كميل أبو حنيش
الكتابة والسجن
الحلقة الثانية:
الكتابة.. ومرحلة التحرر الوطني..
غالبية من خضع للأسر أو للاعتقال من المفكرين والأدباء، كتبوا عن تجربتهم في الأسر لشعوبهم ولأوطانهم، الأديب “كميل أبو حنيش” غزير ومتنوع الانتاج الأدبية، فهو يكتب بأكثر من شكل أدبي، الرواية، القصيدة، الرسائل، النصوص النثرية، النقد الأدبي، المقالات السياسية، الأبحاث بكافة أنواعيها، إذن نحن أمام حالة متميزة، (فرضت) مكانتها الأدبية والفكرية، ووضعت لها قدما في الساحة الأدبية والفكرية، من هنا لا يمكننا أن نمر مرور الكرام على ما يقدمه لنا، لهذا تجدنا نتوقف مستمتعين ومستفيدين من تلك النصوص، نتعلم منها، بصرف النظر على الشكل الأدبي الذي جاءت به.
من الجميل أن نجد من يقدم (توجيهات) من داخل سجون الاحتلال لكيفية الكتابة الإبداعية، فأحيانا، تصلنا نصوص لا ترتقي لمستوى الأدب، لكن يتم (محابتها) لأن كاتبها أسير، وهذا يضر بالأدب وبالأدباء معا، من هنا تأتي أهمية الرسالة التي توجه بها الأديب كميل أبو حنيش، فهو يتحرر من واقعه كسجين، ويؤكد على ضرورة الفصل بين الكتابة الأدبية الابداعية، وكتابة الشعارات والبيانات السياسية/التحريضية، ولكن، هذا لا يعني أن الكتابة الأدبية من داخل السجون لا تتناول قضايا الجماهير وواقع فلسطين التحرري، يلخص ماهية الكتابة الأدبية بقوله:
“والكتابة ليست مجرد انشاء، إنها فن ورسالة يسعى الكاتب المناضل من خلالها للتأثير في الناس، فالكتابة تنطوي على رسائل موجهة للجمهور، وموجهة للاعداء والاصدقاء، للبسطاء والمثقفين، للرجال والنساء والأطفال والشيوخ، ولكافة الفئات والقطاعات.
والكتابة الثورية المنحازة للقضية، والصادقة في اداء رسالتها لا تشبه الكتابة الشعاراتية والاستعراضية والتملقية والجبانة والانتهازية، فليس كل من يكتب عن فلسطين وعن التحرير وعن أعداء لإسرائيل يحسب على معسكر المقاومة والثورة”
ويؤكد على الدور الحيوي الذي يلعبه الأدباء الأسرى والمهام المنوط بهم بقوله:
“يتعين عليهم أن ينتجوا أدباً وثقافة لائقةُ بتاريخ الحركة الأسيرة، وبنضال شعبهم، وهو يخوض معركته للخلاص والانعتاق.
، لنساهم في تشكيل وتطوير وثقافة اعتقالية تليق بشعبٍ يقاوم في سبيل حقه في الوجود وتعزيز هذه الثقافة لتؤدي دورها في تحفيز واثراء الثقافة الفلسطينية والعربية”
اللافت في هذا الطرح أنه يؤكد على استمرارية نضال للأسرى وعلى حيويتهم، فهم ـ رغم الأسر ـ عليهم مهام أدبية نضالية، لا تقل عن دورهم وهم في (الحرية)، وكأن الرسالة تزيل/تمحو السجن، ولا تأخذه بالحسبان، وهذا بحد ذاته يعتبر انتصار “لكميل” على السجن والسجان، فهو يمارس دوره النضالي باحترافية وتألق، متجاهلا/متجاوزا واقع السجن الذي هو فيه:
“السجون الصهيونية مصممة ومهندسة لهزيمة الارادة الفلسطينية واستلابها وتحويل المناضل إلى عبء وافساده وتشويه صورته وتحويله من نموذج ومثال لشعبه إلى حالة انسانية معطوبة ومفككة.”
والكتابة الأدبية الابداعية لها دور حيوي في تثبيت إنسانية الأسير الفلسطيني، وعلى أنه صاحب قضية تحرر وطني، ومن حقه النضال ومواجهة الاحتلال فالهدف من الكتابة:
“لإن من شأن الكتابة من قلب السجن أن تكشف عن ممارساته العنصرية والاجرامية، وتفضح مزاعمه عن الديمقراطية وحقوق الانسان ، كما أنه من الممكن أن يخلق تعاطفاً مع الأسرى، الذي سعى ويسعى الاحتلال لوصمهم بصورة الارهاب” فالكتابة الابداعية تحقق كل هذه الأهداف، لهذا يجب ممارستها باحترافية واتقان.
النقد الذاتي نسيناه، ولم يعد في قاموسنا، لكن دور الأديب بث الأفكار التي تطور العمل النضالي التحرري ، حتى لو كانت قاسية علينا ومؤلمة، يكشف لنا “كميل أبو حنيش” واقع الأسرى السلبي داخل سجون الاحتلال بقوله:
“غير أن هذه الصورة تعرضت لانتكاسة في السنوات الأخيرة، في ضوء تراجع الحياة الثقافية والتنظيمية في السجون لصالح بروز ظواهر سلبية كالشللية والمناطقية وتفشي الثقافة الاستهلاكية، وتقديم المصالح الشخصية على المصالح الوطنية، وظهور ما بات يعرف بالممالك وامراء السجون. كما نجح مشروع مصلحة السجون القائم على الشرذمة والتفكيك، في التسلل إلى الوعي والارادة في كثير من الحالات، وثمة تواطئ من جانب العديد من ” مخاتير السجون” مع إدارة السجون ، تحت ذريعة الوصول إلى حياة اعتقالية مستقرة ترعى حاجات ومصالح الأسير، فتراجعت الحركة الأسيرة ولم يعد التضامن الاعتقالي قائماً”
بهذا يمكننا القول أننا أمام رسائل أدبية سياسية ، نجد فيها المتعة ـ وهذا أحد أهم عناصر الأدب ـ وقد تم صياغتها بطريقة ترضي المثقف والعامة معا، وتقدم الأسرى والجمهور من الشكل الأدبي المطلوب، الذي يخدم فلسطين وقضيتها وأسراها.
الرسالة منشورة على صفحة شقيق الأسير كمال أبو حنيش.