قصة قصيرة
صهيلٌ على حافةِ شمعة
شربتُ نقطة ماءٍ، فغصتُ في بحور الشعر والمعلقات، جرفني مثلث برمودا إلى أعماقه فرأيتُ أبعادًا .. و رنّ جرس الباب فأيقظني من غفوتي ..
دخل رجلٌ آليٌّ ووضع كلَّ ما طلبتُه على الطاولة، أعطاني الفاتورة وخرج ..
قالت ابنتي: إنّه عصر السرعة يا ماما فمالكِ ومال الخيل والليل، ولماذا تتحسرين على الأطلال؟
خلال أقل من نصف ساعة حضّرتُ مائدة الطعام، وما إن أوشكت على وضع اللّمسات الأخيرة عليها حتى وصل أصدقاء ابنتي وجميعهم يرتدون ذات النظّارة التي فاجأتني ابنتي بواحدةٍ منها قائلةً:
– ارتدي هذه النظّارة الإلكترونية يا أماه كي تفهمي لسان أصدقائي الصنيينن والألمان والإنكليز …، فهي نظارةٌ تغنيك عن تعلّم اللغات، تقرأين من خلالها ما تشائين، ولن تتوهي بعد الآن بخرائط غوغل للحصول على الإتجاهات …
استقليتُ مركبتي التي حلّقت بي عاليًا نحو السماء، قاصدةّ في مشواري المتاحفَ والآثار …
قرأتُ كتبًا ومجلدات، وأبحرتُ بين طيات التاريخ، فوجدتُ نفسي في حياتي السابقة غارقةً في بحرٍ من الأحزان أعيش وأصدقائي وكل أهلي وناسي في عصر من الظلمات. عصرٌ من القهر والحرمان، عصرٌ متقدمٌ في كلّ شيء، لكنه خالٍ من تقبّل الآخر، تُثار فيه النعرات الطائفية وكل الغباءات التي اخترعها البشر ليكبلوا بها إنسانية الإنسان، عصرٌ تنمو في أعماقه بذور الحقد والعنصرية …
في العصر الرقمي سمعتُ ابنتي وأصدقاءها يتحدثون عن حرب التقنيات التي تجتاح البلاد، نعم، إنهم لم ينسوا أبدًا الحروب لقد صنعوا لها مخططاتٍ من الآن، وحضروا لها أحدث أدوات التجسس البالغة في الصغر..
حضر إلى ذاكرتي ذباب سارتر، فرأيت الكائنات تتخبط سأمًا من لعبة جوبيتر، أزلت غبارًا من على قبرٍ، فقام غيفارا من موته يحادثني:
– هل تعلمين يا صديقتي أنني “لا أهتّم أين ومتى سأموت، بقدر ما يهمني أن يبقى الثوار يملؤون العالم ضجيجًا، كي لا ينام العالم بثقله على أجساد الفقراء والبائسين والمظلومين”، ثمّ أخرج من القبر مخطوطات قرأتُ فيها عن شحٍّ في مياه الأرض، وقلّةٍ في الموارد الغذائية مما سيؤدي إلى جفاف ومجاعات في المستقبل القريب ستطال البلاد النامية وسننتظر من الذكاء الإصطناعي أن يمدّنا بالحلّ!
فإلى متى سنبقى بلدانًا نامية، بلدانًا منكوبة، بلدانًا مقهورة ومعطوبة؟
أغقلتُ جميع الكتب والمراجع وأعدتُ المخطوطات إلى مكانها أتمتم بيني وبين نفسي صحيحٌ أن لعازر الفقير لم يستطع أن يعود حينذاك ليبلل بطرف إصبعه لسان ذلك الغني، لكنني حتمًا سأعود ..
ضجيج ومفرقعات، تبريكات وتهاني تصلني ..
ها أنا الآن على منصّة الفوز أتسلّم كأس الفروسية.
م.ب
2021/9/20