قصيدة ” طيران ثمل “
لا يخلو الشعر من الصورة الفنية لتحقيق المتعة الجمالية التي تمثل هدفًا أساسًا له … يتوسل الشاعر بها ليعبر عن حالات لا يمكن له ان يجسدها بدونها … لتصبح وسيلة لإدراك نوع متميز من الحقائق التي تعجز اللغة العادية عن إدراكها أو توصيلها…
يقول الجاحظ ؛ ان الشعر جنس من التصوير…والصياغة سبيل التعبير عن المعنى “
ويضيف الجرجاني ؛ الصورة انما هي تمثيل قياس لما نعلمه بعقولنا على الذي نراه بأبصارنا “
ونحن نتتبع المعنى الذي يطرحه الشاعر في النص وعالمه الكشفي … لابد لنا ان نستخدم الحدس والتأمل لنكشف عن مصدر رؤيته الشعرية التي تبحث في علاقتنا بالكون والمعرفة بالوجود وما هو مضمر فيه … فهو يضع اليقين موضع السؤال ؟
الأمر الذي يعين علينا ان نتعامل مع النص من خلال رؤية تأويلية والابتعاد عن اسلوب العرض والتعيين ونعتمد على سياق حدس الباطن والتأويل التوليدي ” الذي يسمح المجال للاحتمال والاستكمال ورحابة المخيلة بعد تجريد الموضوع من التصورات الظاهرية واستجلاء مجهول البيان المستتر على المعاني والصور الذهنية والمرئية الخفية وراء مكمن القصد وفحواه …
فالقصيدة هذه مصممة ومرسومة بالإشارات اللغوية والتشكيلية التي تجعل من قرائتها ما يشبه حركة العين على سطح اللوحة الفنية…
… حيث نرى الشاعر وهو يرقب ” الطير الثمل” في حركته ويرسمها بريشة الفنان فيراه وقد تراخت قواه وتخدرت بعد ان اخذ شرب النبيذ ” من قعر الدنان منه مأخذًا … فقد سكر” وذهب عقله ” طلبًا للذة او هربًا من الهموم والاحزان … فتاه بين الأرض والسماء واختل في الجو وترنح وكاد ان يقع ويسقط من مملكة الهواء والرياح وينسى انه خلق ليسبح في الفضاء ويحلق في الأعالي على إيقاع الكون متحررا من جاذبية الارض الثقيلة على روحه فهو لا يطيق عبودية الأرض وما هو مألوف بين العش والسماء …
لقد جرب لذة الطيران وهو سكران في فضاء من الشعر
طائراً بعيد المنال …