ثامر سعيد
كلّما تذكرتُها ..
تلك الكؤوس التي تهشمتْ
على رأسي ,
سقطَ العمرُ يابساً
يابساً ومالحاً
مثلَ دمعةٍ في القلب .
وثمةَ ألوفٌ من الكلماتِ المدببةِ
تعوي في رئتي
كلّما زفرتُها
تلبدَ بالدّخانِ قميصي ,
أنا لا أقولُ حرائقَ
ربما هي حفلةُ شواءٍ
لمجانينَ يتنادمونَ في صدري
منذ 16 مايو 1962 .
الكؤوسُ التي شربَتْني
وأنا أتلفتُ خلفي
أو أدورُ حولي
ما زالت تلوحُ لي بالأيام
الأيامَ التي ما انفكتْ
تشيرُ بسبابتها بوجهي
وتقولُ لي :
كنْ حذراً يا فتى
سنلتقي ..
فبعد لحظات , سيرنُّ جرسُ الخروج
من المدرسة !
الكؤوسُ التي شرِبتُها
إما مُطارِدٌ وإما مُطارَدٌ
هي التي منحتني متعةَ الهذيان
حين تكونُ اللغةُ بريئةً
مثلَ جلسةٍ عائليةٍ
والقصائدُ محضَ ابتساماتٍ بلهاء .
كؤوسٌ عذبةٌ وأخرى أجاج
كؤوسٌ تأخذُ الرأسَ إلى النجومِ
وأخرى تطوّحُ به في مطاميرَ
تؤكدُ له أنَّ الغربةَ هي كلّ ما يملك .
كؤوسُ تنضبُ وأخرى طافحة .
عناقيدُ الوقتِ ملأى بالكؤوس
والمناضدُ تتحدثُ عن أشلاءنا
كؤوسٌ
كؤوسٌ
كؤوس
تحضر ثم تغادر
أو تتهشمُ ,
وحدك أنتِ
يا كأسَ الشعرِ
لا أدري من أيِّ جنونٍ تنبعين
ومن أعطاكِ كلَّ هذا الصبرِ
لتكوني رفيقتي
في الفوضى أو الخطر ؟
أسكبُ في نصفكِ الفارغِ
فلا يمتلئ
وأرشفُ من نصفكِ المملوءِ
فلا يفرغ !
تباً لك أيها العالم
كلّ يومٍ ترشقنا بكؤوسِك
نلصقُ بصبرنا أشلاءها فتتهشم
ثم نلصقها فنتهشمُ نحن .
ونركضُ
نركضُ
نركضُ
تلاحقنا الكؤوس
.
.
أيّتها الكؤوسُ متى تكفينَ
عن النباح ؟