كلمات في الكارثة العراقية بعيداً عن التبسيط المُخل
صباح علي الشاهر
من التبسيط المخل إعتبار سبب الأزمة العراقية، أو الكارثة بتعبير أدق، فساد المسؤولين، ولا حتى تسلط رجال الدين، والتنظيمات الدينية، والطائفيين تحديداً، من كلا الطرفيين، ولا هيمنة العنصريين في القسم الشمالي من البلد، ولا حتى تدخلات الجوار، السعودية، وتركيا وإيران، ولا النهب المنظم الذي تزاوله بعض الدول الطفيلية التي إعتاشت على خراب ودمار العراق.
من المفيد أن نتأمل قليلاً ونتساءل، هل هذه أسباب أم نتائج؟ وهل تغيير أو تعديل النتائج سيؤدي إلى نتائج مثمرة إذا ظلت الأسباب على ما هي عليه؟
ولسنا نقلل من دور هذه الأمور مجتمعة، وعلى إنفراد، في تعميق الأزمة العراقية، ووصولها إلى مديات كارثية غير معهودة، لكننا نحسب أن معالجة بعض هذه الجوانب، وحتى جميعها، سوف لن يحل المعضلة العراقية حلاً جذرياً، فإن يسلط الغضب الشعبي على شخص بعينه، أوجماعه بعينها، أو طائفة بذاتها، وتصوّر الأزمة بأنها أزمة أشخاص أو كتل أو جماعات، وإنه ما أن يتغير هذا الشخص، أو هذه الكتلة، أو هذه الجماعة، وما أن يستبعدوا، و يحاسبوا، وتسلم المهام لغيرهم، شخصيات وكتل وجماعات، حتى يوضع العراق على طريق السلامة، والنمو، والرخاء، إن مثل هكذا طرح أقل ما يقال فيه ، ودونما تردد أنه نوع من العبط .
قد تفلح الضغوطات في تغيير الأشخاص، وقد غيّرت من قبل، أبدل العلماني بالإسلامي ، وقد يُبدل الإسلامي بالعلماني، سواء أكان أياد علاوي أم غيره ممن تجري الآن عملية إعدادهم، وقد يكون البديل مدني أو عسكري، معروفاً أم غير معروف فالأمر سيان، وإلا أكان أحد يتوقع أن يكون العبادي رئيساً للوزراء، وهو الذي دخل البرلمان بالزحف، وأنتخب نائباً لرئيس البرلمان بشق الأنفس.
كل ما هو مُحتمل، وغير مُحتمل متوقع الحدوث في العراق، لكن أي تغيير أو تعديل يجري ضمن ما هو مطروح من شعارات لا ولن يحل المشكل، لأنه مُجرد ترقيع، وتخدير، أو علاج مؤقت قد يقنع قصيري النظر، لكنه بالمحصلة سيثبّت القالب، ويؤبده .
ليست هذه نظرة تشاؤمية، بل دعوة للذهاب إلى جوهر المشكلة . ينبغي البحث عن أصل الداء، وأصل الداء أن ثمة قالب وضعوه لنا، مهما تنوعت المادة التي تدخل فيه فإنها بعد الصهر تخرج شكلا ثابتا، قد يكون أصلب، أو أكثر هشاشة، لكنه يظل ضمن المواصفات التي لا تخرج عن القالب، ولوبقينا على هذا النهج فإننا سنصبح كثور الناعور يدور في حلقة ، ويصبح جهدنا كجهد الناعور الذي يغرف الماء من مكان، ثم يكبه في مكان آخر، ولا حيلة للثور إلا الدوان العبثي حول نفسه ، فإن تذمر وأراد الخروج عن المسار، فليس أمامه سوى ( أمران) ، إما عزله وإبداله، أو نحره ووضع حد لحياته ..
لقد إختلط الحابل بالنابل، وما عاد أحد يميز بين الفاسد المطرود، أو المُقال بحكم قضائي، أو ذاك المُستبعد عن الكعكة بسبب تحوله إلى حوت صغير، دفعته الحيتان الكبيرة خارج مجال اللغف، وذاك الذي ركب الموجة التي يأمل أن توصله إلى ماينشده هو لا ما تنشده الجماهير ، وذاك الذي دفعه كم الحرمان والعنت الهائل إلى أن يطلب بعض المطالب التي تعيد الإعتبار لآدميته وكرامته المهانه، وأبسط ما ينشده أن يكون مواطناً في دولة المواطنة، دون أن نغفل التنافس السياسي بين السياسيين الذين هم من نفس الطينة، والذين يستثمرون معانات الجماهير، من أجل مصالحهم الضيقة، وهم على إستعداد فطري للقفز إلى أية ضفة تضمن مصالحهم، وفي أي وقت، فإذا لم يستطيعوا القفز على السلطة فعلى الأقل إلوصول إلى جزء من الكعكة.
هل أصيب العراقيون بفايروس الفساد؟
هل إختاروا بمحض إرادتهم السكة التي وضعوا القطار العراقي عليها، وهم يعلمون أنها سوف لن تفضي إلى محطات الاستقرار، والأمن، والبناء والنمو، أم هناك من هياً هذه السكه وألزمهم بأن يضعوا قطارهم عليها؟
هل يكفي أن ترفع عقيرتك بذم الفاسدين، دون أن تجرؤ على ذم المتسبب بهذا الفساد، والضياع، والهوان؟ هل أنت لا تعرفه، أم أنك تعتبره مُحرراً؟
الكلام هنا غير موجه للشباب الذين تظاهروا بعد أن يئسوا من هذه السلطة الفاسدة، والذين لم يعودوا قادرين على الصبر، وإنما لأولئك السياسيين الذين يريدون ركوب الموجه، وهم مشاركون بهذا الخراب، منذ ما قبل الإحتلال وما بعده، وكان بعضهم منظرين للإحتلال وأدلاء لقطعان المحتل .
حطموا القالب، واخرجوا من المُحددات التي طوقتم أنفسكم بها، وعندها ستكونون جزءاً من أصوات المنتفضين والمتظاهرين، أما وأنتم مقيدون بثقل الإحتلال والمحتل، غير قادرين حتى على الجهر بمسؤليته عن ما حدث ويحدث في العراق من كوارث، فإنكم سوف لن تكونوا جديرين بحمل راية الوطنية، والدفاع عن حقوق المواطنين، بأي عنوان أو بأية صفة أو بأي برقع تبرقعتم، وستتسببون بإجهاض الحراك الشعبي، عن قصد أو من دونما قصد ، فالعبرة أولاً وآخراً بالنتائج لا بالنوايا .
قبل أن نميز الفاسد من غير الفاسد، والمخلص من غير المخلص، والذي يدفعه شعوره الوطني لتعديل المايل، وذاك الذي ينفذ أجندات معينة، طائفية أو حزبية، أو خارجية، علينا أن نسأل عن موقفه من الإحتلال والمحتل، فأن يكون العراق أو لا يكون، يعتمد على الإجابة على هذا السؤال، إن جوهر الكارثة العراقية يكمن هنا .