلطة .. وبدأ حمّاماً من الدم ذبح فيه ألوفا من الناس كانوا بمعظمهم من الفلاحين الذين لا يملكون أرضا ً .. وقد قال في شهادته المكتوبة أن “الجثث تُركت مُمدة كشكل من صدمة علاج” . لم يُعرف حجم المجزرة بالضبط . قدّرت المخابرات المركزية عدد القتلى بـ 250,000 ، لكن رئيس جهاز أمن الدولة الأندونيسي قدرهم لاحقا بنصف مليون . أما منظمة العفو الدولية فقد أعطت رقما “أكثر بكثير من مليون” . كانت مذبحة لا تُصدق . وتم اعتقال 750,000 ألف آخرين تبعا للارقام الرسمية لسنوات طويلة ودون محاكمة . أطيح بسوكارنو وحكم العسكريون دون منازع .. وفُتحت البلاد أمام الإستغلال الغربي الذي لا ينافسه سوى شراهة الحكّام . وقد أشار خبراء – منهم مدير سابق لوكالة المخابرات هو (رالف مالك غيهي) – إلى أن وكالة المخابرات هي التي دبرت القصص المُلفقة للفظائع التي صارت اساسا للعنف الموجه ضد الشيوعيين ، ولم تثبت صلة الحزب الشيوعي بالمحاولة الانقلابية. وقد أرسل وزير الخارجية الأمريكي رسالة إلى السفير الأميركي في أندونيسيا يطلب فيها استمرار الحملة ضد الشيوعيين وتعزيز حكم العسكر لشن حملة كبرى ضد الشيوعيين . بدأ إرسال أسلحة وطائرات أمريكية وأجهزة اتصال إلى جنرالات إندونيسيا . ظهر أن تشجيع الولايات المتحدة للجيش للقيام بهذه المذبحة يعود إلى عام 1964 . كانت برقيات السفارة تشير إلى أن إبادة الشيوعيين مستمرة بنشاط .. في بداية شباط 1966 أُعلم الرئيس جونسون بذبح 100 ألف شيوعي . بدأ الفرح بالمذبحة في أمريكا . وعند مثوله أمام مجلس الشيوخ سُئل وزير الدفاع روبرت ماكنمارا ما إذا كانت المعونة العسكرية الأمريكية لأندونيسيا قد أتت أُكُلها ، فأجاب نعم أتت أكلها فعلا ، أما أكلها فكانت أكواما من الجثث . وفي اتصال لمكانمارا مع الرئيس جونسون قال إن المعونة الأميركية للجيش الأندونيسي شجعته على التحرك ضد الحزب الشيوعي . والأهم – كما قال – استقدام العناصر العسكرية الأندونيسية لتدريبها في واشنطن . لم يدن الكونغرس المذبحة .. وصارت أندونيسيا تحت رحمة البنك الدولي وأصبحت ثالث أكبر مقترض في العالم . (تشومسكي : الغزو مستمر، طموحات امبريالية، الدولة الفاشلة) .
# جنين العولمة في آسيا قد بدأ حياته في رحم حمّام الدم الإندونيسي :
——————————————————–
الرئيس سوكارنو قام بطرد البنك الدولي ورفض قروضه وقال : “ليذهبوا هم وقروضهم إلى الجحيم” . كما كان مؤسس حركة عدم الإنحياز وشجّع الحركات النسوية والثقافية ونقابات العمال والفلاحين . وقد أقرّ حرّية تشكيل الأحزاب وكان الحزب الشيوعي في المقدمة حيث بلغ عدد منتسبيه أكثر من مليون بسبب دفاعه عن مصالح الفقراء .
كشفت وثيقة سرّية بين رئيس وزراء بريطانيا هارولد ماكميلان والرئيس الأمريكي جون كنيدي أن القرار قد أقر على “تصفية” سوكارنو ، ولكن لم يتم التحديد هل تتم التصفية بالقتل أو الإقصاء.
سلّمت الولايات المتحدة قوائم بخمسة آلاف قيادي في الحزب الشيوعي ، وكان المسؤولون الأميركيون يقومون بحذف اسم من يقتله الجيش الإندونيسي . (أبلغنا سوهارتو ومستشاريه بأننا إذا أردنا الإبقاء عليهم أحياء ، فإنّ علينا أن نتولى إطعامهم !”) . وزوّدت الجيش بشبكة من الإتصالات الميدانية ذات الترددات العالية التي كانت تتيح للرئيس جونسون ومستشاريه ووكالة المخابرات سماع كل شيء في اندونيسيا ومتابعته في واشنطن.
السفير الأمريكي كان هو “مارشال كرين” ويُلقب بـ “سيد الانقلابات – coup master” ووصل بعد شهور من الإطاحة بالزعيم الكوري “سيجمان زي” الذي كان الأمريكيون وراء إزاحته من السلطة بانقلاب كان كرين عقله المدبر .
وزّعت السفارة الامريكية كتيبات حول التنظيم الطلابي مكتوبة بالكورية والجنوبية على جبهة العمل الطلابي الإندونيسي التي كان قادتها يحظون برعاية وكالة المخابرات المركزية الأميركية . وكان يخبر سوهارتو في ذروة الأزمة : “إن الولايات المتحدة تتعاطف بوجه عام مع ما يفعله الجيش ، وتشعر بالإعجاب تجاهه” .
اعتبرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية الديمقراطية ما حصل في إندونيسيا من مجازر رهيبة : “شعاع من الضوء في آسيا”.
امتلأت الأنهار بالجثث التي تراكمت فيها مثل الكتل الخشبية ، فمن قرية إلى أخرى كان الشبان يُذبحون بلا سبب ، ويُستدل على مصرعهم بتلك الصفوف من أعضاء ذكورتهم المُجتثة من أجسادهم .
ظهر بعد المؤامرة أن ولا ضابط من المعتقلين المتهمين له علاقة بالحزب الشيوعي.
مجلة “الإسترالي” وصاحبها روبرت مردوخ ، وهي الوحيدة التي توزع على المستوى الوطني كانت تمدح سوهارتو وتنفي المجازر الدموية . ورئيس تحريرها كان يكتب عن سوهارتو بـ “لا يوجد بديل لسوهارتو” وذلك قبل وقت قليل من الإطاحة به ويصفه بالمعتدل. وسوهارتو وقت المؤامرة كان قائد منطقة جاكارتا واستولى على الحكم .
# قتل مليون إنسان يعني علامة تحوّل إيجابي :
——————————————–
رئيس وزراء استراليا هارولد هولت قال : “عندما يتم التخلّص مما يتراوح بين خمسمائة ألف ومليون من المتعاطفين مع الشيوعيين ففي اعتقادي أنه يمكن القول بكل طمأنينة أنه قد حدث تحوّل في التوجّه” . وفي جزيرة بالي فقط كلّفت عملية إعادة توجه واحدة قتل 80 ألف شخص . الكثير من الضحايا دُفنوا في أرضيات مواقف السيارات.
كانت أحداث إندونيسيا النموذج لأحداث تشيلي لاحقاً حيث دُبّرت مؤامرة يسارية لاغتيال القادة العسكريين التشيليين مثل ما حصل في إندونيسيا ، وهي النموذج لعملية العنقاء – operation phoenix في فيتنام والتي كلّفت 50 ألف قتيل (جزن بيجلر : كتاب حكام العالم الجدد ، تشومسكي : الغزو مستمر).
# صحافة أمريكا للديمقراطية تهلّل للمذبحة :
——————————————
الصحف “الديمقراطية” الأمريكية هلّلت للمذبحة ؛ التايم قالت : أفضل ما تلقاه الغرب من أخبار من آسيا منذ سنوات . وخصصت خمس صفحات للموضوع عنوانه “إنتقام مع ابتسامة” بالإضافة إلى نشر ست صفحات تحمل صورا “لحمام الدم المتدفق الذي أودى بـ 400,000 نسمة دون أن ينتبه أحد تقريبا” . نيويورك تايمز كتبت : “شعاع من نور من آسيا” على حدّ وصف “المفكر” البارز “جيمس ريستون” مؤكدا – في نشوة – أن للولايات المتحدة يدا بيضاء في هذا الإنتصار .. 700,000 قتيل !! الإيكومونست قالت عن سوهارتو إنه “احتل مكانه في القلب”. واشنطن حريصة على عدم ادّعاء الفضل في هذا التحوّل لكن هذا لا يعني أن لا يد لها في الأمر ” .
# مذبحة تيمور الشرقية :
————————
# تيمور هي واحدة من مجموعة الجزر الأندونيسية ؛ قُسمت عام 1859 بين البرتغال وهولندا التي كانت تحتل إندونيسيا . استقل القسم الغربي (تيمور الغربية) من الإحتلال الهولندي عام 1949 وصار جزءا من أندونيسيا . أما تيمور الشرقية فكان مقررا أن تنال استقلالها من الحكم البرتغالي عام 1978 لكن أندونيسيا غزتها وضمتها عام 1976 . المساحة 40 ألف كم2 ، والعاصمة ديلي . برزت تيمور بالعدوان الأندونيسي عليها خريف 1990 والذي تم تحت غطاء حرب الحليج التي شنتها امريكا وبريطانيا على العراق.. اختار 80% من مواطني تيمور الاستقلال فذُبحوا كلهم .. وقتل ما يقارب 200,000 مواطن . ثم برزت محنة تيمور ثانية في تشرين الثاني 1991 عندما ارتكبت أندونيسيا خطيئة حمقاء بأن نفّذت مجزرة في العاصمة ديلي أمام كاميرات التلفزيون وضربت بقسوة اثنين من الصحفيين الأمريكيين هما : آلان نيرن وآمي غودمان .
# الصحفية آمي غودمان تصف المجازر :
————————————–
تتحدث آمي غولدمان مؤلفة كتاب (الاعتراض على الحكام – فضح الساسة المتملقين، ومستغلي الحروب، ووسائل الإعلام التي تحبهم) عن الحوادث المريرة التي تعرّضت لها يوم كانت تغطي الاحداث في تيمور الشرقية سنة 1991، فتقول: كان الجنود (الإندونيسيون) يتقدمون ببطء على الطريق، وبنادقهم الأمريكية من طراز “ام -16” مشرعة جاهزة للاطلاق.. كان ذلك يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني ،1991 وهو يوم سيظل محفوراً في ذاكرتي وعلى صفحات التاريخ. كنت في مدينة “ديلي” عاصمة تيمور الشرقية، الجزيرة الصغيرة الواقعة على بعد 300 ميل شمالي استراليا. وكانت تيمور الشرقية قد احتُلت بوحشية من قبل القوات الاندونيسية على مدى ستة عشر عاما، منذ غزتها سنة 1975. وكان الجيش الاندونيسي قد عزل تيمور الشرقية عن العالم الخارجي وحوّلها الى ميدان يمارس فيه القتل والبطش، حيث أسفر ذلك عن مقتل ثلث السكان (اي نحو 200 ألف شخص)، ضمن واحدة من أبشع مجازر الإبادة الجماعية التي شهدتها أواخر القرن العشرين.
وتتابع المؤلفة قائلة: كنت قد خرجت للتو من قداس في الكنيسة الرئيسية في (ديلي)، مع الصحافي والناشط السياسي (الان نيرن)، الذي كان تلك الايام يكتب في صحيفة (ذي نيويوركر). بعد القداس، زحف آلاف الاشخاص نحو مقبرة (سانتا كروز)، لزيارة قبر (سيباستياو كوميس)، وهو أحد شبان كثيرين قتلهم الجنود الاندونيسيون. كان الناس قد تقاطروا من كل مكان من اماكن العمل، ومن المنازل، والقرى، والمزارع. ومروا خلال ذلك في اماكن يحمل كل منها ذكرى مؤلمة، ففي كل مبنى تقريباً كان التيموريون قد عانوا الاحتجاز او التعذيب او الاختفاء او القتل.. سواء كان ذلك المبنى مركز شرطة، أو ثكنة عسكرية، أو فندقاً أو مسكناً لموظف او غير ذلك، فلم يكن أي مكان بمنأى عن الارهاب، ولم تسلم الكنيسة ذاتها من ذلك، كانت الساعة تقارب الثامنة صباحآً حين بلغنا المقبرة.
وتتابع المؤلفة رواية ما حدث قائلة: كنا خلال الطريق نسأل الناس، لماذا يشاركون في المسيرة، ولماذا يعرّضون حياتهم للخطر جراء ذلك ، وكانوا يجيبون : أنا أفعل ذلك من أجل أمي . أنا افعله من اجل أبي. انا افعله من اجل حريتي.
سمعنا على البعد جلبة غامضة مخيفة، ووقعاً متزامنا. وفجأة رأيناهم. مئات كثيرة من الجنود الاندونيسيين يتقدمون على الطريق، في صفوف يضم كل منهم اثني عشر الى خمسة عشر جنديا. خيم الصمت على الناس.
كنا نعلم ان الجيش الاندونيسي قد ارتكب العديد من المجازر في الماضي، ولكنه لم يسبق ان ارتكب مجزرة امام الصحافيين الغربيين. اقترح (ألان) ان نسير في مقدمة الجمهور، على أمل ان يحول وجودنا دون وقوع هجوم وشيك. اعتمرت سماعة الرأس، وأخرجت جهاز تسجيلي – وكنت معتادة على إخفاء هذه الادوات لكي لا أعرّض التيموريين الذين يتحدثون إليّ للخطر – ورفعت ميكروفوني مثل راية. ووضع “ألان” آلة تصويره فوق رأسه، ومضينا ووقفنا في منتصف الطريق، متقدمين على الجمع بنحو خمس عشرة ياردة وكنا نأمل في أن اظهار ادواتنا ومعداتنا المهنية على نحو واضح سوف ينذر الجنود ويشعرهم بأنهم مراقبون.
وتتابع المؤلفة قائلة: ران الصمت على التيموريين. كان بوسع الناس الموجودين في الخلف ان يهربوا، ولكن آلاف الناس الموجودين في المقدمة كانوا محصورين بين جدران المقبرة التي تحف بجانبي الطريق. وكان الصوت المهيمن هو وقع احذية الجنود تدق ارض الطريق بينما هم يتقدمون من الناس بانتظام. كان الاطفال يتهامسون وراءنا. وبعد ذلك، وعلى حين غرة، ومن دون توجيه اي تحذير أو انذار، ودون اي استفزاز للجنود، طوق الجنود الزاوية، وتجاوزونا مندفعين وهم يرفعون بنادقهم الأمريكية الصنع، وفتحوا النيران.
تفرّق جمع الناس، واستمر الجنود في اطلاق النار، وهم يحرّكون بنادقهم من اليسار الى اليمين، ويقتلون كل من كان ما يزال واقفاً على قدميه.
احاطت بي ثلة من الجند. وبدأوا يهزّون ميكروفوني في وجهي وكأنهم يقولون: هذا هو ما لا نريده. ثم طرحوني ارضا بأعقاب بنادقهم وراحوا يركلونني بأحذيتهم، بينما كنت اشهق وانا اتنفس بصعوبة. ألقى “ألان” بنفسه فوقي لحمايتي من المزيد من الأذى.
كان الجنود يقبضون على بنادقهم طراز “ام – 16” بإحكام مثل مضارب البيسبول، وهم يقرعون رأس “ألان” بها حتى كسروا جمجمته. انطرح “ألان” في الطريق متشنجاً، عاجزاً عن الحركة وقد غطته الدماء وفجأة اصطف نحو دزينة من الجنود مثل فرقة إعدام. وصوبوا بنادقهم نحو رؤوسنا، وهم يصرخون: (سياسيون، سياسيون). وكانوا يتهموننا بأننا معنيون بالسياسة، وهي تهمة يبدو ان عقابها هو الإعدام.. وصرخوا يسألوننا: “أأنتم من استراليا؟”.
أدركنا ما تنطوي عليه خطورة هذا السؤال. ففي اكتوبر/تشرين الاول ،1975 أعدم الجنود الاندونيسيون خمسة صحافيين ينتمون الى محطة تلفزيونية مقرها استراليا، في محاولة للتغطية على اجتياح عسكري ادى الى غزو تيمور الشرقية في 7 ديسمبر/ كانون الاول 1975. وفي 8 ديسمبر/كانون الاول، جرّ الجنود الاندونيسيون الصحافي الاسترالي روجر ايست، وهو الصحافي الغربي الوحيد الذي بقي في تيمور الشرقية، واخرجوه من محطة الاذاعة في “ديلي”، واقتادوه الى الميناء، ثم اطلقوا عليه النار.
وبعد ستة عشر عاما من ذلك، وبينما كنت أنا و”ألان” مطروحين ارضا، محاطين بالجنود الاندونيسيين، صرخنا نجيب: “كلا، نحن من امريكا”. وكانوا قد جردونا من ممتلكاتنا، ولكني كنت ما أزال احتفظ بجواز سفري، فقذفت به اليهم. وحين استعدت انفاسي، قلت ثانية: “نحن من امريكا! امريكا!”.
انزل الجنود في آخر الامر بنادقهم عن رؤوسنا، واعتقد ان ذلك كان لأننا ننتمي الى البلد الذي جاءت منه اسلحتهم. فهم، لو قتلونا، فسوف يدفعون ثمناً، لم يكونوا مضطرين لدفعه على قتل التيموريين.
وتختم المؤلفة هذه الرواية بالقول: في ذلك اليوم، قُتل 271 تيمورياً على الاقل، خلال ما صار يُعرف باسم “مذبحة سانتا كروز”. واستمرت القوات الاندونيسية في القتل اياماً اخرى. ولم تكن تلك احدى المذابح الكبرى في تيمور الشرقية، ولن تكون الاخيرة. وكل ما في الامر انها المذبحة الاولى التي يشهدها الغرباء.
# تسلسل حوادث مذبحة تيمور الشرقية :
————————————-
في استفتاء 30 آب 1999 صوت السكان باغلبية ساحقة من أجل الإستقلال وفورا تصاعدت الأعمال الوحشية وأكدت الأمم المتحدة صلة الجيش بالميليشيات وعطل كلنتون تشكيل قوة دولية . ولم تعرف الطائرات الأمريكية كيف تلقي مساعدات غذائية على نصف السكان المحاصرين أو الهاربين في الجبال وقتل منهم الآلاف . بعد القيام بمذبحة ضخمة في 1977 و1978 بدعم من حكومة كارتر واستمرت تسعة شهور طويلة من المجاعة والإرهاب . كلها قامت بها قوات تي إن آي والمجموعات التابعة لها مثل وحدات كوباسوس الإجرامية التي دربتها وسلحتها الولايات المتحدة .. وصلت مبيعات الأسلحة إلى أكثر من مليار دولار منذ غزو 1975 وزادت المساعدة العسكرية في عهد كلنتون إلى 150 مليون دولار .
كانت واشنطن تقول ليس لدينا كلب يشارك في سباق في تيمور الشرقية . يذكر موينيهان أن 60,000 ألف قُتلوا أي 10% من السكان . ووصلت الفظائع ذروتها في 1977 و 1978 حيث شن الجيش هجوما مُدمرا قتل آلاف السكان الذين فرّوا إلى الجبال . أعلنت المصادر الكنسية ذات المصداقية تقديرات بمائتي ألف قتيل اعتُرف بها بعد سنوات . قدم الرئيس المؤمن كارتر الأسلحة . كان مستشار روزفلت قد قال عن تيمور “هذه الأرض يجب أن تُمنح الإستقلال ولكن بعد ألف عام” . ولكن شعب تيمور عظيم كذّب التوقع .. لقد قُتل منه 50 ألف مواطن وهم يحمون فريقا صغيرا من الكوماندوس الإستراليين في الحرب الثانية ضد اليابان ثم ذبحتهم استراليا . ثلث السكان ضحايا للأعوام الأولى من الغزو الأندونيسي عام 1975. في عام 1999 اختار 80% الاستقلال فذبح أولا 3 – 5 آلاف مواطن ببشاعة .. وتحول جزء كبير من البلاد إلى رماد .. ثم قتل 10 آلاف خلال اسبوعين بحسب الأسقف فيليب بيلو الحائز على جائزة نوبل للسلام والذي طُرد تحت الرصاص وأحرق منزله . القوات كانت بقيادة الجنرال ” مكارم ” أخصائي استخبارات مُدرَّب في أمريكا يمتلك خبرة في تيمور وسمعة بارتكاب الأعمال العنيفة . اتبعت وحدات كوباسوس برنامج فونيكس الأمريكي للإبادة الذي ابتع في فيتنام والكونترا في نيكاراغوا بقتل ليس الناشطبن حسب بل المعتدلين الذين قد يؤثرون في جماعتهم والمنظمات الأهلية والصليب الأحمر والصحفيين !! . وقبل الإستفتاء صرّح قائد الجيش : “أريد أن أنقل ما يلي : إذا ربح المؤيدون للإستقلال سيُدمّر كل شيء وسيكون الأمر أسوأ مما كان عليه قبل ثلاثة وعشرين عاما، وستُنفذ المجازر من قرية إلى قرية” .
بحسب تقارير 1999 لم تتمكن بعثة الأمم المتحدة في تيمور الشرقية من تسجيل أكثر من 150 ألف نسمة من عدد السكان الذي قُدّر بثمانمائة وخمسين ألفا . أفادت أن 260 ألف يعانون في مخيمات قذرة تحت سيطرة الميليشيات . تمت إعادة توطين 100 ألف في مناطق أخرى من أندونيسيا ويفترض أن البقية يختبئون في الجبال . اللاجئون يتضورون جوعا وعمليات اختفاء لا تفسر مستمرة . التحقيقات والمحاكم كانت مَسْخَرة والجنرالات مطمئنون لدعم الولايات المتحدة واستراليا .
كان يوم الغزو لتيمور بواسطة إندونيسيا في 7 كانون الأول 1975 بعد مغادرة الرئيس الأمريكي جيرالد (والكثيرون يعتبرون فورد مجرم حرب يجب محاسبته بسبب سماحه لأندونيسيا باستعمال الأسلحة الأمريكية لإبادة شعب تيمور الشرقية، وسكوته على تلك المذابح لمدة ربع قرن)، ومستشاره هنري كيسنجر مجرم الحرب المعروف للبلاد بثلاث ساعات قام الجيش الإندونيسي بشكل غير شرعي بغزو الجزيرة وسبب ذلك موت 100– 200 ألف شخص. وخلال التصويت على معاقبة حكومة جاكرتا صوّتت الولايات المتحدة إلى جانب الغزاة. وقد سمحت مشاركة الأمريكيين للغزاة باستخدام قنابل النابالم من أجل إخضاع سكان الجزيرة في ظروف وصفتها بعثة برلمانية أسترالية بالمذبحة التي لم يرتكب مثلها أبداً منذ الحرب العالمية الثانية. ومنذ ذلك الحين قدمت الإدارات الأمريكية المختلفة مليارات الدولارات للحكومة الإندونيسية ومنها 400 مليون دولار كمساعدة اقتصادية من إدارة الرئيس كلينتون الذي باعها أيضاً سلاحاً بقيمة 270 مليون دولار. (بيجلرر : حكام العالم الجدد، تشومسكي : الغزو مستمر، الدول المارقة، مواقع إنترنت مختلفة، ويكيبيديا).
# تغطية أمريكا المذبحة سياسيّاً :
——————————–
في كانون الأول عام 1975 أمر مجلس الأمن أندونيسيا بسحب قواتها الغازية من تيمور الشرقية دون تأخير . ودعا جميع الدول إلى احترام وحدة أراضي تيمور الشرقية وحق شعبها في تقرير المصير. لكن الولايات المتحدة رفضت فرض أي عقوبات اقتصادية أو أي وسيلة لتنفيذ هذا القرار ، ثم استجابت الولايات المتحدة بزيادة شحنات الأسلحة إلى المعتدين وسرّع كارتر من تدفق الأسلحة مرة أخرى حين وصل الهجوم مستويات قريبة من الإبادة الجماعية في 1978 . وافتخر السفير في الأمم المتحدة باتريك موينهان بنجاحه في جعل الأمم المتحدة غير فعّالة بشكل كامل في أية اجراءات اتخذتها متّبعا ارشادات وزارة الخارجية . وقبلت الولايات المتحدة بسعادة أيضا سرقة نفط تيمور الشرقية بمشاركة شركة أمريكية في انتهاك لأي تأويل معقول للإتفاقيات الدولية .
لم يشجب الكونغرس المذابح ولم تقدم أي وكالة أمريكية أي مساعدة .. التفوا على حظر التدريب العسكري بعد مجزرة ديلي عام 1991 بكل طريق مثل لم يحظر الكونغرس على أندونيسيا التدريب بأموالها هي . دعت الولايات المتحدة بريطانيا إلى الإغتناء من جرائمها في أندونيسا . وبدعم من ديمقراطيي مجلس الشيوخ تمكن كلنتون من إعاقة تحقيقات حقوق الإنسان المرتبطة بمساعدة أندونيسيا .
# الرئيس المؤمن يدعم مرتكبي المذبحة :
—————————————-
رأى كل ذي عينين مشاعر الرئيس الأميركي المؤمن جيمي كارتر العميقة تجاه جريمة الحرب المتمثلة بالعدوان من خلال رد فعله على الغزو الأندونيسي لتيمور الشرقية والذي لم يكن في هذه الحالة – انهاءً للاعتداء الإجرامي ضد السكان بل بدءاً له . وعندما قارب العنف الأندونيسي حد الإبادة الجماعية عام 1978 ، وشارفت مخزونات الأسلحة الأندونيسية حد النفاد ، زادت إدارة كارتر تدفق الاسلحة للحليف الأندونيسي زيادة حادة . وأرسلت له الطائرات من إسرائيل لتجنب عقبات الكونغرس .
# الصحافة الأمريكية الديمقراطية رحّبت بمجزرة تيمور أيضاً :
———————————————————–
كالعادة رحّبت الصحف الأمريكية المدافعة عن حقوق الإنسان مثل النيويورك تايمز والتايمز وكريستيان ساينس مونتر والإيكونومست بهذه المذبحة الرهيبة ووصفت المجزرة الجماعية الضخمة بأنها “معتدلة في الواقع” . ومدحت عواطف الجنرال سوهارتو الرقيقة و “وجهه ذا المنظر البرىء” .
# هذا هو ثمن المذبحة : النفط الممزوج بالدم :
———————————————-
بعد اسابيع على مجزرة ديلي وقّعت السلطات الأندونيسية الإسترالية المشتركة ستة عقود لاستكشاف النفط في تيمور وأعلن عن أحد عشر عقدا مع خمسة وخمسين شركة بحلول منتصف 1992 بما فيها شركات امريكية واسترالية وهولندية وبريطانية ويابانية . زادت بريطانيا مبيعات اسلحتها لسوهارتو وخططت لبيع سفينة حربية . وباعته 40 طائرة استخدم بعضها في سحق التيموريين .(تشومسكي : الغزو مستمر).
# سفالة توني بلير :
——————–
عندما تسلمت حكومة توني بلير السلطة في بريطانيا ، وأذاع روبن كوك وزير الخارجية بيانه الوزاري، التقى بالفائزين بجائزة نوبل للسلام عام 1997، المطران كارلوس بيلو وخوسيه راموس – هورتا، من تيمور الشرقية. وقد طمأنهما بأن بريطانيا لن تجيز بيع السلاح الذي قد يُستخدم في القمع الداخلي في بلدهما. وفي اجتماع عام في لندن بعد ذلك بقليل، استمعتُ إلى المطران بيلو يوجه مناشدة عاطفية إلى الحكومة قائلاً: “ أرجوكم، وأتوسل إليكم ألا تساعدوا على استمرار الصراع الذي لولا هذه المبيعات لكان يمكن ألا يندلع في المقام الأول، ولا أن يستمر طويلا”. ولعله كان يتحدث بلسان قسم كبير من البشر.
كان رد حكومة بلير زيادة شحنات الأسلحة إلى أندونيسيا تحت غطاء قانون الأسرار الرسمية. .. وفيما بعد 11 أيلولسبتمبر 2001، فيما كانت أميركا تتعرض للهجوم، كانت حكومة بلير تستضيف “معرضاَ للأسلحة” في دوكلندر بلندن حضره العديد من منتهكي حقوق الإنسان. احتراماً لضحايا الاعتداء على برجي مركز التجارة العالمي، اختصر مؤتمر الاتحاد العمالي العام إلى جانب مواعيد المباريات الرياضية والأحداث العامة. لكن معرض الأسلحة استمر. وبعد مرور وقت قليل على ذلك، في مقابلة مع ديفيد فروست، أعلن بلير أن الطريق إلى إلحاق الهزيمة بالإرهابيين هي إيقاف “ الأشخاص الذين قدموا لهم السلاح. ولم يقل فروست شيئا. (بيجلر : حكام العالم الجدد).
# البنك الدولي وتدمير اقتصاد إندونيسيا وإبادة شعبها :
—————————————————–
# إندونيسيا هي التلميذ النموذج للعولمة :
وقد اعتبر البنك الدولي إندونيسيا “التلميذ النموذج للعولمة” ، وخلال أربع سنوات هربت رؤوس الأموال وتهاوت سوق الأوراق المالية وقيمة العملة المحلية ، ووصل من يعيشون في فقر مدقع إلى 70 مليون . وفي 1998 أُجبر الديكتاتور السفّاح “سوهارتو” على التقاعد بعد 30 عاما مع 15 مليار كمكافأة تقاعد ، وهذا يعادل 13% من الديون الخارجية التي يعود معظمها إلى البنك الدولي . تقاعد السفّاح بعد أن أباد مابين 800,000 إلى مليون مواطن إندونيسي و200,000 مواطن من تيمور الشرقية !! كانت إبنة سوهارتو تملك طريقا تفرض فيه رسوما على العابرين ، كما قسّم سوهارتو مصادر الثروة بين أبنائه ، مثلما اختص الجنرالات والمُقرّبين منه بنصيب من ملكية البنوك والفنادق وقطاعات من الغابات .
يعمل آلاف العمال في إندونيسيا ويكسبون 72 بنسا أو نحو دولار واحد في اليوم ، وهو يوفّر نصف تكاليف المعيشة أي أجر يسد الرمق فقط ، العمال في مصانع “نيكي” يحصلون على 4% من سعر التجزئة للحذاء الذي يقومون بصنعه ، وهو مبلغ لا يكفي لشراء رباط الحذاء . ومع ذلك فهؤلاء العمال يُعتبرون محظوظين لأن لديهم وظائف فـ “النجاح الاقتصادي الديناميكي المزدهر” وهي عبارة ثناء أخرى من البنك الدولي قد ترك أكثر من 36 مليون من الإندونيسيين يعانون البطالة .
يقول البنك أن مهمته في أندونيسيا الإقلال من الفقر ولهذا قدّم 86 مليون دولار لبناء فندق “شانجري” بدعوى أنه “سوف يسهم في توفير وظائف منتظمة” ، ولكن بعد فترة قصيرة قام الفندق بفصل الغالبية من العمال بعد اضراب احتجاجا على انخفاض الأجور . قبل عام 1997 كان هنا عدد من البنوك يفوق ما موجود في أي مدينة على وجه الأرض ولكن نصفها لحق به الإفلاس بسبب فساد لا يمكن تصوّره .
خلال السنوات الخمس والثلاثين من حكم سوهارتو الديكتاتوري قدم البنك أكثر من ثلاثين مليار . وفي أغسطس 1997 كشف تقرير سري داخلي للبنك كُتب في جاكرتا عن الفضيحة العظمى في تاريخ التنمية حيث تضمن أن “ما لا يقل عن نسبة تتراوح بين عشرين وثلاثين في المائة من قروض البنك قد حُولت من خلال الدفع بطرق غير رسمية إلى أعضاء الحكومة الإندونيسية والسياسيين” . (بيجلر : حكام العالم الجدد).
البنك الدولي يدمّر زراعة إندونيسيا :
قدّم صندوق النقد قروضا تضمنت شروطا بإلغاء الرسوم الجمركية التي كانت مفروضة على المستورد من المواد الغذائية الأساسية . ونصّ خطاب صندوق النقد على أن تكون “التجارة في كل انواع الأرز مفتوحة لعامّة المستوردين والمصدرين” أما الأسمدة المخصبة والمبيدات فقد خسرت نسبة 70% من الدعم الذي كانت تقدمه الدولة لخفض ثمنها . وتعرض المزارعون للإفلاس واضطر أبناؤهم إلى الهجرة إلى المدن بحثا عن عمل ، وزيادة على ذلك فإنها تعطي الضوء الأخضر لشركات المواد الغذائية الأمريكية العملاقة للتقدم داخل أندونيسيا ، والمعايير المزدوجة تتمثل في هذه الشروط التي تخنق وطأتها الأنفاس ، فالأعمال الزراعية في الغرب خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا لم تحقّق فوائضها التي ذاع صيتها كما لم تحقق قوتها التصديرية إلّا نتيجة فرض الرسوم الجمركية العالية على الواردات المماثلة ومنح الدعومات المالية الداخلية الهائلة لها . وكانت النتيجة هي الوصول إلى احتكار المواد الغذائية الأساسية التي يقتات بها البشر في العالم . (جون ميدلي : نهب الفقراء).
مؤتمر الفرهود الدولي :
في نوفمبر 1967 عُقد مؤتمر للفرهود الدولي حيث جمع الشركات الكبرى (ديفيد روكفلر ، شركات نفط والمصارف الكبرى ، وجنرال موتورز وبريتش أمريكان توباكو ، وسيمنس ، وشركة الورق الدولية والشركة الأميركية للصلب) وأمامهم لجنة من ثلاثة مسؤولين إندونيسيين “تكنوقراط” يمثلون سوهارتو ، وتم توزيع ثروات البلاد على الشركات : النحاس والذهب والنفط وجوز الهند وكل شيء ..
وضعت الخطة بإيعاز من مؤسسة فورد التي كان لها تاريخ طويل في إندونيسيا وتعمل من خلال منظمات تشكل واجهة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية مثل مركز الدراسات الدولية ومؤسسة ستانفورد للأبحاث وأرسلت فريقا إلى جاكرتا ،وأعدَّ الخطة دافي كولي الاقتصادي بجامعة هارفارد والذي استُدعي لهذه المهمة من قبل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ، وهي فرع من زارة الخارجية ، وكان كولي قد فرغ للتو من إعادة صياغة للقواعد المصرفية لكوريا الجنوبية وفقا لمتطلبات واشنطن . سُمّي وفد سوهارتو بـ “مافيا بيركلي” لأن أعضاءه حظوا سابقا بمنح دراسية من الحكومة الأميركية للدراسة في جامعة كاليفورنيا في بيركلي . الدكتور “أميل سالم” عضو الوفد برّر عدم الإشارة بكلمة إلى المجازر آنذاك بأنه لم يكن يملك تلفزيون آنذاك ، وأن “هاتفي لم يكن يعمل جيدا” . مع الفرهود إعفاء من الضرائب لمدة خمس سنوات . وانتقلت السيطرة الحقيقية والسرية على الاقتصاد الإندونيسي إلى المجموعة الدولية – الحكومية لإندونيسا IGGI ، والتي يتألف أعضاؤها من الولايات المتحدة وكندا واستراليا وأوروبا والعضوين الأكثر اهمية : البنك الدولي وصندوق النقد الدولي . كتب الرئيس جونسون عن “القصة الرائعة التي تجسد الفرصة السانحة والوعد المنبعث” .
لم تكن البلاد مدينة وقت سوكارنو والآن غرقت في الديون . عام 1995 تولّى البنك “جيمس ولفنسون” الذي هاجم الصحفيين الذين كشفوا عن أن البنك قد سمح للملايين من الدولارات بأن تنفذ إلى جيوب رجال نظام سوهارتو . وقد “خسر” البنك الدولي ما يقرب عشرة مليارات دولار في إندونيسيا بالتستر والاختلاس والرشى والفساد .
إندونيسيا التي لم تكن مدينة صار إجمالي ديونها هو 262 مليار دولار وهو ما يعادل 170% من إجمالي ناتجها المحلي ، وليس هناك دين يماثل ذلك على مستوى العالم كله ، إنه دين غير قابل للسداد على وجه الإطلاق . إنه فجوة بلا قاع . والذين سوف يستمرون في سداد هذه الديون ويدفعون حياتهم مقابل ذلك في بعض الأحيان هم الناس العاديون . (جون ميدلي : كتاب نهب الفقراء) .
عودة إلى اعترافات القاتل الإقتصادي :
ينبغي إعادة التأكيد أوّلاً على أن (وظيفة جون بيركنز القاتل الاقتصادي الأمريكي التائب يمكن أن تتلخص في فتح أسواق خارج أمريكا لتحقق من خلالها الشركات الأمريكية مكاسب هائلة بطرق غير شرعية، إنشاء مشروعات ضخمة في دول العالم الثالث، تضع تلك المشروعات الدول النامية في دائرة ديون جهنمية لا فكاك منها، فتصير خاضعة لسياسات الولايات المتحدة، ولنفهم بدقة معنى كلمة قاتل إقتصادي، يمكننا أن نحكي دور بيركنز في إندونيسيا :
في أوائل السبعينات كان من الواضح أن أمريكا قد خسرت الحرب في فيتنام. في ذلك الوقت كانت هناك نظرية سياسية شائعة في الأوساط السياسية الأمريكية هي نظرية الدومينو، والتي تتلخص في أن الدولة التي تسقط في قبضة الشيوعية “تُعدي” الدولة المجاورة لها وتنقل لها “فيروس” الشيوعية، تماماً مثل ما يحدث عندما نرص قطع الدومينو بجوار بعضها البعض في وضع قائم. ما أن تسقط أول قطعة حتى تتسبب في سقوط باقي القطع تباعاً.
هي نظرية وُضعت كنوع من التبرير العلمي للبلطجة الأمريكية وإعطاء أمريكا الحق في التدخل العسكري والسياسي والإقتصادي في أي دولة بدعوى حماية نفسها من الزحف الشيوعي الذي قد يطول أمريكا تبعاً لهذه النظرية.
بسبب الهزيمة العسكرية في فيتنام و طبقا لنظرية الدومينو، كان من الضروري لأمريكا أن تدخل جنوب شرق آسيا وتفرض سيطرتها بطرق غير عسكرية. وقع الإختيار علي إندونيسيا لأن لديها الكثير من النفط والكثير من السكان وأكثرهم من المسلمين.
الفكرة هنا أن أندونيسيا تنال قرضاً من البنك الدولي. هذا القرض يذهب لإنشاء شبكات الكهرباء المحلية في إندونيسيا، والتي تقوم بإنشائها شركة أمريكية – هي الشركة التي يعمل بها بيركنز. القرض قيمته كبيرة وفوائده رهيبة بشكل يضمن أن تزحف أندونيسيا على بطنها تحت وطأته لفترة طويلة، إذ أن أمريكا والبنك الدولي سياخذون البترول في مقابل تقديم تسهيلات لإندونيسيا لسداد القرض حين تزداد وطأته عليها، أو يكون على إندونيسيا تقديم تنازلات سياسية للولايات المتحدة الأمريكية.
الوفد الذي ذهب مع بيركنز إلى إندونيسيا لم يكن يدري شيئاً عن هذه اللعبة. هم مجموعة من المهندسين و التقنيين الذين يقومون بما إعتادوا أن يفعلوه دوماً: تصميم شبكة كهرباء عملاقة. بيركنز كان يقوم بالتقييم الإقتصادي للقرض المطلوب والتنسيق مع مسئولي البنك الدولي، مع رشوة المسؤولين في إندونيسيا ليوافقوا علي الصفقة. بالطبع لابُدّ من أن يكون التقييم الإقتصادي للمشروع مبالغاً فيه إلي درجة رهيبة لكي تزيد قيمة القرض وبالتالي تحقق اللعبة هدفها.
الدور نفسه قام به بيركنز في الكثير من دول العالم، كولومبيا، الإكوادور، بنما، مصر، السعودية، الخ. (موقع حيتان البورصة الإلكتروني).
شبكة الفساد الرهيبة :
ذكر بيركنز أنه إلتقي بروبرت ماكميلان مدير البنك الدولي عدة مرات، وقد أثنى عليه ماكميلان أكثر من مرة. بالتأكيد ماكميلان كان على علم بالدور القذر الذي يلعبه بيركنز وأمثاله، فكما قال بيركنز فإن الكثير من خبراء البنك الدولي ليسوا سيئين أو فاسدين ، ولكن من يحتلون المناصب العليا هم الفاسدون وهم من يتعاون مع القتلة الإقتصاديين العاملين في الشركات الأمريكية. على حد تعبير بيركنز: “يمكنك أن تكون خبيراً من خبراء البنك الدولي وتحمل الدكتوراه في الإقتصاد. يمكنك أن تراجع تقديراتي الإقتصادية المبالغ فيها وترفضها وسأصر أنا علي رأيي وتقديراتي وعندها نصعد الأمر الي رئيسك الذي سيقر تقديراتي وتقاريري لأنه قاتل إقتصادي مثلي”.
حتي في المؤسسات الأمريكية العملاقة فإن الفساد حكر على عدد قليل من القادة والخبراء الإقتصاديين، باقي الناس لا يعرفون اللعبة وحتي إن عرف أحدهم وحاول أن يعيق الأرباح المهولة فإن الشركة تزيحه.
في أثناء تقييمه للمشروعات في إندونيسيا كان بيركنز يقوم بالتقييم الإقتصادي للموقف وهو بالطبع تقييم مبالغ فيه كما قلنا من قبل. شخص آخر كان عليه أن يقيّم كمية الطاقة التي تحتاجها إندونيسيا والتي سيوفّرها هذا المشروع وقد قام هذا الشخص بتقييم سليم للموضوع. المشكلة أن التقييمين تعارضا، في حين أن التقييمين لا بُدّ أن يكونا مترابطين بشكل ما لأن كمية الطاقة المطلوبة تتناسب مع النمو الإقتصادي في البلاد ومع قيمة القرض الذي ستحصل عليه من البنك الدولي ، ويذهب إلى الشركة.
حاول بيركنز أن يناقش مع زميله تقييمه للطاقة التي يفترض من المشروع أن ينتجها وأصرّ زميله على رأيه لأنه لم يكن يعرف اللعبة التي يلعبها بيركنز. حين عادا إلى مقر الشركة في أمريكا تم طرد زميله وإعطاء صلاحياته ومسئولياته لبيركنز وتّم المشروع.
# لمحة عن دور والدة الرئيس أوباما في تدمير إندونيسيا :
——————————————————
قلنا إن تصميم مؤتمر الفرهود العالمي قد تم بإشراف مؤسسة فورد ، وقد (عملت ستانلي آن دنهام والدة أوباما , في مجال تمويل مشاريع (يو اس ايد) ومؤسسة فورد للتمويل الصغير. وكلتا المؤسستان مرتبطتان بوكالة الاستخبارات المركزية التي ساهمت في دعم الديكتاتوريات في إندونيسيا وباكستان. بعد استيلاء سوهارتو على السلطة عام 1965، عادت ستانلي آن دنهام سوتورو بمعية (يو اس ايد) إلى إندونيسيا كواحدة من موظفيها الرئيسيين لمساعدة سوهارتو في إنشاء منظمة النظام الجديد (اوردي بارو) التي انتهت الى عقود من حكم الفاشية والفساد. وقد اعتمد سوهارتو على مجموعة من الاقتصاديين الامريكيين من ضمنهم والدة أوباما لإعادة هندسة الاقتصاد الاشتراكي في إندونيسيا. هذه المجموعة التي اطلق عليها اسم “مافيات بيركلي”، قد ضمنت توافق إندونيسيا مع إملاءات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والبنوك التجارية الغربية الكبيرة.
وبينما كانت (يو اس ايد) تنتقل الى اندونيسيا كان متعاقديها على متن شركة (طيران امريكا) التابعة للـ (سي آي ايه) يقومون بإنزال الأسلحة والتقاط المخدرات في لاوس وانزال المواد المهربة في تايلاند وفيتنام الجنوبية) (مقالة سعيد السعيدي في موقع صوت اليسار) (وراجع ايضا الحلقات الثلاث 24، 25، 26 عن جرائم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية).
# دور المحتال اليهودي بول ولفويتز منظّر حرب احتلال العراق في خراب إندونيسيا ومذابح تيمور الشرقية :
—————————————————————
(بالمناسبة كانت أوّل مرة دعا فيها بول ولفويتز إلى السيطرة على العراق هي في دراسة كتبها ونشرها عام 1976 !) .
في معرض التقريض بمؤهلات بول ولفويتز لدى استلامه منصبه الجديد كرئيس للبنك الدولي في عام 2005 ، قال الصحفي سباستيان مالابي في صحيفة الواشنطون بوست إن “انطلاقة ولفويتز الرئيسية على درب النمو والتطور تعود إلى الفترة التي كان فيها سفيرا في أندونيسيا التي جمعت ما بين تقليص أعجوبي للفقر وتدخّل الدولة ” . ويرى تشومسكي أن تجربة ولفويتز في أندونيسيا هذه سيكون لها شأنها على وجه الخصوص بالنظر إلى “الإجماع الجديد” في واشنطن الذي “يرى أن التحدي الأكبر في البلدان الفقيرة هو مكافحة الفساد الذي يعوق الاستثمار الخاص وإرساء حكم القانون” . ونظرة على سجله الفعلي كاشفة بما لا مزيد عليه . يقول جيفري وينترز الخبير الأكاديمي في الشؤون الأندونيسية إن إنجاز وولفويتز الأبرز في المجال الاقتصادي عندما كان سفيرا لدى أندونيسيا هو المعاونة في “إعداد المسرح لانهيار الإقتصاد الإندونيسي (عام 1997) في ظل حكم سوهارتو ؛ المأساة التي دفعت بعشرات الملايين إلى براثن الفقر المدقع ” . ولعل أخطر مبادرة قام بها وولفويتز هي رعايته “لواحدة من أشد الخطوات تهوّرا وطيشا التي عرفها العالم على صعيد إعادة تنظيم القطاع المصرفي”، وكانت عاقبتها الوخيمة انهيار الإقتصاد وتفشّي البؤس . في تلك الأثناء حاز سوهارتو ، الأثير لدى ولفويتز ، “على اللقب الملتبس ، لقب الزعيم الأكثر فساداً بين زعماء العالم في العصر الحديث” ؛ وبحسب منظمة الشفافية الدولية (ترانسبيرنسي إنترناشونال) التي مقرها في بريطانيا ، إنه “الفائز بكل معنى الكلمة” ، كونه جمع ثروة عائلية “تُقدر بما يتراوح بين خمسة عشر وخمسة وثلاثين مليار دولار أميركي” ، متقدما بأشواط على صاحب المرتبة الثانية فرديناند ماركوس من الفلبين ، وصاحب المرتبة الثالثة موبوتو سيسي سيكو من الكونغو ، وكلاهما عريق في نادي الأوغاد التابع للإدارات الأمريكية التي خدم بها ولفويتز . ويملك ولفويتز أوراق اعتماد أخرى في مضمار التنمية حيث أنه كان المهندس لعملية إعادة الإعمار وإعادة البناء ما بعد الحرب في العراق التي حذرت منظمة الشفافية الدولية من أنها “مرشحة لأن تصبح أكبر فضيحة فساد في التاريخ إذا لم يُصَر وبسرعة إلى اتخاذ إجراءات صارمة في محاربة الرشوة” . يمكننا أن نرى بوضوح أن “ولفي” كما يسميه جورج دبليو بوش تحبّباً ، لديه كل المؤهلات المؤثرة للنهوض بأعباء “الإجماع الجديد” في مكافحة الفساد وتشجيع التنمية الاقتصادية.
ويردف وينترز قائلاً : إن سجل رئيس أركان المثاليين في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية أسوأ حالا بعد منذ كان في إندونيسيا . فلو بحثتَ بحثا معجميا في كل ذكر لولفويتز ورد في الصحافة خلال عمله سفيرا هناك ، فإنك لن تجد مناسبة واحدة تحدث فيها عن حقوق الإنسان أو الديمقراطية في إندونيسيا ، بل دأب بالأحرى على انتحال الأعذار لنظام حكم سوهارتو ، محوّلا الإنتباه على الدوام نحو مسائل المال والأعمال والإستثمار والإستقرار الإقليمي والمحلي الذي ساهم سوهارتو ذو القبضة الحديدية في استتبابه . وولفويتز لم يكتف بالتدخل للنيل من حرية الصحفيين الأستراليين الذين ركّزوا الإنتباه على الحليف الأميركي القاتل والبطّاش في جنوب شرق ىسيا ، بل رأيناه يحاضر في الأوستراليين حول كيفية معالجة واقعة مربكة … “عليكم بالتقليل من شأنها ، تجاهلوها” . وقد استدعى “سلوكه الجبان هذا تعنيفا نادرا من جانب رئيس الحكومة الأوسترالية . لقد “خُص ولفويتز من دون الجميع بانتقاد رئيس الوزراء الأوسترالي بوب هوك على التعليقات التي أدلى بها” .
وقد قوبل ترشيح ولفويتز لرئاسة البنك الدولي في الحال “بالإنتقادات من جانب نشطاء حقوق الإنسان في إندونيسيا ” . وأفاد رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان التي ترعاها الدولة في إندونيسيا بأن ولفويتز ” من بين سائر السفراء الأميركيين السابقين يُعتبر الأقرب والأقوى نفوذا على سوهارتو وأسرته ، غير أنه لم يبد اهتماما بقضايا تتعلق بإشاعة الديمقراطية أو احترام حقوق الإنسان ” ، كما أنه لم يقم بزيارة واحدة لمقر اللجنة ، “كما لم أسمعه يذكر الفساد ولا حتى مرة واحدة في العلن” على حد قول رئيس اللجنة المذكورة . وأكّد نشطاء آخرون في مجال حقوق الإنسان ومحاربة الفساد كذلك بأنهم “لا يذكرون أنه تكلم جهارا عن ارتكابات النظام ، ولم يشعروا قط أن السيد ولفويتز يقف إلى جانبهم” . لا بل اشاروا إلى أن ولفويتز “بقي مدافعا عن نظام سوهارتو طوال تسعينيات القرن العشرين” ، حتى بعد مضي وقت طويل على الإطاحة من الداخل بهذا المجلّي في أعمال القتل الجماعي والتعذيب والنهب على مستوى عالمي .
إن سجل “شغف” ولفويتز بحقوق الإنسان والديمقراطية يرجع زمنيا إلى أيامه الأولى في وزارة الخارجية على عهد ريغان، وهو مستمر إلى اليوم من دون أي تبدل ملحوظ . يقول الخبير الأكاديمي في شؤون المنطقة ، جوزيف نيفنز ، أن ولفويتز دأب طوال فترة توليه منصبه كسفير ومنذئذ على “مناصرة السياسات التي تقوّض الديمقراطية وحقوق الإنسان في الأرخبيل المتشعب” ، كما أيّد الفظائع المروّعة التي اقترفها الجيش الإندونيسي في تيمور الشرقية المحتلة . وفي بداية عام 1999 “عندما بدا أن إندونيسيا قد تفكر في ترك تيمور الشرقية ، طفق ولفويتز يحاجج ضد السياسة الأميركية المحبذة لمثل هذا السيناريو، مستخدما لغة توسّلتها جاكارتا زمنا طويلا، ومتنبئا بأن تيمور الشرقية ، في حال انسحبت إندونيسيا منها ، سوف تنزلق في مهاوي الحرب الأهلية من جراء التوترات القبلية والعشائرية . وحده الجيش اإندونيسي حال دون وقوع ذلك طبقا لولفويتز ” . في ذلك الوقت كان الجيش الإندونيسي يصعّد من أعماله الوحشية في ما يشبه نوبة عنف ختامية . وأفادت جماعات حقوق الإنسان عن استمرار الفظائع العسكرية الواسعة النطاق ولا سيما في آتشيه وبابوا الغربية التي قد تكون كنست مليوناً من رجال القبائل هناك بمن فيهم آلاف الضحايا جراء الأسلحة الكيمياوية ، وأُحلّ القادة العسكريون الإندنيسيون من مسؤولية ما حدث في تيمور الشرقية ، وذلك عبر محاكمات احتيالية أدانتها منظمات حقوق الإنسان ، لكنها وجدت تسامحا سهلا بها من جانب المشاركين الغربيين في جرائمهم ، وخلال زيارة له إلى جاكارتا في كانون الثاني 2005 ، دعا ولفويتز إلى زيادة العون والتدريب العسكري الأميركي الذي انتُكب به الإندونيسيون وكل من كان في متناول الجيش الإندونيسي طوال السنوات الأربعين المنصرمة . يقول “نيفتز” “إن الغطاء الإنساني ” لمهمة ولفويتز كان تقديم مواد إغاثة لمنكوبي التسونامي ، لكن مغزاها الحقيقي يكمن في مسعاه إلى تمتين روابط الولايات المتحدة بالمؤسسة العسكرية الإندونيسية المعروفة ببطشها ، أعني الجيش الإندونيسي ، وهو دور اضطلع به الرجل ردحا طويلا من الزمن” . (تشومسكي: الغزو مستمر، الدولة الفاشلة، طموحات امبريالية، النظام الدولي الجديد والقديم).
# أخيرا سقط المحتال اليهودي بسبب زيادة راتب عشيقته دون وجه حق :
—————————————————————
في كانون الثاني/ يناير 2005 رشّح الرئيس الاميركي جورج بوش بول وولفويتز لرئاسة البنك الدولي وقد أثار ذلك الترشيح جدلا دوليا بسبب طبيعته الشخصية فهو معروف بمواقفه المتشددة وتأييده لتوسع حلف الناتو، وله عقيدة تقوم على أن “مهمة أميركا العسكرية والسياسية يجب أن تضمن عدم السماح لأي قوة عظمى أخرى منافسة بالظهور”.
في نيسان/إبريل 2007 اثار بول وولفويتز فضيحة في البنك الدولي حيث استفاد من موقعه من أجل التوسط لعشيقته “شاها رضا” ، العربية الأصل والبريطانية الجنسية للعمل في وزارة الخارجية الأميركية كما أنه عمل على زيادة راتبها إلى حد فاق راتب وزيرة الخارجية الأميركية كونداليسا رايس نفسها، وكانت رضا تتقاضى راتبها من البنك الدولي رغم عملها في الخارجية الأميركية.
كشفت وثائق داخلية للبنك الدولي أن رضا حصلت على زيادات في راتبها (المعفى من الضرائب) تزيد عن ستين ألف دولار، ما رفع أجرها السنوي إلى أكثر من 194 ألف دولار (يبلغ راتب رايس 186 ألف دولار قبل خصم الضرائب منه)، الأمر الذي وصفته جمعية موظفي البنك بأنه “ترقية مبالغ فيها بشكل فادح ولا تتماشى” مع قوانين مكافأة الموظفين.
ونشرت صحف أميركية تقارير تشير إلى أن فضائح رئيس البنك الدولي الذي رفع شعار محاربة الفساد، لا تقتصر على قصته مع عشيقته، بل تشمل شخصين آخرين من المقربين منه.
وأوضحت صحيفة واشنطن بوست في تقرير بعنوان «البنك الدولي.. غارق في الوحل» أن المساعد الذي وصفته بال”غير الاستثنائي” للملحق الإعلامي في البنك الدولي كيفين كليمز، الذي عمل في السابق مع ولفويتز في البنتاغون، يتلقى راتبا معفى من الضرائب يبلغ 240 ألف دولار، وهو الحد الأدنى لمرتبات نواب رئيس البنك، الحائزين على شهادة دكتوراه وعلى 25 عاماً من الخبرة في مجال التنمية.
أما روبن كليفلاند التي عملت في البنك الدولي منذ تولي ولفويتز رئاسته وكانت قد عملت معه في البنتاغون، فتتلقى 250 ألف دولار، وهو مبلغ يفوق بكثير رواتب فئتها الوظيفية، وأشارت الصحيفة إلى أن عقدي عمل كيليمز وكليفلاند لا تنتهي صلاحيتها بنهاية ولاية ولفويتز.
ومن جهتها، ساقت صحيفة نيويورك تايمز فضائح ولفويتز مع رضا وكيليمز وكليفلاند، ولكنها أشارت أيضا إلى تجاوزه مجلس إدارة الهيئة الدولية مرارا، ذاكرة على سبيل المثال تجميده للمساعدات الممنوحة للهند وتشاد وكينيا وغيرها من الدول من دون مراجعة المجلس (في العام 2006)، وتعليقه للمساعدة الممنوحة لأوزبكستان عقب طردها للقوات الأميركية في العام 2005 الأمر الذي اعتبر من قبل العديد من المراقبين تسييسا للقروض الممنوحة للدول الفقيرة.
وفي محاولة للخروج من مأزقه قام وولفويتز في 12 نيسان/أبريل 2007 بالاقرار بالخطأ المتعلق بعشيقته واعتذر عنه وقال إنه سيقبل بأية معالجة يقترحها مجلس إدارة البنك، ودعا إلى بعض التفهم للأسباب التي دفعته إلى نقل صديقته شاها رضا، من عملها في البنك في أيلول/سبتمبر 2005 حتى لا يحدث تضارب في المصالح.
قام مجلس إدارة البنك بتكذيب حول تبريره لطلب زيادة راتبها، معلنا في بيان أصدره في 12 نيسان/إبريل، أن ولفويتز لم يبلغ الإدارة بزيادات الراتب التي منحها من تلقاء نفسه لصديقته.
في 15 نيسان/إبريل 2007 ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن وولفويتز قال في مؤتمر صحافي في ختام اجتماع الهيئات المسؤولة عن اتخاذ القرارات في البنك الدولي في واشنطن “اعتقد ان بامكاني الاستمرار في القيام بمهام رئيس البنك”.
واشارت الوكالة إلى أن ولفووتز واجه بغضب أسئلة الصحافيين الذين سألوه عما إذا كان سيستقيل أم لا، لكنه تملص بصورة منهجية من اسئلتهم قبل ان يضع حدا برعونة للمؤتمر الصحافي، معلنا “فلنتوقف هنا” .
قدم المجرم استقالته من البنك الدولي 17 مايو 2007 ، وسَرَت هذه الاستقالة من تاريخ 30 يونيو 2007 (ويكيبيديا) .
# السفّأح سوهارتو هو محبوب الولايات المتحدة وبريطانيا المدافعتين عن الديمقراطية وحقوق الإنسان :
———————————————————-
وخلال فترة حكمه الديكتاتوري لم يكن يمضي يوم دون أن يتلقى الجنرال سوهارتو التهاني من أحد الساسة الغربيين على ما حققه من “استقرار” لخامس دولة من حيث تعداد السكان في العالم ، وكان الساسة البريطانيون هم الأكثر تقديرا له “للسياسة الاقتصادية الرشيدة” ، وصفته تاتشر بأنّه : “واحد من افضل أصدقائنا وأكثرهم جدارة” . وأشاد وزير خارجية جون ميجر بمراعاة “القيم الآسيوية” وهو التعبير الثقافي الذي يعني في حقيقته الافتقار إلى الديمقراطية والتعدي على حقوق الإنسان . وفي عام 1997 كانت الرحلة الأولى لوزير الخارجية البريطاني “روبن كوك” تشمل أندونيسيا وهناك صافح سوهارتو بحرارة إلى حد أن الصورة التي التقطت لهما تم اختيارها – وهنا الغرابة – لتكون على صدر التقرير الذي تصدره وزارة الخارجية حول حقوق الإنسان في العالم . رئيس وزراء استراليا خاطب سوهارتو السفّاح بالقول : “نحن نعرف أن شعبك يكن لك الحب” ، ويعتبره أيضاً “كالوالد” بالنسبة له . كما كان الرئيس الأمريكي بيل كلنتون يصفه بأنه ” “الشخص الذي من نوعنا” . كما كان أول رئيس يستقبله الرئيس جورج بوش في البيت الأبيض . وفي عام 1996 قال “تيم فيشر” أنه إذا أرادت الصحف أن تختار رجل العالم في النصف الثاني من هذا القرن فإن عليها ألّا تتطلع إلى ما هو أبعد من جاكرتا .
والكل يعلم أن تقارير أمنستي إنترناشيونا (العفو الدولية) عن انتهاكات سوهارتو لحقوق الإنسان تملأ غرفة كاملة . وروبن كوك يعلم بالإستقصاء الذي أجرته لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الإسترالي والذي انتهى إلى أن قوات سوهارتو قد تسببت في وفاة ما لا يقل عن 200000 من سكان تيمور الشرقية أو ما يعادل ثلث السكان . وكان التبرير الوحيد هو أن تجارة السلاح هي واحدة من نجاحات سوهارتو حيث استورد من بريطانيا اسلحة بمليارات الدولارات مثل مقاتلات هوك التي استخدمها في إبادة شعب تيمور الشرقية .
# وتحقّقت خطة الخراب :
————————
في عام 1998 قاربت “الصفقة الإنقاذية” لصندوق النقد الدولي لأندونيسيا الثروة المقدرة لعائلة سوهارتو . ويقدر أن 95% من الدين الخارجي الأندونيسي الذي يصل إلى ثمانين مليار دولار اقترضه خمسة أفراد وليس المائتي مليون الذين يعانون من دفع التكاليف .
# فأبلغت وزيرة خارجية أمريكا العميل سوهارتو بضرورة ترك القصر غداً :
———————————————————-
في 20 أيار 1998 ، وبعد 32 سنة من الحكم الدموي ، ابلغت أولبرايت سوهارتو بأنه لم يعد “الشخص الذي من نوعنا” بعد أن فقد السيطرة وعصى أوامر صندوق النقد الدولي وينبغي أن يستقيل ويفضي إلى “تحول ديمقراطي” . إنّ هذه القصّة لا يمكن أن تُنسى فهي درس عن مصير العملاء ، فعندما تصاعدت حدة الاحتجاجات الجماهيرية للإطاحة بسوهارتو وخشيت واشنطن أن تصل إلى السلطة قوى معادية لمصالحها، عقدت أولبرايت وزيرة خارجية أمريكا آنذاك اجتماعا عاجلا مع الرئيس الأندونيسى السابق – الذي طالما سكتت واشنطن على جرائمه ضد شعبه من أجل مصالحها البترولية فى تيمور الشرقية – لتبلغه رسالة قصيرة مفادها: ” هذا هو اليوم الأخير لك رئيسا لإندونيسيا..غداً تترك هذا القصر “. بعد بضع ساعات نقل سوهارتو السلطة إلى نائبه المختار بعناية . واحتفلنا بانتخابات عام 1999 بأنها أول انتخابات ديمقراطية منذ أربعين عاما .. أين كنتم ؟ .. ولماذا تم القضاء على الديمقراطية الإندونيسية الهامّة قبل أربعين عاما ؟
# ملاحظة عن هذه الحلقات :
—————————-
هذه الحلقات تحمل بعض الآراء والتحليلات الشخصية ، لكن أغلب ما فيها من معلومات تاريخية واقتصادية وسياسية مُعدّ ومُقتبس ومُلخّص عن عشرات المصادر من مواقع إنترنت ومقالات ودراسات وموسوعات وصحف وكتب خصوصاً الكتب التالية : ثلاثة عشر كتاباً للمفكّر نعوم تشومسكي هي : (الربح فوق الشعب، الغزو مستمر 501، طموحات امبريالية، الهيمنة أو البقاء، ماذا يريد العم سام؟، النظام الدولي الجديد والقديم، السيطرة على الإعلام، الدول المارقة، الدول الفاشلة، ردع الديمقراطية، أشياء لن تسمع عنها ابداً،11/9 ، القوة والإرهاب – جذورهما في عمق الثقافة الأمريكية) ، كتاب أمريكا المُستبدة لمايكل موردانت ، كتابا جان بركنس : التاريخ السري للامبراطورية الأمريكية ويوميات سفّاح اقتصادي ، أمريكا والعالم د. رأفت الشيخ، تاريخ الولايات المتحدة د. محمود النيرب، كتب : الولايات المتحدة طليعة الإنحطاط ، وحفّارو القبور ، والأصوليات المعاصرة لروجيه غارودي، نهب الفقراء جون ميدلي، حكّام العالم الجُدُد لجون بيلجر، كتب : أمريكا والإبادات الجماعية ، أمريكا والإبادات الجنسية ، أمريكا والإبادات الثقافية ، وتلمود العم سام لمنير العكش ، كتابا : التعتيم ، و الاعتراض على الحكام لآمي جودمان وديفيد جودمان ، كتابا : الإنسان والفلسفة المادية ، والفردوس الأرضي د. عبد الوهاب المسيري، كتاب: من الذي دفع للزمّار ؟ الحرب الباردة الثقافية لفرانسيس ستونور سوندرز ، وكتاب (الدولة المارقة : دليل إلى الدولة العظمى الوحيدة في العالم) تأليف ويليام بلوم .. ومقالات ودراسات كثيرة من شبكة فولتير .. وغيرها الكثير.