خلال الأعوام العشرة الأخيرة تكاد مناكفات الأحزاب الكردية السورية ان تطغي على الصراع الرئيسي بين الحركة الوطنية الكردية من جهة ، والنظام المستبد ، والقوى الشوفينية من الجهة الأخرى ، وان تحيد نضال الكرد من اجل الحقوق والحريات الديموقراطية عن مساره التاريخي ، وتحوله الى مجرد صراعات جانبية ، وخصومات محلية ، ومبارزات آيديولوجية ، او إيجاد أعداء جدد خارج الساحة الحقيقية الوطنية التي تندمج فيها نضال الحركة الكردية مع مساعي الحركة الديموقراطية السورية من اجل التغيير الديموقراطي .
فقد سبقتنا القارتان الامريكية ، والأوروبية قرونا ، وعقودا في معالجة قضايا شعوبها ، واقوامها عبر انتزاع الحرية ، وتحقيق الاستقلال القومي ، وتشييد الدول الوطنية ، وإقامة النظم السياسية التي اصبح بعضها أمثلة يحتذى بها في مجال الديموقراطية ، وحقوق الانسان ، وحل المسألتين القومية ، والوطنية ، وترسيخ أسس حق المواطنة ، وحرية الفرد ، وفصل الدين عن الدولة ، واقرار الدساتير الضامنة للحقوق ، والراعية للعقود الاجتماعية بين سائر الطبقات ، والفئات الاجتماعية ، والاقوام ، وبين الجنسين على قاعدة العدل و المساواة .
ومايتعلق بالشعوب المناضلة في مناطق التحرر القومي ، والوطني ، والتي طال امد نيل حريتها وإنجاز مهامها الطبيعية ، ولم تسعفها الحظوظ ابان الحربين العالميتين ، او أصبحت ضحايا التاريخ ، والجغرافيا ، وعدم اكتمال العوامل ، والشروط الذاتية ، والموضوعية ، ويستحضرنا بهذا المجال كأمثلة قريبة : الكرد ، والفلسطينييون ، والامازيغ ، ومن دون التوسع اكثر في بطون التاريخ حيث هناك العشرات ، والمئات من الاقوام المحرومة .
قضايا الشعوب الممتدة قرونا او عقودا من دون حلول مثل قضية الشعب الكردي ، وبسبب التراكمات ، والمراحل التاريخية المتعاقبة ، واهوال الحروب والمنازعات ، والابادة الجماعية ، وتنوع الاحتلالات ، واشكال الاستعمار ، وتواصل التقسيمات بين القوى السائدة ، والامعان في تغييير المعالم الحضارية ، والتركيب الجيوسياسي ، فان قضية الكرد السوريين كانت دائما الهدف المباشر للارتدادات الفكرية ، والثقافية ، والسياسية بغية تشويهها ، وحرفها عن مسارها الصحيح ، وافراغها من مضمونها القومي الديموقراطي المشروع ، لذلك فانها بامس الحاجة بين مرحلة وأخرى الى عمليات ” جراحية ” من نوع المراجعة ، والتقييم ، وإعادة البناء ، والحفاظ على نقاوة الجوهر ، وتجديد العوامل الذاتية .
مصادر الارتداد في القضية الكردية السورية
منذ ظهورالحركة السياسية لدى الكرد السوريين ، وتحديدا منذ انبثاق حركة – خويبون – أواسط عشرينات القرن الماضي ، ثم تشكل الحزب السياسي الأول أواسط الخمسينات ، كانت هناك محاولات مضادة داخل الحركة ، وخارجها متنوعة المصادر ، والاهداف ولكنها تتشارك في هدف واحد وهو الهدم ، والاضعاف ، والإساءة ، وبحسب تجربتي الشخصية ، ومشاهداتي ، وموقعي بدائرة القرار والفعل لعقود كاملة ، فقد كان كونفرانس الخامس من آب ١٩٦٥ ، المحاولة الأولى في إعادة تعريف القضية الكردية السورية ( الشعب – القضية – البرنامج – الأهداف والمطالب – البعدان القومي والوطني – والاممي – استقلالية القرار – احياء الثقافة الكردية …) ، وتصحيح المسار ، وقد دامت التجربة نحو نصف قرن وانجزت قسما من المهام ، ومازلت الباقية قيد المعالجة حتى يومنا هذا ، اما المحاولة – التصحيحية – التالية فكانت بداياتها في هبة عام ٢٠٠٤ التي لم تكتمل شروط تحولها الى انتفاضة شاملة وبالتالي لم ترى هذه المحاولة النور إضافة الى رغبات فردية أخرى لم تحقق النجاح ، وقد كانت الفترة الزمنية الممتدة من ٢٠١١ وحتى الان ( في ظل أحزاب طرفي الاستقطاب ) من اكثر الأعوام التي شهدت ارتدادات خطيرة بخصوص القضية الكردية السورية والتي تزامنت مع ظاهرة توالد الأحزاب بالعشرات من خارج التطور السياسي التاريخي الطبيعي بل بارادات خارجية وبالمال السياسي ومنها :
أولا – في التعريف : العودة الى أزمنة الغموض السلبي ، والانتقال من الفعل الجماهيري الى البيروقراطية ، ومن مبدأ حق تقرير مصير الكرد السوريين في اطار سوريا الديموقراطية الموحدة ،كشعب من السكان الأصليين ، الى شعارات فضفاضة لامعنى لها مثل الامة الديموقراطية ، ومن قضية جامعة للكرد الى مسائل مناطقية مثل شمال شرق سوريا .
ثانيا – في الأهداف : من حل القضية الكردية بالطرق السلمية ، والحوار من خلال نظام وطني ديموقراطي ، وبتوافق مع القوى الديموقراطية السورية على أساس الشراكة في السلطة والثروة ، والقرار ، بحسب نسبة الكرد في البلاد ١٥٪ ، واستفتاء الكرد في اختيار نظام الحل الأمثل حسب الحالة الكردية والظروف الموضوعية ، وتجارب الشعوب الأخرى ، الى الهرولة نحو نظام الأسد المستبد ، والاستعداد لقبول سلطته .
ثالثا – في الخصوصية الكردية السورية : باعتبار حل القضية الكردية عبر النضال السياسي بخلاف كل تجارب الاشقاء بالاجزاء الأخرى من خلال ( الكفاح المسلح ) ، الى حمل السلاح ، وعسكرة المجتمع الكردي ، وانشاء ميليشيات ، وفصائل مسلحة ، والذي يعتبر خروجا عن المسار ، وانخراطا في مغامرات غير معروفة النتائج تكلف الدماء والارواح الغالية .
رابعا – في كتابة تاريخ الحركة الكردية السورية : باعتبار القضية الكردية السورية بدأت منذ التقسيم ، وضم جزء من الكرد الى الدولة السورية ، ونشوء حركة سياسية كردية قومية ووطنية يبدأأ تاريخها من حركة خويبون وحتى الان الى قضية تاريخ الأحزاب ، أي ان القضية ظهرت بظهور الأحزاب ، في حين ان القضية سبقت الأحزاب بعقود من السنين .
خامسا – في التوازن بين القومي والوطني : هذه القاعدة التي انطلقت منها الحركة الكردية السورية واستندت اليها القضية القومية كانت ومازالت مبعث الأمان ، والضمانة الحقيقية لعدم الجنوح نحو كل من التطرف القومي الانعزالي من جهة ، والكوسموبوليتية او العدمية القومية من الجهة الأخرى ، وهما من اشد الاخطار فتكا بحاضر ومستقبل الكرد السوريين ، في حين نرى الان وفي ظل تصدر أحزاب الطرفين اختراق ممنهج لتلك القاعدة ، وفي حال نجاحه سيعيد القضية عقودا نحو الوراء .
سادسا – في استقلالية القرار : من خصوصيات الحركة الكردية السورية والقضية القومية كماذكرنا سالفا النضال السلمي الذي لم يتطلب تامين تكاليف التسليح ، والذخيرة ، وتموين المقاتلين ، وبمعنى آخر عدم الحاجة الى نسج العلاقات مع الأنظمة ، ومايتطلب من تقديم التنازلات واحيانا المبدئية ، لذلك انطلقت قضيتنا في دروب من سماتها البارزة استقلالية القرار ، خاصة عندما تمسكنا بمبدأ تحريم العلاقات مع الأنظمة في الدول الغاصبة لكردستان ، التي كانت تتصارع ، وتحاول زج الكرد في اتون المواجهات ، وتحويلهم الى محاربين بالوكالة ، ومرتزقة يخدمون اجندات الاخرين ، وهذا ماحصل بكل اسف في الأعوام العشرة الأخيرة في ساحتنا ، وضمن قضيتنا الكردية السورية .
سابعا – في تجربة العمل الحزبي : لكل قضية كردية في الأجزاء الأربعة تعبيراتها الفكرية ، والثقافية ، والسياسية ، والحزبية ، وخصوصياتها المرتبطة بالتطور الاجتماعي ، والاقتصادي ، وشكل أنظمة الحكم السائدة ، نحن في قضيتنا لنا تجربة خاصة أيضا ترتكز على وجود شعبنا وقضيتنا ، ولها ابعاد وطنية سورية ، وقومية كردستانية أيضا ، قضيتنا ليست امتدادا تنظيمميا لاية قضية كردية أخرى ، وحركتنا ليست فرعا سريا مكملا من حركات قومية أخرى ، ونضالنا ليس تابعا لمركز قيادي خارج الحدود ، والان تختلف الصورة في ساحتنا ، وحصل ارتداد عن المبادئ ، هناك من يعتبر حزبه فرعا آيديولوجيا ، وتنظيميا ، او عسكريا ، او ماليا لمراكز حزبية أخرى ، وذلك يقود حتما الى الهلاك والفناء .
قضية شعب ، وليست منازعات أحزاب
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا