سلمان عبد الأعلى
يبدو لي بأن الإجابة عن هذا السؤال أضحت ملحة جداً، فالعالم يضج بالعديد من المؤتمرات والندوات والكتابات و… التي تنادي بحقوق المرأة، بحرية المرأة، بعدم اضطهاد المرأة، وغيرها من العناوين الأخرى التي تنطلق من المرأة، وتهدف لإصلاح واقعها وحياتها للأفضل.. وكثيراً ما أُتهم الإسلام من قبل بعض المستشرقين ومن وافقهم بأنه ضد المرأة، واستشهدوا على ذلك إما ببعض التشريعات التي يرون بأنها ضد المرأة، لأنها تقيدها وتحد من حركتها -(كمسألة القوامة التي هي للرجل على المرأة، والحجاب الذي هو خاص بالمرأة، وشهادة المرأة التي هي شهادة إمرأتين كشهادة رجل واحد، والإرث الذي هو للذكر مثل حظ الأنثيين، والطلاق الذي هو بيد الرجل دون المرأة، وتعدد الزوجات الذي هو حق للرجل فقط، وغيرها من القضايا والأمور)- أو ببعض تصرفات المسلمين التي هي في حقيقتها في غير صالح المرأة، وإن نُسب الكثير منها للشرع بغير وجه حق.
لذلك، فمن الضروري أن نستغل مرور ذكرى الزهراء عليها السلام (ولادتها أو وفاتها) لنصحح بعض هذه المفاهيم التي ارتبطت بنا حول علاقتنا بالمرأة أو لنعرف العالم على النموذج الأمثل للمرأة، لأن الزهراء (ع) بفكرها وسلوكها وأخلاقها وتضحياتها تمثل الإسلام الحي والنابض، والنموذج الأمثل الذي يقدمه الإسلام للمرأة، ولكن ويا للأسف أن نجد البعض ينشغل بأمور هامشية في ذكرى الزهراء (ع) ويترك الأمور الأساسية التي ينبغي أن يتطرق لها ويركز عليها، فنراه يقلب الصورة رأساً على عقب، فيجعل الهامشي أساسي والأساسي هامشي !
أجل، إن من المؤسف حقاً أننا لا نملك قراءة للزهراء (ع) ترقى لمستوى المسؤولية الملاقاة على عاتقنا، وهي إيصال رسالة الزهراء (ع) للبشرية، لأن قراءتنا الحالية غير مناسبة لمخاطبة العالم بأسره، بل إنها لا تناسب جميع المسلمين، وإن كانت تناسب بعضاً منهم، ولكنها بالتأكيد لا تناسب المجتمعات الغربية الحداثية، فلو سألنا الغير من غير المسلمين (من الغربيين مثلاً)، لماذا كل هذا الاهتمام بالسيدة فاطمة الزهراء (ع) عندكم؟ فإننا لا نملك جواباً شافياً يناسب عقليته؟! لأن خطابنا التقليدي –الذي نشهده في مجالس التعزية عادة- لا يناسب عقلية الإنسان الحداثي، لأنه في الكثير من الأحيان يقف على الضد من مبادئ الحداثة وقيمها، فالحداثيون الغربيون لا يحبون الحديث عن الغيبيات والماورائيات، لأنهم يعتمدون على العقلانية في كل شيء تقريباً، أما نحن فجُل حديثنا عن الزهراء (ع) هو في الجانب الغيبي، والذي هو فوق عقول البشر، وبشكل عاطفي وانفعالي، وبعيد كل البعد عن العقلانية، كذلك نجد أن الحداثيين لا يعتمدون على الخرافات والأساطير لتكوين معارفهم، أما نحن فجُل خطاباتنا تعتمد على كرامات الزهراء (ع) والتي يحاربها الإنسان الحداثي، لأنه يراها أقرب للأساطير والخرافات منها للحقيقة والواقع، كما أن الحداثيين يميلون ويعتمدون على ما يسمى بالنقد التاريخي في نظرتهم للتراث ولأحداث الماضي، بعكس نظرتنا نحن التي تعتمد على الحتمية والتقديس للتراث ولشخصياته ولأحداثه.
فنحن إذن بعكس الحداثيين الذي يناقشون وينقدون ويشككون ويفككون بعض مفردات وأحداث التراث، لأننا نعتمد على السرد التاريخي للأحداث، ونرفض النقد والمناقشة والتساؤل، لأننا نقدس التراث ونخشى من عواقب مناقشته ونقده، لأن ذلك وبحسب إعتقاد الكثيرين منا يؤدي لزعزعة الإيمان أو لفقدانه. وما ذكرناه هنا ليست المشكلة التي تواجهنا فيما لو أردنا أن نقدم الزهراء (ع) للعالم فقط، وإنما هي نفس المشكلة التي سوف تواجهنا لو أردنا أن نقدم الرسول الأكرم (ص) والأئمة من أهل بيته (ع)، وذلك لأننا لا نجيد مخاطبة العالم بغير الخطاب التقليدي المشهور عندنا، والذي لا يناسب الآخرين ولا يجيب على أسئلتهم ولا يحل مشاكلهم.
ولهذا شتان ما بين خطابنا الحالي والذي لا يزال خطاباً تقليدياً بامتياز، وبين الخطاب الذي يناسب عقليات الآخرين، وبالخصوص المجتمعات الحديثة أو الحداثية ! وأنا بحديثي هذا لا أدعو للتخلي عن الغيبيات والكرامات، ولكن أدعو لتهذيبها ومراجعتها والتحقق منها، وأن لا نقتصر في حديثنا عليها فقط، خصوصاً إذا ما أردنا مخاطبة الآخرين الذي لا يؤمنون بهذه الأمور ولا يتأثرون بها ولا يناسبهم مثل هذا الطرح.
ويبقى السؤال: كيف يمكننا أن نقدم الزهراء (ع) للعالم؟ للمسلمين ولغير المسلمين، للشرقيين وللغربيين، للعرب ولغير العرب، كيف يمكننا أن نقدمها بصورة مناسبة لجميع العقليات ولجميع الثقافات؟! نقول ذلك، لأن المرحلة الحالية تتطلب منا أن يكون خطابنا خطاباً معولماً –إن صح التعبير- إذ لا يصح أن يبقى خطابنا خاصاً بفئة معينة -مجرد خطاب خاص للمسلمين فقط أو للشيعة فقط- لأن خطاباً كهذا يحصر الزهراء (ع) ويحصر فكرها ومبادئها ويجعله لا يتحرك إلا في إطار ضيق جداً.
لهذا نقول بأن تكوين قراءة حديثة تراعي العقليات واختلاف الثقافات هو التحدي الأبرز الذي نواجهه في ذكرى الزهراء (ع)، لأنه يحتاج منا لجهود جادة وجبارة، وهذا التحدي ينبغي أن نثيره في كل مناسبة تذكر فيها الزهراء (ع) حتى نستطيع أن نتوصل لهذه الغاية، لأننا بذلك سنكون أوفياء لها وحريصين على إيصال صوتها ورسالتها.