الشاعر محمد محفوظ/ تمضغني موائد الحنين
كفارس مهووس بحبات رمال صحرائه، قوة عنيفة تدفعه لحصاد تموجات المشاعر الجياشة في عالم اللغة والحب، اللغة داؤه ودواؤه، اما الحب فيقول عنه: ( قضيتي انني لا احترف الحب لكني املكه) اللغة حاضره وماضيه ومستقبله، يصنع منها الحب للحظات ودقائق حياته، هي من تجعله قادرا على الدخول اينما شاء من عالم الادب صحافة والمجتمع بشموخ الفارس المغوار، بالشعر ومساراته اللغوية امتلك الحب، خاطب الانثى بجمالية اللغة صائدا اجمل التعاريف المعبرة عن المشاعر والاحاسيس التي طوقته، لم ينسى انه بها تسامى ومنها يشتعل رأس الورق بخيوط بهائه، نمو عارم نحو الحنين الذي مضغه فوق موائد اللغة؛ هي اول عشقه، ربما العشق والوله وتفتح الأحاسيس عنده جعله لايجد اقرب منها اليه، وهذا ما دفعه للقول الجميل والمعمم بالابداع: ( ومضيت اجدف بقلمي بعض الكلمات) هويته في البحث عن نصفه المفقود في عالم خلق من اللغة، ربما كلما غالبه الفراغ وهو ينظر في عيني ذلك الهيكل المتشبع بالحيوية ( الانثى) وما يصيب مشاعره من تأزم امام جمالها.
الشاعر محمد محفوظ وقصيدة ( تمضغني موائد الحنين)، تفيض بالمشاعر وتبتهج بالانفعالات والشكوك، فيخرساجد بتناغمين، لاهوتية اللغة والشكل الانثوي، مما يشكل عنده * سوضاء دافعة به الى عالم النظام المتضاد والمتعانق بقوة كتعاقب الليل والنهار، حيث يقول:
ذكريات تراتيلي شعرت ان عينيك…
•· السوضاء مصطلح : يطلق على كل ما هو متضاد مختلف، وفي نفس الوقت لا وجود لواحد بدون الاخر، اسود ابيض / ليل نهار/ رجل امرأة.
تنحدر ضفائرها لتحتضن النور…
تأخذ شكل الورد باقاعات النزف…
وحينما امسك ريشة الشوق لأرسمك…
على خميلة الغيوم انثى لا يشبهها سواي…
ولا يعشق طهارة نبضها سواي…
خلق القوة المتصارعة والمرتبطة بما ينمو داخله من معالجات شرسة تواجهه في صياغة واختيار المفردة، والعودة الى انثاه الاولى اللغة، يعيش ازمة حقيقية، والانثى الموجودة في كيان اي رجل، مدرك معنى وجودها وحدود الصوت القادم من النفس حول القبول والرفض بما يود ان يلبسها اياه من معاني ووصف بلاغي، حيث يقول:
تعلمت قبلات الكلمات ان تضطجع وسادة حلمي…
في ذاك الصخب الذي يهمس لك احبك…
قضيتي انني لا احترف الحب ولكن املكه…
بهذا الاعتراف اصبح مختلف عن كل ما خط وكتب عن الحب من اي شاعر، للحب مفردات وانطباعات لها حالات منعشة تجوب كل جوانب النفس والجسد هي حالة مطلقة، والشاعر محمد محفوظ يسعده التجوال بين خميلة تلك المشاعر الناعمة وما تتعمده في صب سحرها على قالب يومه وليله ولحظات عمره، وعندما تصبح كل الاشياء متلبسة بما يشعر يغرد بالقول:
اليوم امسكت الحروف لاعيد ترتيب السطور….
كتبت اليك بعضا من همسات الشوق قبل ان اغادر…
تخيلت ملامحك كيف ستتبرج الدهشة حينما تقرأني….
وتخيلت اناملي كيف ستنزف نباضاتك حينما تقرأك…
ومضيت أجدف بقلمي بعضا من الكلمات…
اسلوبه يحمل تكنينك حاذق في خلق المشاعر المتراكمة في خياله السابح بفضاءات تلك الانثى واللغة معوله، الشاعر محمد يعيش حالة التطور الفكري الآخذ بمتحرك التجربة ويذوب كصوفي بعيد عن كل التفاسير والانتقالات العادية، لأنَّ تطوره الابداعي في خلق صيغ الجمال، استمده من اللغة، كأنه يقدم تعريف مميز للغة يقدمه بقدسية تواكب جمال الانثى الذي يلهب عواطفه الجامحة التي لا حدود لأبعادها، واللغة ظاهرة من ظواهر القانون الاجتماعي، مزج جميل تناول بعدين،، البعد الثقافي والبعد الانساني، وتظيف ذاتيته في اللغة والبوح بضمير المخاطب، استنطاق مبدأه ظواهر تاريخية واجتماعية زمكانية، تحمل بين طياتها نوع من فلسفة العصر، حيث يقول:
ثم غادرت بعد صياغة رسالتي ملامح غرفتي…
كانت شاحبة حينما ارتديت معطف موعدنا الضائع….
تخبرني عنك وعن خطوات ذرفتها عينيك….
توصلني لآخر الطريق فالتقي بك على ترجمات الشفق….
محمد محفوظ شاعر اللغة والاحاسيس، يدرك بوعي عالي ما تحمله التراكيب اللغوية من قوة في صنع الشخصية الاجتماعية، وما تحمله المرأة من سحر لا يقاوم، ان هي علمت قيمة وجودها كانثى، في كلا الحالتين التفاعل معهما مستمر، رغم عقم الفهم الخالص لهما بصورة صحيحة وكاملة، اما الشاعر محمد ضليع في معرفة العمقين اللغوي والانثوي، ولديه بهما علاقة منسجمة في تشكيلات القوانين المتعلقة بسوضائهما، بعمق تجاهل الانثى في مجمل حالات التعايش معها، فهي كلها رموز عجز العالم عن فهمه، لذا اتهمت بكثير من الصفات الخارجة عن مضمون وجودها، ودلالات اللغة وكنوزها لم تكتشف بعد، رغم الآف السنين، بقوله:
وبقيت في حضرة تلك اللحظات ما يقارب الألف عام…
كانت ممزوجة الحرمان بأحلام الطفولة ولدتها رحمي…
وكنت في هدبها أخط ترجمات اشتياقي اليك…
في جزيرة الوقت لم تكن اناملي تحمل سوى رشفات حبر…
قصائده هي عين السهل الممتنع، في الظاهر وجدانيات يعبر بها انسان عن كل ما يجيش به فؤاده من متعارك معلوم يحسه تجاه انثاه، أما في الجوف اللأًم الحقيقية في قلبه وعقله وخيالاته ومدركاته، اراد لها ان تحمل صفة الجمال والابداع بما تحوي من كنوز عالقة في رحم فهمه، في هذه المقاطع:
انتقتها نبضاتي من اسطورة شفتيك…
. . .
غريبا كنت في جزيرة جميع ما بها يبتسمون…
. . .
ويرتكبون جريمة الضوضاء على ملامح السماء
لنرصد للشاعر مفردات تدل على حبه الشديد للغة، 1- تعلمت قبلات الكلمات، 2- امسكت الحروف، 3- ترتيب السطور، 4- حينما تقرأني، 5- ومضيت اجدف بقلمي بعضا من الكلمات، 6- أكتبها، 7- ترجمات، 8- أخط ترجمات، 9- رشفات حبر، بيدي الاوراق وبأوراقي يدي، 10- تقرائين علي سطور، 12- سطور امرأة كتبت فلسفته، 13- الجمال مع حوار شاعر،ة 14- ابجدياتي، 15- وقراءة كتاب شعر، 16-ستقرئينه لي، لدينا من مفردات اللغة (25) مفردة، اما لو اخذنا ما قاله عن الانثى نجده غير متوازي في حبه للانثى، يدور حول شفاه وعنين وكلمة حب، كرر مفردة عينيك 7 مرات، مفردة الحب 8 مرات ، شفاه 5 مرات، ففي زمن الاختلاطات الموحشة، زمن التداخل المتشابك، زمن الضياع والتآكل، يثبت بهذا الامتزاج ملايين التواقيع لمصدر مفهومه ( اللغة) مدرك ابعاد التخيل للحالة المعاشة في واقع صعب، وتجردات الممارسات الجدلية في ظاهرة الارتباط بالجذر، ادخل الانثى في اللغة لأنها الرمز الاكثر مفهوما لدى المتقبل والكامن في حواس المجتمع تجاهها، من الانثى اخذ مشروعه وطوره بذكاء الشاعر المتأصل في وجدانه جذره، بقوله:
هناك اعلنت الانقلاب على اساطيل تلك البسمات….
وغادرتها اليك حاملاً بيدي الاوراق وبأوراقي يدي….
. . .
وحينما كنت تقرئين عليّ سطور….
) ليس للحب عنوان (
معلنا تمرده ومسلطا الضوء على همه الثقافي مع عدم تجاوز الاحساس الانساني، مبصما بتفرده هذا على التخلص من الأنا، ساعيا الى خلى تنوع في البوح المبدع المؤطر بكل الجمالية التي هي الاخرى حملت له صفة التميز باسلوبه الوقور، في اخراج نص لغوي يحمل صورة الابداع، وهذا يعني انه تجاوز مرحلة الجمود في ذائقته الشعرية والحقها بمرحلة التطور ومشاعات الرقي، حيث يقول في هذه المقاطع:
وهي تقرأ في السطور صوتك وترتشف فيك الشوق….
. . .
توقفت معك وبك اللحظات فسألتك لمن تلك السطور العاشفة..
فأجبتني لامرأة عاقرت الجمال مع حوار شاعر…..
. . .
وقراءة كتاب شعر اخبرتني انك ستقرئينه لي كل ليلة…
. . .
لولا وجدت في حضورك اني كل الحضور…
انبثق تعريفه للحب من نبع الاخلاق، فاحاطه بصورة انسانية وعكس على نوافذها شيء من الرومانسية، لأنه يجد صراع الانسان يخلق من الحلم، والحلم متعددة ابعاده، لذا الشاعر والمثقف تكون عودته دائمة التشاغل بما يخدم الانسانية والمجتمع.
يوجه الشاعر محمد محفوظ، بالقارئ الى المطلق من الافكار، مبيناً له الشغف الذي يعيشه في حالة وجود الانثى بين ثنايا نفسه، ليقربها منه بصوره الرائعة، اما تأملاته اللغوية عندما الحقها بصوت الانثى شكل لكلاهما اجمل الحقوق بمنطق جمالي يحمل نوع من التفلسف البرئ، وحقق للقارئ الشفافية الروحية في تعابيره الوجدانية، وهو بدوره ايضا عاشق للانثى، واخلاق الشاعر محمد محفوظ واضحة في سطوره الشعرية، فياضة بالوجد والوله، ربما القارئ يشعر انه امام انسان اشتق الهامه من وجد عاث به ولم يتحقق له في الحياة اللقاء بتلك الانثى المرسومة في ذهنه، او يود لو تكون انثاه بهذا النضج المنسجم مع ميوله تجاهها، متخيلا ان الانثى بهذه الروعة والرقة والتقبل، تسحره لفتاتها، تذيبه سكناتها، تضمه نعومتها، ومن ثمة تكون هي الملكة والملاك وكل الانفاس الدافئة، محمد محفوظ يقصد اللغة ويبحث عن الحلم في الانثى في رؤياه، هما جوهر التواجد المستمر، وبدونهما يكون الرجل ، كفراشة بلا جناحان.