سداد جواد التميمي
لا يزال نهر الزاب الكبير يمثل رمزاً من رموز تلك البقعة من الارض شمال العراق، حيث يمتد من جنوب تركيا ماراً بشمال العراق، محاطاً بهضاب و جبال ، و يتصل بعدها بنهر دجلة جنوب الموصل. هذه البقعة من الارض شهدت الصراع البعد الاخر و جبالها كانت مأوى للسكان من نيران الجيش العراقي عبر عقود من الزمن. هذه الارض هي ما نسميها كردستان و تضم اكبر فئة عرقية من بشر و لكن الى يومنا هذا بدون دولة مستقلة تضمهم .
لا احد يجهل تاريخ كردستان و تاريخ الاكراد منذ القرن الحادي العشر حين نزحوا من جنوب غرب ايران الى الارض التي يسكنوها. يعترض البعض على هذا الامر و يرفض قيام وطن مستقل لهم، و لكن ان تتبعت التاريخ لادركت بان من يسكن العراق و تركيا و سوريا اليوم نزحوا الى هذه الاراضي من مناطق اخرى.
استغل الاكراد نهاية الحرب العالمية الاولى و قامت لهم جمهورية صغيرة في شمال شرق تركيا تُعرف بجمهورية أرارات او جمهورية ارارات الكردية. كذلك الامر بعد الحرب العالمية الثانية قامت لهم جمهورية مهاباد بفضل الوجود السوفيتي المؤقت في شمال غرب ايران. لم تدم هذه الجمهورية وطويلاً وسقطت في كانون الاول عام 1946. يشهد التاريخ لزعيمها القاضي محمد الذي تجنب الحرب بكل قدرته خوفاً من مذبحة قومه على يد القوات الايرانية. أعتقل القاضي محمد و شُنق في مهاباد في اليوم الاخير من آذار عام 1947.
أما الجمهورية الكردية الثالثة فهي الان في اواخر شهور الحمل و ولادتها امراً محتوماً عاجلاً ام أجلاً و ستتم بعد طلاق الارض و الاقلية الكردية من الارض و الاغلبية العربية التي تسكن العراق. السبب في ذلك لا يعود فقط الى الصراعات الطائفية التي تمزق العراق منذ 90 عاماً فحسب و لكن هناك حقيقة يتغافل عنها اهل العراق من العرب و هو ان العراق الذي نعرفه اليوم تم تصميمه من قبل بريطانيا و لم يصممه الله.
يصف ديفيد فرانكلن الاكراد بأنهم قوم قلما أتحدوا و أهدروا طاقاتهم في صراعات مع جيرانهم من عرب و أرمن وغيرهم. أحتار الإنكليز في أمرهم بعد تقسيم الدولة ألعثمانية. في بادئ ألأمر كانت كردستان من نصيب فرنسا حسب اتفاقية سايكس بيكو، ولكن الإنكليز طلبوا من الفرنسيين التحلي بدعوة ولسن لتحرير الشعوب و التخلي عن تلك البقعة من ألأرض وإنشاء دويلات صغيرة تحت الحماية ألبريطانية. حاول الإنكليز تنظيم صفوف الأكراد في 1919 وأدى ذلك إلى ثلاثة انتفاضات كردية ضد الانكليز سرعان ما عجلت بالتخلي عن فكرة تأسيس بلد مستقل، و اعقب ذلك انسحاب تام من كردستان شانها شان
ألكثير من المناطق التي انسحبت منها بريطانيا بعد هضمها للبعد أللاقتصادي المؤلم للحرب ألعالمية ألأولى.
كان قيام الدولة ألعراقية الحديثة نتيجة حتمية لسقوط الدولة ألعثمانية وتم التخطيط له أيام الحرب ألعالمية الأولى بضم ولاية بغداد والبصرة حسب دراسات مارك سايكس والذي وضع أسم العراق لبلاد ما بين الرافدين .حذر مبشر أمريكي جرترود بيل بعدم ألتغافل عن 4000 سنة من التاريخ موضحاً بان بلاد ألعراق مكونة من جزأين هما بلاد ألأشور شمالاً وبلاد بابل جنوباً وكليهما لم يعرفا الاستقلال ألمطلق، فبلاد ألأشور دوما تتطلع شرقاً، غرباً، وشمالاً وبابل لا تنظر إلى نحو الجنوب، وسكان الجزأين ان جمعتهم فهم لا يفهمون المواطنة. ولكن السياسة ألبريطانية ء على حد تعبير
صحيفة ألتا يمس في 10 آب 1920 بانها كانت حمقاء في شأن قيام دولة اسمها العراق مكونة من ثلاث ولايات غير متجانسة.
تطرق الكثير من الكتاب الى ان ضم كردستان الى العراق كان غرضه زيادة عدد الطائفة السنية و خلق حالة من التوازن بينهم و بين الشيعة. ربما كان هذا الاستنتاج صحيحاً، ولكن هناك جانب آخر لقيام العراق الذي نعرفه اليوم. كشفت وثائق الحكومة البريطانية بان المخابرات ألبريطانية أدركت وجود ثروة نفطية عندما ترصدت لتلغراف من ناقب أمريكي بعثه إلى زوجته مشيرا إلى الكنز ألأسود تحت أراضي ولاية ألموصل في نهاية العقد الثاني للقرن العشرين. تم ترحيل الناقبين بعدها بأسبوع رغم اشمئزاز الحكومة ألأمريكية من هذا الفعل. كان رد ألخارجية ألبريطانية أن الترحيل كان لأسباب
أمنية فقط وحرصاً على سلامة الناقبين.
هنالك حقيقة تاريخية لا يمكن إنكارها وهي أن شمال ألعراق أرض آشورية تاريخياً. أربيل تعني الآلهة الأربعة باللغة ألأثورية وعمرها 4000 سنة، بينما التقويم الكردي يبدأ من سقوط نينوى في عام 612 قبل ألمسيح. هنالك اقليات تسكن كردستان لا بد للأكراد من ينتبهوا الى حقوقهم و استيعابهم ضمن جمهورية كردستان في المستقبل. أمحى صدام 200 قرية اثورية، ومن خلال تعريب الشمال تم تدمير ما لا يحصى عدده من الكنائس . كذلك هناك أقليات أخرى مثل ألشاباك و التركمان و أليزيدية. هذا الامر يشبه الى حد كبير المشاكل التي تواجه جنوب السودان الذي طلق شمال السودان العربي و لديه الان
مشاكل اقليات أخرى ولدت لتعصف بهذه الدولة الحديثة و لديه مشكلة أخرى تشبه الى حد كبير مشكلة كركوك و حقول النفط و انابيب النفط.
ان قضية كركوك ليست بالقضية التي يستحيل حلها. بلا شك كانت أغلبيتها كردية منذ قيام الدولة العراقية الحديثة و بدأ الانكليز بتعريبها اولاً و تتابعت الحكومات العراقية في العصرين الملكي و الجمهوري الاستمرار بهذه السياسة.
أما مطامع تركيا في ولاية الموصل او بالأحرى مدينة كركوك فلا شرعية له، و لكن عدائهم لقيام دولة كردستان لا يمكن تجاهله. كان سلوك الدولة التركية مع الاكراد أثناء احتفالهم بعيد نوروز هذا العام تذكرة بسياسة التمييز العنصري التي مارستها ولا تزال تمارسها تركيا ضد الاقلية الكردية.
كان السودان احد تلك البلاد التي صممها الاستعمار البريطاني و انتهى امره و رجعت الى تصميم الله. لا تزال نيجريا احد تلك البلاد التي صممها ايضاً الاستعمار و لا تزال الازمات تعصف بها الى يومنا هذا و لا أحد يعرف متى سترجع الى تصميم الله. عصف الربيع العربي بسوريا و الحديث اليوم عن أقلية علوية تتحكم برقاب الناس و لكن لو راجع الناس التاريخ لادركوا لماذا كان اجداد الاسد حريصين على قيام دولة مستقلة بعيدة عن احلام سوريا الكبرى العربية. اما العراق فأمره لا يختلف كثيراً عن تلك البلاد. لا تزال الصراعات الطائفية بين العرب من سنة و شيعة تعصف به اليوم بعد الاخر و
قيام مؤتمر قمة عربي في بغداد تذكرة بهويته العربية الغير عراقية التي عانى منها منذ يوم تأسيسه الى الان وولدت لديه ارتباك في قيام دولة علمانية تحتضن جميع الطوائف الدينية و العرقية و بالتالي قيام دولة فدرالية حديثة. تكلم رجال السياسة في بغداد عن الفدرالية في التسع سنوات الاخيرة و لكن لا أحد منهم يفهم معنى الفدرالية و ولائهم دوماً كان لطوائفهم قبل العراق.
ربما قد يرفض الكثير من أهل العراق قيام دولة كردستان و لكنه وطن صممه الله و سيولد عاجلاً ام آجلاً و عسى ان يتم ذلك بدون اراقة دماء بريئة.