سهى بطرس هرمز
الحياة الزوجية هي شراكة وعلاقة تبادلية، تتطلب من الزوجين وخاصة المرأة مجهودا في كيفية التصرف وتوجيه الدفّ في سبيل استمرار الحياة الزوجية. وكما نعرف بأنهُ لا وجود لصفة الكمال من جانب الزوج أو الزوجة، ولا يوجد رجل بلا عيوب، كما وليس مُهمًا كم هي عيوبهِ؟ لكن المهم، كم تستطيع الزوجة أن تتحمل تلك العيوب؟ ماذا تفعل؟ كيف تواجه هذه الصفة السلبية؟ كيف تتعامل معهُ ومع طباعهِ؟ كيف تعالجها وتقلل من وجودها في حياتهما؟ هل تضع الحياة الزوجية في كفة مُهددة بالخطر، أم تتكيف مع هذا الوضع وتحاول إن تحتويه بشطارتها؟!
المعلوم أن الشراكة المستقبلية المُتبادلة بين الزوجين، قد تكشف جوانب سلبية عديدة لكلا الطرفين (الزوج والزوجة). والمزاج الحاد والمتقلب والعصبية الزائدة للزوج، هو إحدى هذه الجوانب السلبية. والتعامل معها فن لا تحسنهُ الكثير من الزوجات، فلكل واحدة منهنْ قدرة معينة على التحمل! فالبعض يصبر في سبيل عائلتها وأولادهم ومصيرهم، والبعض الآخر يقول: للصبر حدود، لا استطيع التعامل مع شخص شديد العصبية أبداً، والبعض الآخر يطلب الطلاق لعدم مقدرتها على تحمل نوباتهِ!
ولكن الأمر ليس بهذه الصعوبة ولا يحتاج إلى تضخيم! فالبعض من الأزواج حسب رأي الأغلبية كالطفل لا تعرف أي شيء يرضيه أو يتوافق معهُ، دائما مُتحجج، من أقل كلمة ينفجر كالبركان، وربما تصل عصبيتهِ إلى فقدان السيطرة على نفسهِ وتظهر انفعالاته بسرعة دون تفكير أو تقدير للمقابل، وهذه جميعها لا تكون في صالح الزوجة، إذا حاولت إن تردَّ صدّى عصبيتهِ وتقابلهُ بالمثل، فمن الممكن إن تتطاير مزهرية فوق رأسها وتصطدم بجدار المنزل، أو ربما يحاول إن يضربها أو يضرب الأبناء، أو قد يتلفظ بكلمات تزعجها! وبكل المحاولات ربما قد لا تجد طريقة مُناسبة لتهدئة زوجها الثائر!
أسباب كثيرة تؤدي إلى هكذا مزاج مُتعكر للزوج، منها: نفسية أو اجتماعية أو المستوى المعيشي، أو ربما بسبب ضغط العمل أو مشكلة قد واجهته، أو بسبب مشاكل بين الأهل، المهم أنها عديدة، ولكن في النتيجة لابد من التعامل معها بكل وضوح وتروي وهداوة وشفافية، وبدون نرفزة أو شدٍّ من الطرفين، لأنها قد تصل إلى نتائج لا تُحمد، وتكون شرخ في الجدار الأسري وتتهدم وتصل العلاقة بين الزوجين إلى حالة من عدم التفاهم وربما إلى الطلاق والفراق، وبالنهاية إلى تشرد الأبناء وضياع مستقبلهم وشبابهم.
يقول أحدهم، مشكلة الغضب والعصبية مشكلة كبيرة، يفقد فيها الإنسان قوة الإدراك والبصيرة والتعامل الصائب والاحترام، فأنا إنسان أغضب وأنفعل بسرعة، وطلبت من زوجتي إن لا تناقشني أو تجادلني وقت غضبي، وأن تتجاهل أي كلمة أقولها، حتى أرجع إلى حالتي الطبيعية، ومن ثم تبدأ مُحاورتي، تفاديًا لأي مشاكل قد تنجم، لأنني بالتأكيد لا أكون أقصدها أو أطبقها، وأحاول قدر أستطاعتي أن أحجم من عصبيتي، لأنهُ بها أعلم أني أوذي نفسي وعائلتي.
كثيرون هم على هذه الشاكلة، يتعصبون ثم يندمون، ويحاولون لو أنهم يستطيعون إن يجتازوها أو على الأقل يقللون منها، ولكن ظروفهم هي من تسيطر على تفكيرهم أحياناً، وأحياناً أخرى هي طبع مُتجذر في البعض. ولكن تبقى الكلمة الطيبة والمُؤثرة في النفس مُتاحة في كل الأوقات لحل خلاف في أي موضوع وإزالة كل الحواجز والمتاعب، والمرأة التي تدخل في حياة الرجل بعد أمهِ هي من تستطيع هذا، فالرجل طفل كبير حتى وإن شاخ يكون ما يزال بحاجة إلى حنان وحضن أمهُ الذي افتقدهُ حين زواجهِ، لا نقول افتقدهُ كلياً، ولكن يكون بحاجة إلى من تُعطيهِ هذا الحنان ويُشعره به.
نقول في خلاصة حديثنا :
لكل رجل في العالم مُفتاحًا خاصًا، ونقطة ضعف، والمرأة الذكية هي التي تعرف كيف تدخل إلى أعماق زوجها وتحتويه وتعرف كيف تتصرف معهُ وتعرف نفسيتهِ وطباعهِ، والحياة كفاح وبعض التنازلات مع بعض الكلمات الحنونة واللطيفة وابتسامة رقيقة. والمرأة الذكية والمُحافظة على بيتها وشكلها أمام الناس هي التي تكون كالزجاجة النقية أمام أشعة الشمس، تنفذ من خلالها ولا تنعكس لتحرق نفسها وغيرها، بلْ تنفذ من خلالها وتزداد جمالاً روحيًا داخليًا وتكسب القلوب.
لذا الزوجة الذكية والمحافظة على مملكتها هي التي تعرف كيف تتعامل مع كافة الحالات لتستمر الحياة وتجتاز كافة العوائق. وعليها إن تتعامل مع مزاجهِ وسلوكهِ بدون انفعال وبهدوء وكأن شيء لم يكن، وتبدأ بمُناقشتهِ بأمور أخرى لكي تشغل تفكيره وتُنسيهِ عصبيتهِ وتمتص غضبهُ، أي أنهُ لا تقابل عصبيتهُ بعصبيتها وتُعرض أسرتها وبيتها وأطفالها للضياع لمُجردّ إن زوجها عصبي، إلى إن يهدأ ثم تناقشهُ عن سبب عصبيتهِ، لأن العصبي مع أحترامي كالأعمّى لا يرّى أمامهُ، فقط الذي يعرفهُ هو فرض رأيهُ والتفكير المُسيطر على تفكيره لحظتها.
هكذا يكون الحب بينكما، أن تعرف الآخر وإذا عرفتهُ تستطيع أن تحتويهِ وتعرف حاجاتهِ وميولهِ ومن ثم تحبَّ عيوبهِ قبل حسناتهِ وتعرف كيف تتعامل معها.