نزار عبد الستار
المُجتمعات الفعالة فنيا وثقافيا تنتج الأجيال إثر الأجيال وتتأثر لتؤثر وعندما تغيب الحيوية ولا يكون لنا سينما ومسرح وغناء ورقص وجامعات محترمة فسيصيبنا العقم وتتخلف الفنون وتتليف أدمغتنا.
الكثيرون عراقيا يظنون أنهم يتفاعلون ثقافيا في الجلوس بمقهى رضا علوان أو قهوة وكتاب ويتجمعون في مهرجانات أفلام الموبايل وسينما الدقائق الخمس، أو أولئك الذين يقدمون الأماسي البائسة لشخصيات توقف وعيها عند اكتشاف النار. وهذا في الحقيقة لا يعد تفاعلا فنيا لأنه بلا قيمة ولا تأثير.
السردية المصرية الشبابية واحدة من أنشط بؤر الابداع عربيا وفي كل عقد من الزمن يظهر جيل من كتاب الرواية يجمعون بين فنون عدة في آن واحد بينما في العراق ما أن يكتب أحدهم خاطرة بالعامية حتى يقعد في الفيسبوك ولا يخرج منه.
لا توجد في بلدنا رواية شبابية تطرح رؤى الجيل الجديد وذلك لغياب قواعد التفاعل الثقافي وهيمنة الأفكار الرجعية وتراجع القراءة المجدية وانعدام المعرفة البناءة. توجد أزمة ثقافية بالغة التشابك وهي مستغلة تجاريا وليس معرفيا. هناك الكثير من النشاطات ويكاد المسرح الوطني لا يهدأ من وقع الأقدام لكن ماذا يقدم وكيف يمكن له تحسين الذائقة ورفع مستوى الثقافة؟.
بعد ثورة يناير بمصر برز تأثير الرواية الاسبانية والايطالية بشكل جلي وأغلب روايات ما بعد 2011 تبحث في المصير الشخصي وكيفية تشكيل الفرصة في الحياة بدائرة المسعى المعرفي لذلك غابت الشخصية المنسحقة أو المتملقة والمتسلقة وظهرت الشخصية المدعمة بالعلم والطموح والساعية إلى التغيير.
لا يدرك الكثيرون في بلدنا أن الفنون تحديدا هي من أهم مراهم التهدئة والتخفيف والعلاج النفسي بعد أزمات الحروب والتمزق النسيجي الاجتماعي. وهي أيضا المكون الحضاري للبلد والجذر الأساس للتطور والنمو. هناك توق شبابي عميق للفن لكن لا أحد يريد لهذه البنية أن تنمو بشكل سليم. إن تفاعلات الإنسان مع الفنون تعد الجين الوجودي الأول ولا يمكن بأي شكل من الأشكال فصل الفن عن الإنسان والأجدى لنا في هذه المرحلة تفكيك العقد الاجتماعية من خلال تربية فنية جديدة لا أن نرجع للجذر الانحلالي الامتهاني الذي يجعل الفن تهمة أخلاقية.
لا يجب أن نتوقع أبدا أن كثرة المهرجانات السينمائية التي امتدت إلى الأقضية والنواحي وغزارة معارض الكتاب وأناقة المقاهي وازدياد الإقبال على شرب القهوة تخلق ثقافة بل تبرز الكارثة وتصدمنا بها.
لا تأثر ولا تأثير
اترك تعليقا