أصابه يأس من الحياة، أعجب بالمنحدرات، فكل مرة يختار منحدرا مناسبا ليتخلص من يأسه ..كلها ذات بساط عشبي جميل، تشق روعتها صخور ناتئة كأنها مسلات .
التيس الأبيض يرعى في هدوء، والراعي بأشعاره يرافق الشلال..والبلابل في تغريدها..والشمس تنسج من تجمعهم نسقا جميلا متجددا ،لا يُملّ ..!
أما هو فلا يزال يبحث عن مكان يناسبه للانتقام ..ينتقم له من روحه التي غرقت في الظلام..!
في لحظة الإنشاد،..
سُمع صوتٌ ..شق روعة المكان والزمان..
-أنقذني يا راعي الأغنام، ساعدني أرجوك،لا أريد أن أموت ..!
هرع إليه.. فإذا به بين مسلتين صخريتين سلختا جلده ، والدماء تسيل كعنزة ذبحت اللحظة .
أخرجه بصعوبة لأن المنحدر كان خطيرا جدا والصخور كثيرة ومتشابكة .. غسل جراحه من ماء الشلال وداواها بالعشب النظيف وسقاه من حليب عنزاته ..وتركه ينام ..
عندما استيقظ أشركه ارتشاف قهوته، أزالت ألما من رأسه..
-لماذا تفعل بنفسك هكذا؟ ..لماذا تقتل وجها جميلا كوجهك أيها الشاب الرائع ؟..
– يا عمي.. أنا مللت من هذه الحياة ..لا أطيقها ولا أستطيع حمل أثقالها، التي تزداد كلما سار بي العمر، أليس عليّ أن أسرع في الهروب منها بأي وسيلة كانت، لكني لم أجد أقدرَ على تحقيق هدفي من هذه المنحدرات والمسلات الحادة ..؟!
– عجبت لأمرك، كيف تقول هذا وقد سمعتك تصرخ تطلب النجدة، أنت لا تريد قتل نفسك..أنت تريد قتل شيئا ما في داخلك ، تخلص منه برفق بعيدا عن روحك الجميلة .
كان في كلام الراعي شفاء لما في صدره ؛ فعزم على التخلص ممّا يسبب له آلامه..
عند الغروب ..عاد برفقته إلى القرية، يقودان القطيع ..وغبار العودة يذكره بغبار الحياة ..