قصة قصيرة ( ارهاصات الزمن الصعب ) اياد خضير
ولدي عامر عندما سافرت أوكلت لي مهمة إغلاق الباب الخارجي وإطفاء المصابيح ، في هذا المساء أو في أي مساء آخر، حين أعود الى البيت أرتمي منهمكاً على سريري أتأمل صورتك على جدران الحائط ، يعتصرني الألم فأحس بأنني متعب جداً وأنني بحاجة الى أن أنام حتى أنهض مبكرا ، لم أتخلف يوماً عن الدوام الرسمي ، سبق وأن قلت لك وأقولها مراراً وتكراراً أن الوظيفة حاجة لأترف ، البارحة نمت مبكراً لأن أعصابي متوترة ، أصوات الموظفين الذين يتشاجرون بين فترة وأخرى على الإعمال المناطة بهم ، تجلب الصداع ، لاشيء في دهاليز سمعي سوى هذه الأصوات كأنها قرع طبول لرقصة غجرية ، رحت في أغفائة طويلة لم أغلق الباب الرئيسي بوضع القضيب الحديدي في الرتاج ، استيقظت مذعوراً ، كابوس مخيف سيطر على دماغي ، أربكني وددت أن أختفي في فراشي ، تذكرت بأنني لم أغلق الباب الرئيسي دفعني الفضول أن أنظر الى الشارع الذي كان نصف مضاء شاهدت شاباً ملتصقاً على باب الشقة المقابلة الى منزلنا ، شقة الحاج محمد ، حسبته يتبول ، وآخر قادم يترنح.. يخور، يطرق برأسه الأرض كأنه ثمل ، دخلت وأغلقت الباب وبدأت أنظر عبر فتحة صغيرة في أعلى الباب شاهدت الشاب القادم تجاوز منزلنا وأخذ يتكلم مع صاحبه الواقف بصوت غير معروف ألبته أمعنت النظر رأيته يحاول كسر القفل بالمدية التي يحملها.. فقد كلفني الحاج محمد قبل سفره هو وعائلته الى خارج القطر أن أحافظ على شقتهم ريثما يعودون، داعبت شاربي وصحت بصوت جهوري لا يخلو من الحشرجة.. فر هارباً ركضت وراءه مسرعاً حافي القدمين بسروال طويل دلف داخل الزقاق المجاور الذي كان أكثر عتمة ، كان الجو بارداً والمطر النازل من بيت السماء خفيفاً يصيب الجسد برعشة ، أصرخ لا أحد يسمع صراخي ، فوجئت بمجموعة كلاب سائبة يقودها كلب أبيض ممتلئ يبحلق في وجهي والكلاب الباقيات من ورائه تتدافع لافتراسي أهتزت أعضائي كسعف النخيل التصقت بالحائط الخلفي لمنزل مهجور بجانبه مساحة واسعة موحشة تمتد الى مسافة كلها مطبات امتلأت بمياه آسنة خلفتها الإمطار الغزيرة .
لا أعرف ماذا أفعل .!
أتساءل من أين أتت هذه الكلاب المسعورة ؟!
كنت خائفاً كان لهاثي يصعد أعلى السطوح الى السماء لا أحد يسمعني ، يساعدني ، الهواء النقي يختلط مع زفير الكلاب المسعورة ، استسلمت تماماً لحركة أفواه الكلاب التفت حولي لم يكن ثمة أحد أدركت أن كل شيء قد انتهى وأنني ميت لا محالة تنهشني الكلاب بمخلبها تمزق أحشائي ، الموت هذا السكون الذي يدمر حركة الجسد يقترب مني ، بعد موتي سوف يتحدث الأقرباء عني قليلاً بعدها يتجاهلونني تماماً فأمضي ، أركن في رفوف النسيان ، أحسست باحتباس شديد في مثانتي معها سال بولي على سروالي ونزل على قدمي الحافية وفي فمي ما يشبه الطعم المر وأنا صامد مرتبك أمام الكلب الأبيض منتظراً منه الهجوم ليأخذ لحمة طرية من جسدي لا أعرف بالضبط من أين يبدأ من ساقي أم من بطني ؟ لا أدري تاركاً سروالي يغادرني الى الارض خال لي أنني رأيت هذا الكلب من قبل فقد بح صوته قليلاً .
آه.. تذكرت في يوم ما قفز على وجهي أخافني وأنا أرمي بعض النفايات في الحاوية ظلت صورته عالقة في ذهني ، حاولت التخلص من هذا الوضع الصعب ، أن أضع أطرافي الأمامية على الأرض بعد تقويس ظهري ، زمجرت وأطلقت نبحه نبحتان قوية وإذا بالكلاب تدير ظهرها وبقي الكلب الأبيض يراقب حركاتي ويداعب لسانه نظرت الى الكلاب البعض منها أنشغل يأكل حيوان متفسخ تدخل رائحته أنفي وأخرى بدأت تلوط بجواري لا يهمها وجودي ، كلب لاهث آخر يمرغ جسده في بركة آسنة .
تساءلت لماذا لم تعضني ربما تعتبرني حماراً حيث تربطهم صداقة حميمة في المزابل .. فعلاً كنت حماراً لأنني تركت منزلي مفتوحاً في منتصف الليل وركضت وراء لص يحمل سكيناً جارحاً ربما يطعنني طعنة قوية أفارق الحياة على أثرها.. الكلب الأبيض لازال واقفاً أمامي يطلق أصوات خفيفة واطئة ربما يكلمني بلغته التي لا أعرفها ؟
انتفضت من جديد أمسكت بسروالي ورفعته من الأرض بارتباك شديد ، دعكت شعري وضعت أطرافي الأمامية على الأرض وقوست ظهري كما في المرة السابقة وبدأت أصرخ صراخاً قوياً كمن ينفجر فيه ينبوع خفي عسى أن تستيقظ البيوت لإنقاذي من هذه المحنة ، تحول صوتي الى عواء ذئب دخل الرعب الى الكلاب فر قائدهم من أمامي مسرعاً انطلقت الكلاب وراءه وإذا بوالدتك توقظني ..
قــــالت بارتباك: ما هذا الصوت الذي تطلقه ؟ نحن لم نعتاد على سماعه منك سابقاً أنك تحلم !!
ولدي العزيز لقد أطلت عليك لا تفكر بما كتبته لك تسلح بالصبر..
يقول ( اوسكار وايلد ): من يعيش أكثر من حياة يقاسي أكثر من موت .. وداعاً .