“كورونا على طريقة ساماراغو”
عن العراق، تتكلم هذه الرواية
” لا أعتقد أننا عمينا، بل أعتقد أننا عميان يرون….بشر عميان يستطيعون أن يروا; لكنهم لا يرون”
جُمَل مختزلة في بضع كلمات لخصت تجربة ، وفكر أبرز شخصيات رواية العمى للكاتب البرتغالي خوزيه ساماراغو…
زوجة طبيب العيون التي رأت ما لم يره الناس حينما لا يكونوا أسوياء خارج نطاق اكسسوارات السلوك الإنساني… رأت كيف يحدث التحول باختلال بسيط في الشروط المادية للوجود البشري… وهنا ينبغي التفريق بين مفردتي بشري ، إنساني إذ إنّهما لا تُفضيان لبعضهما البعض بالضرورة.
مدينة في هذا العالم المترامي الأطراف يُصاب بها رجل على نحو مفاجئ بالعمى وهو يقود سيارته ، وكان لحظتها ينتظر الاشارة الضوئية التي تسمح له بالانطلاق ،. لكنه لم يستطع الانطلاق ، لم يعد هناك ضوء في عينيه يتيح له الدوران مع دوران عجلة السيارة،. فتوقف الزمن عنده… وهنا الإشارة الموحية الأولى التي بثها الكاتب في أول الصفحات…
يراجع الرجل الذي أُصيب بالعمى على نحو مفاجئ عيادة طبيب العيون لغرض المعاينة والعلاج ، وسرعان مايكتشف الطبيب أنّ لا سبب واضحًا يفسر إصابة مراجعه بالعمى… ثم لا يلبث أنْ يُصاب الطبيب بالعمى ومعه كل المراجعين في عيادته ممن رأوا المصاب الأول ليتضح فيما بعد أنَّ العمى عدوى وبائية تستوجب عزل المصابين بها بعد الابلاغ عن حالات متكررة… يوضع المصابون بمكان معزول تحت حراسة مشددة ، ويتم تزويدهم بالمؤونة ومستلزمات بسيطة… هذه المهمة يتولاها الجيش بأوامر صارمة بعدم التقرب واطلاق النار على كلّ من يُحاول خرق تعليمات الحجر الصحي ، وهي إشارة موحية ثانية عمّن يكلف بالقمع عند الضرورة والاستخدام خارج المهام في الأزمات…
وتتدفق موجات المصابين بالعمى يوميا وتتكاثر أعدادهم بشكل مريع ،. فتتشكل على ضوء ذلك عصابات داخل المحاجر تتولى عملية ابتزاز المصابين بالمال والمصوغات وحتى الساعات اليدوية مقابل اعطائهم غذاء يومهم ، وعند نفاد مدخرات المصابين بالعمى تقوم العصابات باغتصاب النساء مقابل تزويدهم بالغذاء ..المفارقة أنّ افراد العصابة من العميان وممن فُرضَ عليهم الحجر الصحي…
الاستثناء الوحيد من كل هذه الجموع المصابة هي زوجة طبيب العيون التي رافقت زوجها للمحجر وهي غير مصابة بالعمى وكانت مساعدة لزوجها في المحجر ولباقي المصابين ، ولايعلم بهذا الأمر سوى زوجها الطبيب ، وكانت شاهدة على كل ماجرى داخل الحجر الصحي بأحداثه الجسام الضخام وكان لها الدور البارز في القضاء على العصابة العمياء التي ابتزت الناس المصابين بنفس الوباء.
بالمحصلة النهائية تصاب المدينة بكل سكانها بالعمى ويهيم الناس على وجوههم بحثًا عن الطعام والماء ، ولم يعد لهم دليل أو مرشد سوى غرائزهم… .أما الذين كانوا في الحجر فيدركون بوقت متأخر أنّ الحراسة المشددة لم يعد لها وجود بعد إصابة جنود الحراسة بذات الوباء وتركهم أماكنهم.
تقود زوجة الطبيب المبصرة زوجها ومجموعة صغيرة للخروج من معسكر الحجر بحثًا عن الطعام والماء وتستمر رحلتهم المضنية عدة أيام ، ليستقروا أخيرا في بيت الطبيب الذي لم يكن كما تركوه أول مرّة…
ثم تحصل المفاجأة… الرجل الأول الذي أُصيب بالعمى يعود له البصر على نحو مفاجئ ، وهو ضمن مجموعة الأشخاص الذين اصطحبتهم زوجة الطبيب إلى المنزل ..ثم يتبع ذلك عودة البصر إلى باقي الأشخاص بحسب الفترة الزمنية التي أُصيب بها ، لتستعيد المدينة في النهاية بصرها بجميع سكانها من الذين حافظوا على وجودهم أحياءً حتى تلك الفترة،.
لكن ما الذي حصل خلال تلك الفترة الزمنية… تحطّمت البنى التحتية، توقفت السيارات ، والمطارات ، والقطارات ، والماء ، والكهرباء والزراعة ، والصناعة وماتت الحيوانات حتى الكلاب السائبة… توقف الزمن وتَعَطّل كل شيء ،
فقد الانسان إنسانيته المنمقة وأظهر بشريته المتوحشة… وهذا هو المفصل الأهم الذي جعل الشاهد المبصر الوحيد يقول بمرجعية الكاتب الفكرية:
لا أعتقد اننا عمينا بل أعتقد اننا عميان يرون..
رواية” العمى ” رواية خيال سحري جرى تسليطه ضمن معطيات واقع مزر .