نيسان سليم رأفت
الآن ٠٠
هدوء، الأصحّ صمت، صمت شديد وكأنّ أهل المدينة رحلوا فعلاً
أحياناً الممكن يتعبنا أكثر من المحتوم
والحقيقة أنني ما عُدتُ أُصدّقُ أن في كُلّ تلك الأبنية جمعٌ من العائلات الكبيرة، خاصّة بعد منتصف الليل
، صارت المدينة مهجورةً تماماً، ليلٌ على ليل، ورق ووقتٌ طويل، الكثير من الورق الأبيض أمامي على الطاولة، ولكن ماذا أكتب؟
حين تُقرّر الكتابة يعني أن في بالك أمراً أو فكرة تُريد أن تضيفها، ماذا أُضيف؟ والعالم كله يغرق.. هل أكتب عن العزلة؟ – أختبرتهُا يوم فارقتُ بغداد وبيتي وحرمت من رؤية زهر الليمون، والنارنج، ورحت أنعى ذكرياته بدمعي، كموت عزيز في ديار غريبة..
هل أكتب عن الخوف؟ وهل الخوف أمرٌ دخيل على حياتنا وهو الشعور المكرر الذي سكن رُكب ومفاصل كُلّ من أعرفهم
أنا التي كبرت مع سطور (مدن الملح) وعشت في موران زمنا، وانتقلت إلى (أرض السواد)، تلك التي يقتل فيها من نحب بغير ذنب، ولكنها دائما على الخريطة كانت الأولى, منارة الدنيا ونبع الحضارة، فرس جموح رغم كل الجراح ….
والآن هنا رغم أني لم أكن معك بل كنت قابعا في كل تلك الزنازين تجسدت في قصة حب مجوسية ونذرت ولم أف وتسابقت مع نفسي طويلا حتى تركت الجسر وحيدا في عالمي المليء بالخرائط المعقدة وفي النهايات اكتشفت أني لم أعش ما انتظرته طيلة سنواتي٠٠٠
هنا تنصحني صديقتي مديحة أن أكتب قصتي فهي تراني بحدّ وصفها موضوعا مُحببا كما تقول وما الذي يُمكن أن يكون أحلى من الكتابة عن عيون ملونة لامرأةٍ بيضاء، وكاتبة جميلة، بشعر أسود، وأنوثةٍ طاغية ٠ لن أحرجها ولن أستهين بفكرتها لربما أن وصلت الخمسين من عُمري أو أكثر، سأقتنع بفكرتها، أو ربما سأموت قبل أن أكتب أيّ شيءٍ عني، فمن أنا لينتظر البعض قصتي .. لا شيء.
لكن لن أمتنع أن أكتب عنك والآخرين حتى وأن أصبح الكون حطامًا، وأن بقي من روحي نصف شيطان، لو أصابني الجزع والخوف
سأكتب حتى لو نسيت فطوري ألف مرة
وأكلني الشك وكررت عد أصابعي للمرة الثالثة
ونفذت سجائري التي أحب
سأكتب وأن أصبح العالم في قلبي آيلا للسقوط
سيبقى الحي بي هادئا مع القليل من الألفة الباهتة، والبيوت التي تحرسها ظلال كثيفة. في الشياح، لا تزال العصافير تغرد بلا تذمر، أنها أرواح الأمكنة. وأن الأحياء ترحل مع رحيل عصافيرها.